الرئيسية » تقارير ودراسات » الوجوه الأربعة ..كيف انقلب أردوغان على شركاء الماضي؟
تقارير ودراسات رئيسى

الوجوه الأربعة ..كيف انقلب أردوغان على شركاء الماضي؟

تعكس علاقة أردوغان ورجل الدين فتح الله غولن  حجم البراجماتية التى اتسم نهج  الرئيس التركي منذ انشغاله بالعمل السياسي، والذى يقوم  على انتهاز الفرص والاستفادة من المحيطين، ثم التخلص منهم تدريجيا .التطورات الجديدة التي شهدتها  قضية الداعية فتح الله غولن خصم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  تفتح ملف انقلاب التلميذ على أستاذه  وعلى كل من دعمه  بمشواره السياسي.

التطورات جاءت بعدما نقلت محطة تلفزيون “إن بي سي” الأمريكية تقرير إخباري لها قالت فيه “أنّ واشنطن تدرس إمكانية تسليم الداعية التركي فتح الله غولن المتهم الرئيسي وحركته (الخِدمة) بالوُقوف خلف محاولة الانقلاب العسكرية التركيّة الفاشلة (صَيف 2016) إلى السلطات التركية  ,وقرار النيابة العامة التركية في إسطنبول، الأربعاء الماضى ، توقيف 34 شخصا، بدعوى صلتهم  بفتح الله غولن، وعزت تقارير إعلامية تركية قرار النيابة إلى “ثبوت استخدام 34 شخصا برنامج (باي لوك)، الذي تقول أنقرة إن عناصر جماعة غولن تستخدمه للتراسل الفوري المشفر فيما بينها”. 2016.  فضلاً عن إعلان تركيا حملة دولة لوقف تمويل أنشطة غولن وتصريح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو،فى 16 ديسمبر الجارى  بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، إنهم يدرسون ترحيل «فتح الله غولن »، زعيم منظمة جولن الإرهابي

تفاصيل مثيرة بين ثنايا انقلاب التلميذ أردوغان والذي بعد واحدا من خريجي مدرسة غولن , على أستاذه.لكن حتى يتثنى  رصد تطور العلاقة بين الرئيس التركي وخصمه اللدود لابد من الوقوف على نشأة حركة الخدمة ,والتى تُعَدُّ ُ واحدة من أكثر الحركات المدنية انتشارا, ظهرت في تركيا عام 1966 على أساس أفكار واجتهادات كولن، تتركز أنشطتها على خدمة الإنسانية في مجال التربية والتعليم مع بداية التسعينيات، وانطلاقا من النجاح الداخلي للحركة؛ توسعت الحركة  خارجيا؛ فأسست مدارس لها في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وآسيا الوسطى، وامتد نشاط المتطوعين، خاصة المعلمين والتجار إلى القارات الخمس في 170 دولة عبر العالم.

محطة الوفاق والتأييد المطلق هى المرحلة الأولى بعلاقة أردوغان – غولن ,ففى عام 1994 استفاد أردوغان من القاعدة الشعبية العريضة لحركة غولن وفاز بمنصب عمدة اسطنبول بعد أن منى بخسارة جولات انتخابية سابقة وفي عام 2002 خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية وفاز منه 363 نائبا مُشكِّلا بذلك أغلبية ساحقة، وظلت العلاقة والاستفادة من حركة الخدمة في جميع الانتخابات.ويؤكد المراقبون أن نجم أردوغان السياسى لم يكن ليصعد لولا علاقته بـ غولن وتقربه من الحركة التى لا تمتلك هيكلاً هرمياً لكنها ذات قاعدة جماهبرية ومالية.

بصمات غولن الخفية  كانت سبباً رئيسياً فى وصول أردوغان لرئاسة الوزراء والذى قدم له المزيد من المساعدات فى أيامه الأولى بمنصب رئيس الوزراء حيث أسهم بشكل غير مباشر فى تهدئة مخاوف الدولة التركية من الحزب المحافظ فضلاً عن أن امتلاك كولن  علاقات واسعة مع شبكة من رجال الأعمال ساعد فى تقديم دعم مالى للحزب فى بدايات صعوده لهرم السلطة لاسيما وقد جمعهما هدف واحد وهو إضعاف النخبة العلمانية فى البلاد والحد من نفوذ الجيش فى الحياة السياسية و اعتمد حزب العدالة والتنمية على حركة الخدمة في رسم السياسات التعليمية والثقافية التركية

لكن جاء حينٌ من الدهر، ودار الزمن، وتغيّرت صبغة الأرض ومجريات الأحداث فيها ,ففى نهاية 2010،انتهت مرحلة الوئام وطفا على السطح صراع الأجنحة بين حلفاء أردغاون وغولن ما انعكس بشكل واضح  خلال أزمة السفينة التركية “مرمرة” التى حاولت كسر الحصار الإسرائيلى المفروض على قطاع غزة،وقادت منظمة خيرية مقربة من العدالة والتنمية مهمة توصيل المساعدات وهنا انتقد  كولن  تحرك أردوغان و قال كولن إن “الجانب التركي هو المخطئ لأن مرمرة لم تحصل على إذن لدخول غزة”، واصفا ذلك بـ”التعدي على الشرعية”.

بدأ الصراع على النفوذ الذي سبب شرخا في الشراكة الاستراتيجية بين الجماعة وحكومة أردوغان خلال أزمة السفينة التركية “مرمرة” خلال توجهها لكسر الحصار على غزة، وفي ذلك الوقت قال غولن إن “الجانب التركي هو المخطئ لأن مرمرة لم تحصل على إذن لدخول غزة”، واصفا ذلك بـ”التعدي على الشرعية”.

