عقد الرئيس التونسي منصف المرزوقي اجتماعين على انفراد مع كل من الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي والأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي في خطوة لتطويق تداعيات أزمة سياسية تعصف بالبلاد منذ أسبوع.
ويأتي الاجتماعين في إطار "سلسلة من اللقاءات قرر المرزوقي إجراءها مع مختلف الفاعلين السياسيين بهدف دعم التشاور والحوار معهم حول السبل الكفيلة بتجاوز الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد وإنجاح المرحلة الانتقالية".
وقالت الجريبي إنها طالبت المنصف المرزوقي بـ "ضرورة أن يقر الائتلاف الحاكم"، الذي تقوده حركة النهضة" بـ "وجود أزمة سياسية حقيقية بسبب تعطل العلاقة بين أطرافه وبسبب ما يشوب البلاد من توتر أمني واحتقان اجتماعي".
وشهدت تونس الأسبوع الماضي أزمة غير مسبوقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية منذ توليهما مسؤولياتهما في كانون الأول/ديسمبر 2011 على خلفية تسليم حمادي الجبالي لآخر رئيس للوزراء في حكم القذافي الراحل البغدادي المحمودي للسلطات الليبية دون موافقة رئيس الجمهورية الأمر الذي رأى فيه المرزوقي "غير شرعي وينطوي على تجاوز (من حمادي الجبالي) للصلاحيات المخولة له قانونيا".
وألقت الأزمة بضلالها على المشهد السياسي حيث طالب 75 من اصل 217 من نواب المجلس التأسيسي بسحب الثقة من حكومة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية.
وقالت مية الجريبي إنها دعت إلى "تفادي تقوقع الحكومة على ذاتها من أجل تشخيص حقيقي للوضع وإيجاد الحلول الجذرية الملائمة" ملاحظة أن النهج الذي سار فيه أطراف الحكم لا يمكن "أن يؤدي إلى النهوض بالبلاد لا سياسيا ولا اجتماعيا وهو ما يستوجب التعجيل بمراجعته".
ويقول مراقبون إن الرئيس التونسي أصبح أكثر "حذرا" و"يقظة" تجاه ممارسة صلاحياته" بعد أن سلم الجبالي المحمودي دون موافقته، ملاحظين أنه يريد أن يؤكد للشعب أنه "قادر على ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية" وأشاروا إلى أن "القرار الجمهوري" بعزل محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي يتنزل في هذا الإطار.
وأشارت مية الجريبي إلى أنها أن أكدت مجددا خلال لقائها بالمرزوقي بمقترحها الداعي إلى تكوين "حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد تضم كفاءات" حتى تتفرغ الأطراف السياسية الفاعلة "لصياغة الدستور والإعداد للانتخابات القادمة".
وبرأي المعارضة فإن الحكومة الحالية هي "حكومة حركة النهضة الإسلامية" أكثر مما هي حكومة ائتلاف" وتنتهج "سياسة الحزب الواحد" في تعاطيها مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مرحلة دقيقة من تاريخ بلاد في أمس الحاجة إلى مشاركة كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين من أجل "وفاق" حول نحت ملامح دولة مواطنة مدنية ومجتمع تعددي ديمقراطي.
من جهته شدد الأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي خلال لقائه بالمرزوقي على "ضرورة اعتبار المجلس التأسيسي السلطة الأصلية في مناقشة الاختيارات الكبرى والقضايا الجوهرية المتعلقة بالسياسة الوطنية الداخلية والخارجية وإقرار الاختيارات الكبرى وضبط المواقف العامة بشأنها".
وطالب بـ "وجوب وضع أجندة خاصة بالفترة الانتقالية الحالية".
ويتهم الهمامي حكومة حمادي الجبالي بأنها "حكومة محاصصة سياسية وحزبية" فشلت في تقديم حلول عملية لمشاغل التونسيين كما يتهمها بأنها "تسعى لرهن تونس لدى دول البترودولار وفي مقدمتها دولة قطر وكذلك لدى القوى الإمبريالية وفي مقدمتها أميركا".
ولاحظ الهمامي ان تجاوز الأزمة السياسية الراهنة يستوجب "تكثيف العمل مع الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات والمنظمات الحقوقية" إضافة إلى إعلام الرأي العام بواقع الوضع في البلاد "بعيدا عن التبريرات غير المنطقية".
ولا تتردد الأحزاب المعارضة في التعبير عن "غضبها" مما تتعرض له من "تهميش" من طرف الحكومة التي تقول إنها تستفرد بقرارات وطنية على قدر كبير من الأهمية تقتضي إجراء مشاورات موسعة قبل اتخاذها.
واعتبر الهمامي أن عملية تسليم البغدادي المحمودي "عملية حزبية ضيقة لخدمة طرف سياسي في ليبيا قبل الانتخابات".
ولاحظ أن تونس اليوم في حاجة إلى "برنامج يكرس أهداف الثورة في إرساء حكم ديمقراطي يلبي مطامح الشعب الاقتصادية والاجتماعية ووضع برنامج عمل نابع من هذه المنطلقات".
ودعا حمة الهمامي "كل القوى الديمقراطية سواء الحزبية و الجمعياتيــــة و شخصيات مستقلة للوقوف ضد ما اسماه "نزعة تكريس استبداد جديد في تونس".
وتقول القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية إن حركة النهضة التي تقود الحكومة تسعى إلى "تفكيك" مؤسسات الدولة المدنية من أجل بناء دولة دينية وإلى فرض نمط مجتمعي سلفي وهابي يتناقض مع تطلعات التونسيين إلى مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف ويحترم الحريات المدنية والسياسية بما فيها حرية المعتقد".
اضف تعليق