الرئيسية » أرشيف » المدنيون العزّل.. بين فظائع النظام وانتقام الثوار
أرشيف

المدنيون العزّل.. بين
فظائع النظام وانتقام الثوار

يزداد عدد ضحايا الحرب الأهلية في سوريا ارتفاعا من أسبوع الى أسبوع، حيث يقتل الناس بالرصاص أو يذبحون بالسكاكين، أو تصفى دماؤهم في هجوم بالمدفعية.

وها هي الجثث ملقاة بالمساجد والطرقات وفي الحقول، تبدو وكأنها شهود صامتون على المعركة التي دارت رحاها في مدينة داريا الصغيرة القريبة من دمشق، تلك المعركة التي لم تعرف الرحمة، لا بالنسبة للمدنيين الذين لم يكونوا طرفا فيها، ولا بالنسبة للأسرى. ولعل صور الفيديو والتقارير التي نشرت يوم نهاية هجوم الجيش على المدينة تساعد في إعادة تصوير ما حدث في المدينة التي تعد من ضواحي دمشق.

ثقافة الانتقام
وكان الجيش السوري النظامي قصف داريا بالمدفعية، بعدما تزايدت أعداد المعارضين المسلحين فيها، وتقع داريا على خط الإمداد بالنسبة للمعارضين الذين يقاتلون في العاصمة، وأطلق الجيش النظامي مروحياته للهجوم على المعارضين، الذين اضطروا بسبب سوء تسلحهم، مقارنة بالجيش النظامي وبسبب نفاد ذخيرتهم، إلى الانسحاب، لكن قوات بشار الأسد اقتحمت المدينة وقامت بقتل عشرات الأشخاص، وفي طليعتهم الشباب.

بيد أنه من غير المستبعد أن يكون بعض من جثث القتلى لأشخاص يحتمل تعاطفهم مع النظام، وقامت قوات المعارضة بقتلهم، ذلك أن الصراع الدائر على مدار 18 شهرا خلق نوعا من ثقافة الانتقام بين صفوف المقاتلين.

تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من المقاتلين المتطوعين يحاربون النظام تحت راية الإسلام السني، وذلك على عكس المنشقين عن الجيش النظامي الذين انضموا إلى الجيش السوري الحر. وينظر هؤلاء المقاتلون المتطوعون إلى الزمرة الحاكمة، التي يسيطر عليها أتباع الأقلية العلوية، وإلى ميليشياتها بوصفهم أعدائهم، الأمر الذي يجعلهم يخطفون ويقتلون حتى السنة الذين يعتبرونهم عملاء للنظام. لكن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى تراجع الوازع الذي يستوقف بعض المقاتلين المناوئين للأسد حول مسألة الذنب الفردي، في حال أن يكون الواقع في قبضتهم شخصا منتميا للطائفة العلوية.

غير أنه وبسبب فظائع النظام السوري، وتشدد الحركة الثورية، فإن أصوات العزل الذين ينادون بوضع حد للعنف لم تصل إلى آذان هؤلاء الذين يقاتلون منذ أشهر، أو هؤلاء القابعين في منازلهم يملؤهم الخوف. وتصرخ امرأة سورية بصوت ملؤه المرارة، بينما تتعثر خطاها في حطام منزلها الذي دمر نصفه: «لقد ضحينا بما فيه الكفاية، ويجب أن ينتهي هذا الأمر في وقت ما». وعلى الرغم من أن الأم الشابة المنحدرة من حلب تتعاطف مع أهداف المعارضين للأسد، فإنها وبعد فقدانها لاثنين من ذويها بينهما الصغيرة حنان، التي تبلغ من العمر ثمانية أعوام، أصبحت ترغب في نهاية الحرب.

تعرف هذه الأم أن كلماتها لن تروق للقادة المحليين لألوية الثوار، غير أنها لا ترى سوى عمتها حليمة التي تقف باكية في وسط حطام كان يوما منزلها.