اكتشاف غولن المتأخر لطموحات أردوغان شكلت رافدا مهماً بتغذية الشروخ بينهما , إذ بدأ غولن فى التحول إلى معارض شرس لحزب العدالة والتنمية وسياسات الرئيس التركي عقب الانتخابات البرلمانية فى 2011 حيث رأى أن الحزب شرع فى تغيير مبادئه ويسعى إلى إقامة دولة “أردوغانية”  أو دولة الرجل الواحد الديكتاتورية ولخص فى جملة  توجهات الحزب حيث قال “إن حزب العدالة والتنمية التركى، وعد بدفع المسيرة الديمقراطية إلى الأمام، وبناء دولة القانون حين أتى أول مرة إلى الحكم، إلا أنه بعد الانتخابات البرلمانية سنة 2011، غيَّر مجرى سيره نحو إقامة “دولة الرجل الواحد” فابتعد عن ذاته”.

مرحلة الصدام بدأت إرهاصاتها  فى عام 2013 ، حين اصطدمت الشرطة التركية بمتظاهرين أتراك من أتباع حركة خدمة في «ميدان تقسيم»،. وندد غولن بوصف أردوغان للمتظاهرىن بالفوضويين واتهامات جماعة الخدمة بالسيطرة على القضاء . وتجسدت مساعي أردوغان للتخلص من غولن  فى طلب المدعى العام التركى بإعدام  الأخير  بسبب أشرطة تتضمن محاضرات له وأحاديث، ينتقد فيها النظام العلماني التركي، واتهمته السلطة بالسعي لتغيير نظام الحكم العلماني إلى الإسلامي والسعي للاستيلاء على السلطة وذلك على الرغم من أن القانون التركي لا يتضمن عقوبة الإعدام .كما  أصدرت فى ديسمبر 2014 محكمة تركية أمر اعتقاله بتهمة السعى للإطاحة بأردوغان، وقامت السلطات بتطهير الجهاز الحكومي ممن يشتبه بأنهم مؤيدون لـ”غولن وفي عام 2015 شنّ أردوغان حملة ضارية وهجوما شرسا على الجميع، متهما حزب الشعب وجماعة الخدمة وحزب الشعوب الديمقراطي، بالتواطؤ معا من أجل تدمير الهوية الإسلامية لتركيا، ووقف مشروع تركيا المستقبل..

فرصة أردوغان فى التخلص من شريك الماضي تبلورت فى الانقلاب المزعوم في يوليو/تموز 2016  حيث سارعت قيادات الحزب إلى اتهام حركة  الخدمة، وباشرت السلطات تنفيذ حملة اعتقالات  ,لا تزال مستمرة حتى اليوم , طالت عشرات الآلاف من الموظفين في الشرطة والجيش والقضاء والمخابرات والتعليم والمالية.

لم يكن غولن الصديق الوحيد الذى أطاح به أردوغان  ,فقد تنكر أردوغان كذلك لنجم الدين أربكان مؤسس حزبى الفضيلة والرفاة  والذى يعد معلمه الأول  وفى عام 2002 وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم للمرة الأولى فى تاريخه بعدما انشق أعضاؤه من حزب الفضيلة الذى كان يرأسه نجم الدين أربكان، وتركزت دعاية الحزب طوال الوقت على كون أردوغان تلميذا لأربكان ، مما جعله يحظى بتأييد شعبي وجماهيري غير أن  أربكان تم تهميشه بواسطة أردوغان فيما بعد

الوجه الثالث الذى تنكر له الرئيس التركي عبدالله جول فقد شارك كل من جول وأردوغان في تأسيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، الذي وتولى جول منذ ذلك مناصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس الجمهورية بين 2007 و2014. اندلع الخلاف بين الشريكين للمرة الأولى في مايو/أيار-يونيو/حزيران 2013 بعد رفض أردوغان أي تنازل في مواجهة احتجاجات مناهضة للحكومة حيث رأى عبد الله جول ضرورة التفاهم مع المتظاهرين، فيما كان رأى أردوغان هو قمعهم بالعنف وعدم احتوائهم، وفى عام 2016 وعقب الانقلاب الفاشل على أردوغان انتقد جول فرض حالة الطوارئ قائلا: “هذا مرسوم يثير القلق على مستوى فهم حكم القانون ويهدد بتطورات فى المستقبل قد تثير استياءنا جميعا”.وتصاعدت حدة الخلافات بعد قرار أردوغان التحول إلى النظام الرئاسى ليتمكن من إعطاء نفسه فرصة جديدة ليصبح رئيسا حتى عام 2029، وهو ما رآه جول استحواذا على المشهد السياسى.لاسيما مع سريان معلومات بشأن احتمال ترشح جول عن معسكر المعارضة لمواجهة أردوغان في انتخابات 2019

آخر حلقة بمسلسل الإطاحة الأردوغانية  هو داود أغلو  والذى أثار صعود نجمه فى الشارع التركي مخاوف أردوغان من أن ينقلب على مسيرة تعديل الدستور والتى تمكنه من الاستحواذ على صلاحيات رئيس الوزراء ,فأجبر أوغلو على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء قبل الفترة القانونية بـ6 أشهر.  شغل أوغلو منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقتها، ثم أسند إليه منصب سفير متجول في العام 2003، وفى عام 2009 أصبح وزيرا للخارجية التركى حتى عام 2014، ثم أصبح رئيسا لحزب العدالة والتنمية ورئيسا لوزراء تركيا.