المصالحة الفلسطينية تعود للحياة بعد بيات شتوي أو ربما صيفي ..فعلى مدار الأسبوع الجاري تتجه الأنظار مجدداً إلى القاهرة والتي من المتوقع أن تشهد بدء حوارات حقيقية بين الفرقاء الفلسطينيين إيذاناً بنهاية الحقبة المظلمة وتطبيق الرؤية المصرية الجديدة وتجاوز مرحلة الانقسام المرير .
وبالرغم من تشكيك البعض في إمكانية نجاح المصالحة نظراً للإخفاقات المتعددة ، بدءاً من اتفاق مكة في شباط/فبراير 2007 مروراً بمحادثات مخيم الشاطئ في نيسان/أبريل 2014 وحتى مفاوضات القاهرة فى أكتوبر 2017 فضلاً عن حالة التراشق الإعلامي والتي قد تفضي إلى تفجير المقترحات قبل أن تولد حيث أكد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح،السبت عزام الأحمد، أن تصريحات حركة حماس بشأن التوصل إلى ورقة نهائية لاتفاق المصالحة متناقضة، ولا أساس لها من الصحة غير أن حظوظ نجاح الجهود الأخيرة المبذولة لتحقيق المصالحة تبدو وفيرة لاسيما وأن لأشهر الثلاثة الماضية، حملت ضغوطاً كبيرة على الطرفين في الضفة والقطاع دفعتهم لتقديم تنازلات .
رياح التوافق بين فتح وحماس ,تبدو مواتية هذه المرة نظراً لعدة أسباب أبرزها أن الرؤية المصرية الجديدة هى الأفضل منذ توقيع اتفاق المصالحة الشامل في القاهرة في مايو/ أيار 2011، وأنها أشمل من بنود تطبيق اتفاق المصالحة الموقع في 12 اكتو بر/ تشرين الثاني الماضي حيث راعت مطالب فتح وحماس، وتضمنت “تمكينا” فوريا للحكومة في غزة لاسيما بعد أن نجحت فى إيجاد حل لمعالجة ملف الموظفين الذين عينتهم حركة حماس، عقب فرض سيطرتها على القطاع فى صيف عام 2007، وهو الملف الذي كان يشكل حجر عثرة أمام نجاح المفاوضات وإتمام المصالحة . ومن المقرر أن تكون هناك زيارات قريبة لوزراء حكومة التوافق الوطني لغزة، للإشراف على عمليات إدارة وزاراتهم بشكل أكبر مما كان عليه الوضع قبل مارس الماضي، والشروع بخطوات على الأرض لتوحيد المؤسسات، فور الإعلان في القاهرة عن بدء الخطوة الأولى من تطبيق اتفاق المصالحة الجديد.
التحول الذي طرأ على موقف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس قد يكون أحد دوافع نجاح الورقة المصرية ، فقد أضحى أبو مازن أكثر قناعة بضرورة تحقيق المصالحة في ظل الضغوط التي يتعرض لها من العديد من الأطراف الدولية والإقليمية إثر انهيار المفاوضات السياسية مع الجانب الإسرائيلي. فضلاً عن أن المحاذير التى وضعتها مصر على طاولة المفاوضات أجبرت الطرفين على الموافقة على تقديم بعض التنازلات فقد عمدت مصر إلى توجيه رسالة لفتح حول أن المصالحة ضرورة فتحاوية بالمقام الأول خاصة فى ظل غياب أبومازن والذي قد يسفر عن معادلات جديدة داخل منظمة التحرير إذ من المرجح أن تحاول حماس استقطاب بعض التيارات داخل فتح والتي قد تتحالف معها بالفعل بغية اكتساب شرعية سياسية في المشهد الفلسطيني الذي لا يمكن فصل حماس عنه , لذا حاولت القاهرة إقناع فتح بأن الحل يكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمن عدم حدوث انقسامات داخل وعدم عزف حماس على الخلافات الفتحاوية مستقبلاً لعقد اتفاقات فردية .
رسائل القاهرة لحماس تضمنت إشارات واضحة بأنها لا يمكنها العمل بمفردها داخل الساحة وأن سبل فك الحصار وإدارة قطاع لن يكتب لها النجاح دون حضور فاعل للسلطة الفلسطينية والتي تعد الواجهة الشرعية للقضية أمام العالم ومن بينهم مصر ,وقد أثبت التجارب فشل حماس فى تقديم أى حل ملموس لمشاكل القطاع ,وأن مسيرات العودة والطائرات الورقية ليست سوى محاولة للفت الأنظار دون إحراز أى تقدم على الأرض .
