الرئيسية » تقارير ودراسات » انتخابات موريتانيا..فرصة لمسار جديد أم تمهيد لولاية ثالثة للرئيس ؟
تقارير ودراسات رئيسى

انتخابات موريتانيا..فرصة لمسار جديد أم تمهيد لولاية ثالثة للرئيس ؟

في أقصى الشمال الغربي لإفريقيا ,تتأهب موريتانيا، التي اشتهرت بالانقلابات العسكرية كوسيلة للتناوب على السلطة لإجراء انتخابات تشريعية ومحلية وجهوية (مناطقية )من المفترض أن ترسم خارطة المستقبل السياسي للبلاد . إذ أن الاستحقاق المرتقب يمثل فرصة لإعادة التموضع وتشكيل أقطاب سياسية جديدة ستخرج من رحمها رئيسا جديدا منتخبا .

الانتخابات المزمع إجراؤها في الأول سبتمبر المقبل  تأتى قبيل استحقاق رئاسي  من المنتظر أن يفضي إلى تبادل سلمى للسلطة  وذلك للمرة الأولى  في موريتانيا حيث يمنع  الدستور الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز والذي يستعد الآن لإنهاء ولايته الثانية من الترشح لولاية رئاسية ثالثة،   . وذلك على الرغم من اضطراب التصريحات التي يطلقها الرئيس ومعاونوه في فيما يتعلق بمغادرته السلطة استجابة للنص الدستوري والمحاولات المضنية التي قام بها لتعديل الدستور بشكل يسمح له بالترشح للرئاسة مجددا غير أن قوى المعارضة كان تعمد إلى تحريك الشارع الموريتاني  لإجهاض أي محاولة فى مهدها .

وعلى الرغم من احتمالات مغادرة ولد عبد العزيز القصر الرئاسي في نواكشوط لكنه يعمل جاهداً على الاستمرار بالمشهد السياسي من خلال إبقاء زمام السلطة فى يد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي أسسه عام 2009 إذ يقوم ولد عبد العزيز حاليا بجولة داخل البلاد في سياق الحملة الانتخابية التي يخوضها حزبه الأمر الذي يمكنه فيما بعد من تمرير التعديلات الدستورية المرجوة والتي قد تتيح له الحصول على ولاية ثالثة مما يؤشر إلى أن الاستحقاق الحالي ليس سوى أول الغيث بمعركة الرئاسة والتي سوف تشكل ملامح  المشهد برمته , وقد كشف الرئيس عن ذلك علانية فى تجمع انتخابي بمدينة روصو الجنوبية حيث قال ” إن “الذين يطالبون بمأمورية ثالثة ملزمون بالتصويت الكثيف لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية من أجل حصوله على أغلبية برلمانية مريحة يستطيع من خلالها تمرير التعديلات ومشاريع القوانين الضرورية لذلك”

استغراق الرئيس في الحملات الانتخابية استفز قوى المعارضة ودفعها إلى اتهام ولد عبد العزيز بالخروج على الدستور الذي يحظر عليه الانتماء لأي هيئة قيادية في أي حزب سياسي، واعتبرت المعارضة أن هذه “التصرفات تعبر عن ضعف موقف النظام وارتباكه”، حيث أشارت إلى انه ربما يكون من حق الرئيس الإفصاح عن مساندته لحزب بعينه ، لكن الفارق كبير جدا بين أن يدعو الرئيس للتصويت لحزب سياسي معين وأن يقود بنفسه حملة هذا الحزب، ويشل الدولة ويعطل مصالح المواطنين طيلة المسار الانتخابي.

