في سابقة غير معهودة، نفذت إسرائيل ضربة جوية داخل العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت مقرًا يجتمع فيه قادة من حركة “حماس” لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار في غزة. وأسفر الهجوم عن مقتل عدد من قيادات الحركة إلى جانب عنصر من قوات الأمن القطرية، في تطور يفتح الباب واسعًا أمام مرحلة جديدة من التصعيد في المنطقة.
الاستهداف: ضربة تتجاوز البعد العسكري
العملية الإسرائيلية لم تُقرأ فقط كضربة نوعية ضد قادة “حماس”، بل أيضًا كرسالة سياسية مباشرة إلى قطر، الدولة التي لعبت دور الوسيط الأبرز في الملفات الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة. اختيار التوقيت – بالتزامن مع مباحثات وقف إطلاق النار – والمكان – داخل أراضي وسيط إقليمي – يجعل الضربة أبعد من مجرد عملية عسكرية، ويمنحها طابعًا استراتيجيًا يختبر قدرة قطر على الاستمرار في لعب دور الوسيط.
ماذا بعد؟ التداعيات على المستوى الإقليمي والدولي
ردود الفعل الدولية جاءت قوية وسريعة؛ الأمم المتحدة وصفت الضربة بأنها “انتهاك صارخ لسيادة دولة مستقلة”، فيما أدانت تركيا ودول أخرى هذا التطور باعتباره تجاوزًا لكل الأعراف الدبلوماسية.
هذا يعني أن إسرائيل لم تعد تواجه فقط حماس في غزة، بل تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع شبكة أوسع من القوى الإقليمية والدولية، بما يفتح احتمالات لتوترات دبلوماسية غير مسبوقة في الخليج.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن هذه الضربة قد تُعقّد من جهود الوساطة التي اضطلعت بها قطر بين إسرائيل وحماس، وقد تدفع أطرافًا إقليمية أخرى – مثل مصر أو تركيا – إلى محاولة ملء الفراغ أو إعادة صياغة أدوارهم في ملف غزة.
الرد القطري: بين الحسابات السياسية والردود العملية
هنا يطرح السؤال الأهم: كيف سيكون الرد القطري؟
-
الخيار الأول: التصعيد الدبلوماسي، عبر استدعاء السفراء واللجوء إلى مجلس الأمن، مع بناء موقف خليجي موحد يستند إلى مبدأ حماية السيادة.
-
الخيار الثاني: إعادة تقييم دور الوساطة، إذ قد تلوّح قطر بتقليص انخراطها في الوساطة بين إسرائيل وحماس، أو وضع شروط أكثر صرامة لاستمرار دورها.
-
الخيار الثالث: تعزيز التحالفات الإقليمية، خصوصًا مع تركيا وإيران، باعتبار أن الحادثة تعزز سردية أن أمن الخليج بات مهددًا من خارج حدوده التقليدية.
الموقف الأمريكي: توازن صعب
من المرجح أن تجد الولايات المتحدة نفسها أمام معادلة معقدة. فمن جهة، واشنطن لا تستطيع التخلي عن دعم إسرائيل، خصوصًا في معركتها ضد “حماس”. ومن جهة أخرى، قطر تمثل حليفًا استراتيجيًا لواشنطن، حيث تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة (قاعدة العديد). أي تصعيد ضد الدوحة قد يهدد بتقويض ترتيبات أمنية واسعة في الخليج.
لذلك، من المتوقع أن تسعى الإدارة الأمريكية إلى تهدئة الموقف، عبر التأكيد على التزامها بأمن قطر، مع الاكتفاء بممارسة ضغط محدود على إسرائيل، بحيث لا تخسر طرفًا على حساب الآخر.
تحليل سياسي: هل تتغير قواعد اللعبة؟
الضربة على الدوحة تمثل تجاوزًا للقواعد التقليدية للصراع. فهي ليست مجرد رسالة عسكرية، بل إعادة ترسيم لخطوط النفوذ في المنطقة. إسرائيل تراهن على أن قطر لن تذهب أبعد من المسار الدبلوماسي، لكنها في الوقت ذاته تخاطر بإضعاف أي قنوات تفاوضية مستقبلية، وهو ما قد يعيد الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى مربع أكثر دمويّة.
ويبقى الاحتمال الأقوى أن قطر ستستخدم ما جرى لتعزيز شرعيتها الدولية كدولة “معتدى عليها”، ما يمنحها موقفًا أقوى في الساحة الدبلوماسية، حتى وإن كان ذلك على حساب حيادها كوسيط.
اضف تعليق