لماذا تعد الفيدرالية خياراً مثالياً لطرابلس ؟ بداية وقبل أن نجيب على هذا السؤال ..اتذكر واقعة حدثت قبل سنوات فى المدينة الشاطئية والاقتصادية ,حين فكر أحد رجال الأعمال فى إنشاء محطة كهرباء لتغذية المدينة ووقفت البيروقراطية ومركزية السلطة عائقاً أمام تنفييذ المشروع .
القصة قد تكون مقدمة جيدة لرسالتى إلى شباب طرابلس لكنها فى الوقت ذاته قد تكون غير مقنعة بشكل كافى لتبنى فكرة الفيدرالية ..بيد أن إلقاء نظرة سريعة على المدينة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأجتماعية قد تجعلك تتيقن أن الواقع الفيدرالي هو الحل الأمثل لطرابلس ولبنان بأكملها.
فعلى الرغم من أن طرابلس ينحدر منها أغنى السياسيين في لبنان وفي طليعتهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحسان دياب رئيس الوزراء الأسبق فضلاً عن النائب ” النائب فؤاد مخزومي , غير أن العزوف الانتخابى والذى ظهر فى تصويت ثلاثة فقط من كل 10 أشخاص في المدينة في الانتخابات البرلمانية في مايو يؤشر بشكل واضح لحالة الانفصال الكامل بين الناس في طرابلس والسياسيين والاعتقاد بأن لاشىء من الممكن تغييره مع استمرار النظام السياسى الراهن ، صوت ثلاثة فقط من كل 10 أشخاص في المدينة في الانتخابات البرلمانية في مايو.
لاسيما وأن لهذه المدينة وجها آخر، حيث يتمدد الفقر وتتسع رقعته، وبالتوازي، يتراجع دور المؤسسات الرسمية ويتقلص حضورها, مما جعلها مؤخراً منطلقاً لرحلات بحرية محفوفة بالمخاطر للهروب من الفقر. بعدما شهدت تاريخياً مستويات أعلى من الفقر والبطالة مقارنة بأجزاء أخرى من لبنان.على وقع أزمة اقتصادية حادة اتسمت بارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية واضطراب القطاع المصرفي.طبعت تأثيرات متتالية على الأعمال التجارية وسبل العيش والوصول إلى السلع والخدمات الأساسية وتركت شريحة كبيرة من السكان دون مصادر دخل ثابتة.
استمرار الانهيار المالي المدمر لثلاث سنوات والافتقار إلى البنية التحتية والخدمات بما في ذلك إمدادات الكهرباء والمياه غير الموثوق بها ، وسوء صيانة الطرق ، علاوة على محدودية الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية والتعليم الجيدة. بالإضافة إلى غياب مشاريع الدولة التنموية المتوازنة جراء حالة عدم الاستقرار عدم الكفاءة والشلل السياسي لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات. كل هذه العوامل جعلت الوضع الاقتصادي والمعيشي في طرابلس كارثياً بكل ما للكلمة من معنى.
وفي الآونة الأخيرة، كانت طرابلس نموذجاً للوضع الأمني المتدهور المرتبط بالانهيار المالي. فقد كانت طرابلس والمناطق المحيطة بها بيئة خصبة لتجنيد المتشددين من الشباب السُنة. ولعبت الانقسامات الطائفية تاريخياً دوراً في النسيج الاجتماعي لطرابلس. ساهمت هذه الانقسامات ، إلى جانب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ، في توتر وتهميش مجتمعات معينة داخل المدينة.
كما كان للمخاوف الأمنية والاشتباكات العرضية المتعلقة بالتوترات الإقليمية والسياسية تأثير على استقرار طرابلس لاسيما مع قرب المدينة من الحدود مع سوريا وتنوع سكانها مما جعلها عرضة للآثار غير المباشرة للنزاع هناك. حيث ستضافت المدينة أيضًا عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين مما أفضى بدوره إلى إجهاد الموارد والخدمات المحلية ، وزاد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
لقد أدى تضافر هذه العوامل إلى وضع معقد وصعب في طرابلس ، تفاقم بسبب القضايا الوطنية الأوسع التي تؤثر على لبنان. لمواجهة هذه التحديات ، سيكون من الضروري اتباع نهج شامل يتضمن إصلاحات اقتصادية ، وتحسين الحوكمة ، والبرامج الاجتماعية المستهدفة. و في سياق طرابلس ، يمكن أن يوفر تطبيق شكل من أشكال الفيدرالية بعض الفوائد لتعزيز وضعها الاقتصادي والاجتماعي.
