الرئيسية » رئيسى » العلاقة بين تركيا وإسرائيل تدخل أخطر مراحلها منذ عقود
تقارير ودراسات رئيسى

العلاقة بين تركيا وإسرائيل تدخل أخطر مراحلها منذ عقود

دخلت العلاقة بين تركيا وإسرائيل أخطر مراحلها منذ عقود، إذ باتت الدولتان تعلنان صراحةً احتمال وقوع مواجهة عسكرية. ما بدأ كتوتر دبلوماسي بسبب غزة، تطور إلى منافسة استراتيجية أوسع تهدد بإعادة رسم البنية الأمنية للشرق الأوسط. تصريحات المسؤولين من الجانبين تكشف أن العلاقات وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة عشر عامًا، فيما يلوح شبح الصراع في الأفق، خصوصًا في الأراضي السورية المتنازع عليها.

هذا التدهور يتجاوز حدود الخلاف الثنائي، ليعكس تحوّلًا جوهريًا في موازين القوى الإقليمية بما قد يترك آثارًا بعيدة المدى على مصالح الولايات المتحدة واستقرار المنطقة وصراع النفوذ في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ما يسميه “إسرائيل الكبرى” – وهو مشروع هيمنة توسعي برز بقوة بعد حرب 1967 – تسرّع تركيا خطوات تحديث جيشها وبرامج صناعتها الدفاعية المحلية، مما يضع الأسس لمواجهة قد تعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي للمنطقة.

من الجانب الإسرائيلي، يرى خبراء الأمن أن تركيا تمثل تهديدًا إقليميًا رئيسيًا، وقد تم ترسيخ هذا التقييم على أعلى المستويات الاستراتيجية. ففي يناير الماضي، أصدرت لجنة ناغل – المكلّفة من الحكومة الإسرائيلية – تقريرًا وصفت فيه تركيا بأنها “تهديد استراتيجي”، ودعت للاستعداد لحرب محتملة معها. كما اعتبر وزير شؤون الشتات، عمخاي شيكلي، أن “تركيا يجب أن تكون الهدف التالي بعد إيران”، داعيًا إلى حملة إعلامية دولية ضدها.

أما أنقرة، فخطابها لا يقل حدة. الرئيس رجب طيب أردوغان وصف نتنياهو بأنه “أكبر تهديد للشرق الأوسط”، فيما أكدت وزارة الخارجية التركية أن إسرائيل باتت الخطر الأكبر على أمن المنطقة من خلال اعتداءاتها على وحدة الدول الإقليمية وسلامتها.

الأزمة تفاقمت بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، إذ تحولت سوريا من ساحة صراع بالوكالة إلى ساحة مواجهة مباشرة محتملة بين تركيا وإسرائيل. ومع تبني كل طرف لرؤية متناقضة لمستقبل سوريا، تصاعدت احتمالات سوء الحسابات بشكل خطير. فالقوات التركية تسيطر على شمال سوريا، بينما تكثف إسرائيل عملياتها في الجنوب والوسط، في تقارب جغرافي عسكري ينذر بالانفجار.

إسرائيل، من جانبها، تعمل على إبقاء سوريا دولة فاشلة ضعيفة ومجزأة، بل وتدعم الأقليات الطائفية والإثنية، مثل بعض المجموعات الدرزية والكردية، في مسعى لإقامة ما يسمى “ممر داوود” الذي يربط جنوب سوريا بشرقها وصولًا إلى العراق، بما يوسع النفوذ الإسرائيلي وصولًا إلى حدود تركيا. أنقرة ترى في هذا التوجه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقد تعهد أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان بالتدخل إذا اقتضى الأمر لمنع أي مشروع تقسيمي في سوريا.

في الوقت نفسه، يدفع سباق التسلح المشهد نحو مواجهة محتملة. فقد أعلنت تركيا عن تطوير صواريخ فرط صوتية مثل “تايفون بلوك-4”، وقنابل خارقة للتحصينات أطلق عليها اسم “غزة”، إضافة إلى مقاتلاتها محلية الصنع KAAN وأنظمة الطائرات المسيّرة المتطورة، في ما يشكل رسالة ردع واضحة لإسرائيل. كما تصاعدت الدعوات الداخلية في تركيا لامتلاك قدرات نووية، وهو ما يعكس حجم القلق من التهديدات الإسرائيلية.

بالنسبة للولايات المتحدة، تمثل هذه المنافسة بين أنقرة وتل أبيب معضلة كبرى، إذ أن التحالف مع الطرفين قد يصبح غير قابل للاستمرار حال اندلاع مواجهة مباشرة. وهو ما قد يفرض على واشنطن خيارات صعبة تتعلق بأولوياتها في المنطقة.

وبينما يرى نتنياهو أن المواجهة مع تركيا “حتمية”، يدرك الأتراك أن الخطر يتفاقم تحديدًا في ظل القيادة الإسرائيلية الحالية ونهجها المزعزع للاستقرار. المؤشرات جميعها تدل على أن كلا الجانبين يستعدان لسيناريو الصراع، ما ينذر بإعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط على نحو قد لا تكون نتائجه في صالح أي طرف.