إن انسحاب إدارة ترامب من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات بالكامل على إيران قد غذت الأيديولوجية القومية والمناهضة للإمبريالية التي أصبحت محور تركيز الحرس الثوري
على الأقل منذ احتجاجات الانتخابات الرئاسية التي شابها الاحتيال عام 2009 ، كان الحرس الثوري يدرك أن الأيديولوجية الدينية لم تعد قادرة على حشد الدعم المرجو لاسيما بين قطاع الشباب. واعترف بذلك المسؤول عن قطاع الإعلام في الحرس الثوري قائلاً “الجيل الأصغر في بلدنا لم يعد يفهم لغتنا الدينية”. ورد الحرس الثوري على هذا التحول بتركيز جهود الدعاية على مفاهيم القومية ، وذلك بحسب عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية نرجس باجولي.
نزعات تجديد الخطاب لدى الحرس الثوري تجلت فى أغنية قدمها أمير تاتالو مغني الراب الإيراني ، فى غضو ن حملة قام بها في عام 2017 لصالح المرشح الرئاسي المتشدد إبراهيم ريئسي حول القومية والعسكرة ، ألمح بها إلى ضرورة وجود نظام قوي لحماية البلاد. واشتملت الأغاني على التالى : هذا هو حقنا المطلق في الحصول على خليج فارسي مسلح … إذا لم يكن هناك صاعقة فسوف يدمرون السماء … يجب أن تكون هناك حماية ليوم سيء”
يبدو أن حملة “الضغوط القصوى ” التي قام بها الرئيس ترامب تهدف إلى تحقيق نبوءة اليوم السيئ بالفعل . ففي عام 2018 ، انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووى و ونتيجة لإعادة فرض العقوبات الأمريكية ، ارتفع التضخم الإيراني إلى 52٪ في أبريل. الأمر الذى سهل على المتشددين الإيرانيين تكريس صورة الولايات المتحدة بأنها عدوانية إمبريالية غير جديرة بالثقة. في المقابل ، أتاح ذلك للحرس الثوري الإيراني إعادة تقديم نفسه كقوة تحمي الإيرانيين وتتحدى الغطرسة الأميركية .
وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخرًا أن الضغوط الأمريكية ليست جديدة على البلاد. وفي الثالث من يوليو / تموز ، أجاب ظريف أن “العدوان الأمريكي على إيران لم يبدأ بعهد ترامب ” ، في إشارة إلى إسقاط الولايات المتحدة لطائرة ركاب إيرانية قتلت 290 شخصًا كانوا على متنها ، عام 1988 ، وذلك حين دعمت واشنطن بغداد في الحرب العراقية الإيرانية. وأرفق ظريف صورة لطوابع بريد إيرانية توثق الحدث
ومع أن العمل العسكري الأمريكي ضد إيران قد لا يكون جديدًا ، إلا أن ردود فعل طهران على الوجود العسكري الأمريكي الكبير في الخليج العربي باتت أكثر جرأة ، كما يتضح من إسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة أمريكية بدون طيار بقيمة 130 مليون دولار في يونيو, وتصوير العرض على طريقة فيديو مغنى الراب لإستعراض القوة العسكرية الإيرانية حيث قام الحرس الثوري الإيراني بنشر مقطع فيديو يظهر فيه العلم الأمريكي وإطلاق طائرة بدون طيار مع موسيقى خلفية مثيرة. وأعقب هذه الصور لقطات حقيقية لتفجير طائرة أمريكية بدون طيار. كماأظهر الفيديو أيضًا خريطة لمضيق هرمز .
وترتبط الإيديولوجية القومية للحرس الثوري الإيراني بتركيزها التاريخي على معاداة الإمبريالية والذى كان هدفًا مهمًا للحرس الثوري منذ تشكيله بعد الثورة الإسلامية عام 1979 ولعل أحد أهم الشواهد البارزة للنفوذ الإمبريالي ، الانقلاب الذي حدث عام 1953 ضد رئيس الوزراء محمد مصدق برعاية أميركية –بريطانية وذلك حين قاد مصدق تحالفاً معادياً للإمبريالية وقام بتأميم صناعة النفط.
رسائل الحرس الثورى المتعلقة بأن إيران قد تكون في وضع غير موات عسكريًا لكنها لن تتوقف عن تحدي إمبراطوريات قديمة وجديدة تبدو واضحة من خلال مقطع فيديو آخر ، يظهر طائرة هليكوبتر ينطلق منها أفراد الحرس الثوري الإيراني إلى الناقلة. ويظهر أيضًا ناقلة النفط الكبيرة والقوارب السريعة الضخمة التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني المحيطة بها.
إظهار القوة العسكرية في حالة إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار والاستيلاء على الناقلة البريطانية ،يسعى الحرس الثوري من خلاله إلى التقليل من أهمية الأسلحة التقليدية في البلاد مقارنة بالقوى العالمية مثل الولايات المتحدة وشريكها الإقليمي ، المملكة العربية السعودية. كما يعمد إلى زيادة موارده المحدودة إلى أقصى حد من خلال التكتيكات غير المتماثلة ، مثل استخدام القوارب السريعة لسرب الطائرات الكبيرة أو زرع الألغام البحرية
من خلال استعراض عضلاته ، يبرهن الحرس الثوري للمجتمع الدولي أن لديه لدغة وكذلك اللحاء وأن قرار الولايات المتحدة لمحاولة منع إيران من تصدير النفط سيكون له عواقب وخيمة. صحيح أن حملة الضغوط القصوى التي قامت بها إدارة ترامب حصرت إيران رغماً عنها فى زواية ضيقة ، لكنها بذات الوقت أسمهت فى تعزيز وتقوية مفاهيم القومية لدى الحرس الإيراني. وطالما استمرت الولايات المتحدة في هذه الاستراتيجية ، فإنها على الأرجح ستغذى سرديات الحرس الثوري.
المصدر : بيا هيشر –أتلانتك كانسل









اضف تعليق