الفيدرالية ليست حلا بالمطلق، لكنها بالتأكيد مسار طبيعي نحو تنظيم وإدارة التعددية في لبنان وصولا إلى نظام سياسي صحي لكن كيف يمكن للحل الفيدرالي أن يساعد طرابلس خاصة و لبنان يشكل عام ؟
ستسمح الفيدرالية لطرابلس بالحكم الذاتى بما يعنى مزيد من السيطرة على حوكمتها وسياساتها وعمليات صنع القرار فيها. الأمر الذى من شأنه أن يمكّن هذا القادة المحليين من تصميم الحلول التي تلبي الاحتياجات والتحديات المحددة للمدينة ، دون الاعتماد المفرط على القرارات المتخذة على المستوى الوطني.
وعلى سبيل المثال لا الحصر معرض رشيد كرامي الدولي المنهار في مدينة طرابلس الشاهد على انهيار المدينة بعد أن أضيف إلى قائمة الأمم المتحدة لمواقع التراث العالمي المعرضة للخطر والأمر لايزال متروكاً للسلطات اللبنانية يمكن عبر تبنى الحل الفيدرالى وضع خطة لحماية الموقع وإعادة تأهيله بعيداً عن المركزية بكل تعيقداتها
وعلى شاكلة المعرض المنهار يمكن قياس كافة الأمور , إذ ستتيح اللامركزية لطرابلس سيطرة أكبر على مواردها الخاصة ، بما في ذلك الإيرادات المتأتية من الأنشطة الاقتصادية المحلية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إدارة موارد أكثر كفاءة ، مما يسمح بالاستثمارات المستهدفة في القطاعات الحاسمة لتنمية المدينة ، مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
و مع اتساع رقعة الاستقلال الذاتي ، يمكن لطرابلس أن تصمم وتنفذ سياسات اقتصادية تلبي قوتها الاقتصادية الفريدة والفرص. هذه المرونة يمكن أن تجتذب الاستثمار وتحفز الصناعات المحلية وخلق فرص العمل ، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي العام..كما يمكن لنظام فيدرالي أن يمكّن طرابلس من السيطرة بشكل أكبر على قطاع السياحة فيها ، وتعزيز معالمها الفريدة وتنشيط اقتصادها.
الحوكمة المستجيبة إحدى مميزات الحل الفيدرالى حيث ستفضى إلى هياكل حكم أكثر استجابة. وسيكون القادة المحليون أقرب إلى السكان ويكونون في وضع أفضل للتعامل مع الاهتمامات المحلية على الفور ، مما يعزز الشعور بالمشاركة المجتمعية بمعنى آخر ستجعل الناخبون يشعرون أن تصويتهم مهمًا لأنه يمكنهم اتخاذ قرار بشأن المشاريع الرئيسية ، وبناء المدارس ، والأمن ، والرعاية الصحية ، والضرائب
كما يمكن للفيدرالية أن تخفف من حدة النزاعات الطائفية و توفر وسيلة لمعالجتها من خلال السماح للمجتمعات المختلفة في طرابلس بأن يكون لها صوت في الحكم المحلي مما يحد الصدامات والخلافات المستمرة ويعزيز الشمولية في صنع القرار.
في نهاية المطاف ، تعتمد إمكانية تعزيز الفيدرالية بشكل فعال للوضع الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس على التخطيط الدقيق ، وهياكل الحكم القوية ، واستعداد جميع أصحاب المصلحة للتعاون في السعي لتحقيق تنمية المدينة. من المهم أيضًا النظر في الحلول البديلة وتقييم السياق والاحتياجات المحددة لطرابلس قبل إجراء أي تغييرات مهمة على هيكل إدارتها.
اضف تعليق