الرئيسية » تقارير ودراسات » اللعبة الروسية فى سوريا محفوفة بالمخاطر
تقارير ودراسات رئيسى

اللعبة الروسية فى سوريا محفوفة بالمخاطر

مكاسب التدخل الروسي فى سوريا ، ليست كما تبدو خالية من المخاطر. ربما يكون بوتين  قد فاز “باليانصيب،” وعززت موسكو مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط ، إلا أن الضعف الاقتصادي في الداخل  قد يقوض جهود كوسيط فى المشهد الأخير من اللعبة السورية .

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 ، انسحبت روسيا إلى حد كبير من الشرق الأوسط.  غير أن وصول بوتيم مثل علامة فارقة إذ نجح من خلال تكثيف تدخله من مداعبة أشواق العديد من الروس فى أن يستعيد بلدهم مكانته فى الستحة الدولية وربما فى أن يصبح  في المرتبة الأولى من القوى العالمية.

القوة العسكرية والطاقة الضخمة كانتا أداة بوتين لتحقيق طموحاته  حيث  تستخدم روسيا القوة حتى ضد الأهداف المدنية وعملائها من مشترى الأسلحة في الشرق الأوسط ، كما يمتلك الكرملين موهبة دبلوماسية فريدة نسج من خلالها علاقات مع جميع اللاعبين الرئيسيينفى المنطقة .

لقد ساعد تدخل روسيا في سوريا في عام 2015 في إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد ، الذي كان يعاني من الهزائم  المتتالية على أيدي مختلف جماعات المتمردين ، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.  وكمكافأة ، قد يُسمح لروسيا بتحقيق هدفها الرئيسى المتثمثل بتأسيس المزيد من القواعد  البحرية والجوية في سوريا ، وبذلك تكون قادرة على تهديد قوات الناتو المعرضة في جميع أنحاء منطقة شرق البحر المتوسط.

إلى جانب هذه المكاسب ، قد يواجه الكرملين مشكلتين رئيسيتين: رد فعل شعبى  ضد استمرار التدخل وعدم القدرة على مساعدة سوريا في إعادة البناء.

ففي عام 2017 ، توصل استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا المستقل إلى أن 49 في المائة من المشاركين يعتقدون أن على روسيا أن تنهي عملياتها العسكرية في سوريا ، مقابل 30 في المائة يرغبون في الاستمرار.

ومع أن  الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات قد عزز التصورات في الداخل الروسي بشأن انتصار بوتين وكون موسكو ربحت المعركة السورية , بيد أن  العديد من الروس يرون أن التدخلات العسكرية في سوريا وشرق أوكرانيا تعتبر “مغامرات أجنبية” باهظة الثمن. وهذا يعكس جزئيًا عدم الارتياح المتزايد لأن روسيا تعاني من  “حقبة ركود” أخرى ، تنذر بتصاعد  الفقر وسحق عصر بريجنيف. .

 

وخلال الأعوام الخمسة الماضية لم يرتفع أى  ناتج محلي إجمالي أكثر من واحد في المائة فقط. وتشير استطلاعات مركز ليفادا إلى أنه في كل عام من عام 2008 حتى عام 2018 ، كان عدد أكبر من الروس ينظرون إلى العام الحالي على أنه أصعب ، وليس أسهل مقارنة بالعام السابق.

قد لا تفعل روسيا البائسة الكثير لمساعدة سوريا في إعادة البناء. حيث قدرت الأمم المتحدة  قبل عام كلفة الحرب السورية بحوالي 388 مليار دولار يضاف إلى ذلك الكلفة البشرية أو بمعنى آخر الخسائر الهائلة فى الأرواح  . فيما من المرحج وفقاً للأمم المتحدة أن تناهز  تكاليف إعادة الإعمار نحو 250 مليار دولار ، أي حوالي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل الحرب.

في العام الماضي ، أكد الفرنسيون أن الاتحاد الأوروبي لن يساعد في إعادة بناء سوريا “ما لم يتم تنفيذ انتقال سياسي فعال ، من خلال الإجراءات  الدستورية والانتخابية”. وتتبنى الولايات المتحدة وجهة نظر مماثلة. علاوة على ماسبق فإن ثمة مثبطات أخرى تتعلق بملف الإعمار قد تشمل قلق الجهات المانحة على الجودة ، ومخاطر الفساد ، واحتمال فرض عقوبات على الأسد.

في سوريا ، هناك خطر آخر يتمثل في أن الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية ، بما في ذلك القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية ، يمكن أن يستولوا على الموارد  ، ويعيقوا إعادة الإعمار ، وقد يسعون إلى ابتزاز أو فرض ضريبة على السكان المحليين الذين يعملون في مشاريع البناء.

الكرملين محبط لأن الغرب لا يدفع الثمن. ففي يناير 2018 ، زعم السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي أن الدول الأوروبية “ستتحمل المسؤولية” إذا لم تبدأ في غضون أشهر إنفاق “عشرات المليارات من اليورو” على إعادة الإعمار. و أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن رفض الولايات المتحدة للمساعدة في إعادة بناء سوريا من شأنه أن يردع اللاجئين عن العودة إلى ديارهم.

مكاسب التدخل الروسي فى سوريا قد تتضاعف حال هدأت الأوضاع وانتهت الحرب ومن ثم بدأت مرحلة إعادة البناء . بيد أن هذا قد يتطلب على الأرجح تسوية سياسية ، يتم التوصل إليها بوساطة الأمم المتحدة تنخفض عل إثرها موجات العنف  ويسهل على الأحزاب الرئيسية ممارسة دورها فى الحياة السياسية . لكن سيكون تحقيق ذلك أصعب إذا ظل الكرملين مترددًا في الضغط على الأسد لتقديم تنازلات من أجل السلام.

فرص الاستقرار طويل الأجل في دمشق تبدو شبه خيالية ، وسيتطلب قياس مستوياته على الأرجح عقوداً . كما سيستغرق الأمر وقتًا لتقييم حجم الانتصارات الروسية فى سوريا. وفي حالة عدم وجود نهاية سلمية للصراع وضخ المساعدات الغربية على نطاق واسع ، فإن مخاطر تدخل موسكو فى الصراع قد تسحق كل المكاسب التى تزعم أنها حققتها .

المصدر : كولين ب. كلارك وليام كورتني – ناشينوال انترست