العرض المصري لحماس والذي شمل اتفاقاُ ضمنياً على عدم تغييبها من المشهد السياسي أو الأمني، و أن يتم تقاسم الوزارات والأدوار في المؤسسات الحكومية بشكل متكافئ.و حل جهازي الأمن الوقائي التابع للسلطة فيرام الله وجهاز الأمن الداخلي التابع لداخلية غزة، ودمجهما في الأجهزة الأمنية الأخرى، استنادا إلى اتفاق سابق بهذا الشأن , حظى بموافقة حماس والتى رأت فى التعجيل بجولة جديدة المفاوضات خروجاَ من مأزقها المتمثل بإخفاقها فى رفع الحصار و تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والأزمة المالية الخانقة وإغلاق المعابر مما زاد من غضب الجماهير فضلاً عن الحرب السورية والخلافات العربية مع إيران أيضاً والتي أجبرتها على إعادة البحث في ملف المصالحة.
تبدلات دراماتيكية طرأت على الموقف الإسرائيلي قد تعزز من فرص المصالحة بين حركتي “حماس” و” فتح ” فبينما كان يرفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشدة التعامل مع أية حكومة “وحدة وطنية” فلسطينية تشكل في أعقاب التوصل لاتفاق المصالحة. ذكر موقع ‘المونيتور’ في نسخته العبرية اليوم، السبت، أن إسرائيل باتت متحمسة جدًا لإتمامها . إذ يبدو أن إسرائيل التي كانت تعمل على إحباط جهود المصالحة الفلسطينية باتت ترى فيها مصلحة كبيرة، على اعتبار أن تطبيقها يقلص فرص اندلاع مواجهة مع حركة “حماس”.
الحماس الإسرائيلي لإنهاء الانقسام داخل البيت الفلسطيني يعود إلى أن ورقة المقترحات المصرية تنص على نشر قوات تابعة للسلطة الفلسطينية على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة بما يعنى تضاؤل فرص الاحتكاكات ذات التداعيات الأمنية الخطيرة، لاسيما أن إطلاق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة أحرجت صناع القرار في تل أبيب. بالإضافة إلى رهان المؤسسة الأمنية على أن إسهام تطبيق المصالحة الفلسطينية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، قد يقلص من مخاطر انفجار الأوضاع الأمنية في غزة والانجرار بالتالي إلى مواجهة شاملة.
ومع أن الاتفاق لم يتضمن أي كلمة عن سلاح كتائب القسام ذراع حركة حماس ومسألة “توحيد سلاح المقاومة” أو المطلب الإسرائيلي بنزع سلاح القسام كليا، غير أن تل أبيب تأمل فى أن يفضى توقيع المصالحة, إلى تمكينها من تحسين قدراتها الأمنية عقب تولى السلطة الفلسطينية زمام القرار في قطاع غزة الأمر الذي يتيح قنوات مباشرة للتواصل على أساس أن تل أبيب لا تحتاج إلى وسيط ثالث لنقل الرسائل كما يحدث في الفترة الراهنة مع حماس , فبالرغم من تزايد حدة التوتر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في أعقاب قرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها إلى القدس إلا أن قنوات التواصل بين قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية وقادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة لا تزال مفتوحة ومباشرة فضلاً عن استمرار التعاون الأمني بين الجانبين
الأوضاع الجديدة ربما هي التي عجلت بفتح باب المصالحة فإذا أمعنا النظر في بنود ورقة المقترحات المصرية ، فإننا سنلاحظ أن الإشكاليات هي نفسها لم تتغير من اليوم الأول ولعل هذا ما يدفع بعض المراقبين إلى الإجماع على أن الحركتين تعتبران المصالحة خيارًا تكتيكيًا، وليس خيارًا استراتيجيًا . لكن تسليم الفرقاء الفلسطينيين بأنه لا بديل عنها فى ظل التغيرات والتطورات الإقليمية الراهنة يرفع من سقف التوقعات بنجاحها لاسيما مع وجود مقترح بأن تساهم مصر بذاتها في بناء الأجهزة الأمنية بالقطاع بمشاركة وتحت رقابة كاملة من أفراد المخابرات التي ستكون مسؤولة أيضًا عن تطبيق اتفاق المصالحة على الأرجح ، و أن تقدم القاهرة تسهيلات اقتصادية وتساهم بتطوير منطقة تجارية عند الحدود بين غزة ومصر (في شمال سيناء) بعد الانتهاء من إعادة تأهيل معبر رفح، على أن يبقى مفتوحا طوال الوقت.
لقاء المصالحة الأخير قد يكون حلقة جديدة ضمن سلسلة طويلة من المحادثات بين القوى الفلسطينية، أغلبها عقد في القاهرة، وبعضها استضافته السعودية وقطر ولبنان. وفي جميع الاجتماعات بدت الأطراف متفاهمة، لكن لم يحدث أن استكمل أي اتفاق مساره النهائي. إذ بمجرد أن ينفض الجمع تعاود الفصائل إلى سيرتها الأولى وتتقدم الأيديولوجيات الخاصة على الولاءات الفلسطينية. لذا تتبقى الفريضة الرئيسية للمصالحة غائبة ألا وهى تبنى برنامج وطني شامل يحمل رؤية واضحة,فالقضية لم تعد تحتمل الانقسام لذلك يبقى التخلص من الازدواجية لدى الأطراف الفاعلة مع وجود الإشراف المصري نقطة البداية .
اضف تعليق