مخاوف المعارضة والتي بلغت اتهاماتها حد الحديث عن ابتزاز الموظفين واستغلال سلطة الدولة للضغط على المواطنين للتصويت لصالح حزب الاتحاد فضلاً عن استخدام الرئيس وسائل الدولة في تنقلاته خلال الحملة الانتخابية , تنبع من  رؤيتها  لتحركات ولد عبد العزيز  والتي تعتقد أنه  يعمل من خلالها على نقل موريتانيا إلى  مرحلة ” دولة الحزب ” عبر إبقاء السلطة  في قبضة حزبه وارتهان الدولة للحفاظ على مصالح قياداته المتعاقبة لاسيما مع عدم  وجود نص دستوري يمنعه من رئاسة الحزب مدى الحياة، وبالتالي فإنه يبقى متحكماً بالدولة، حتى ولو غادر السلطة صورياً ووصلت شخصية أخرى من حزبه لسدة الحكم .

ومع زخم المشهد الانتخابي عقب عودة المعارضة إلى المشاركة بعد سنوات من المقاطعة وعدم الاعتراف بنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بسبب الانقلاب، الذي قام به عام 2008 وسيطرته منذ ذلك الوقت على مقاليد الحكم في البلاد واعتماد نظام المجالس الجهوية وتعديل الدستور الذي ألغى مجلس الشيوخ،يشارك في الاستحقاق المرتقب نحو  98 حزبا سياسيا، ثمانون منها يشكلون أحزاب الموالاة،لكن  المنافسة الكبرى ستنحصر  بين “الاتحاد من أجل الجمهورية”، و”تواصل” رغم وجود أحزاب مهمة في السباق الانتخابي الحالي، منها حزب “التحالف الديمقراطي” الذي يقوده يعقوب ولد أمين فضلًاً عن تكتلات المعارضة التقليدية كـ”منتدى الديمقراطية” وتحالفه الواسع على مستوى العاصمة نواكشوط المرشح للفوز أو المنافسة بشكل قوي مع الحزب الحاكم خصوصاً على مستوى البلديات، والمجالس المناطقية، إضافة إلى تحالف “تكتل القوى الديمقراطية”، وحزب “إيناد”، وهو تحالف قوي.

وتتميز هذه الانتخابات بمشاركة 1590 لائحة انتخابية تتنافس على 219 مجلسا بلديا و161 لائحة تتنافس على 13 مجلسا إقليميا وأكثر من خمسة آلاف مرشح يتنافسون على 157 مقعدا برلمانيا فضلاً عن اتساع رقعة النسبية، إذ تسمح القوانين التنظيمية الجديدة بالتنافس على أساس قواعد الاقتراع النسبي على 29 مقعداً في 9 دوائر انتخابية تشريعية، و59 مقعداً في 3 دوائر انتخابية أخرى. كما أنها ولأول مرة تحدث اختراقات نوعية في أنماط المشاركة الانتخابية، إذ يشارك مدوّنون وحقوقيون وشباب من مختلف الخلفيات.

 

ولعل أبرز ما يميز المعترك الانتخابي في موريتانيا هو ظهور قوى وأحزاب سياسية ممثلة لواجهات عرقية خصوصاً فيما يتعلق بقضية العبيد السابقين التي بدأت تتحوّل من مطالب اجتماعية إلى طموحات سياسية وهى شريحة تطفو على السطح  للمرة الأولى بشكل معلن  على الرغم من وجودها بالفعل منذ سنوات طويلة ولكنها كانت مستترة تحت شعارات المطالب الاجتماعية  ودعوات الوحدة الوطنية حيث تعمل بعض القوى على استقطاب ” العبيد السابقين ” للوقوف فى وجه القبائل التى تمسك بزمام السلطة فى البلاد  مما ينذر بنشوب صراع قد يهدد الطابع الوطني  للعملية السياسية لاسيما وأن الصبغة السياسية للمطالب المجتمعية سوف تجد نفسها فى مواجهة مفتوحة مع القبائل المتجذرة بالمشهد .  ومن أبرز تلك الواجهات حزب التحالف الشعبي التقدمي بقيادة مسعود ولد بلخير الرئيس السابق للبرلمان وزعيم “حركة الحر” التي أسست مطلع ثمانينات القرن الماضي من أجل تحرير العبيد . وهناك أيضاً “مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية” بزعامة بيرام ولد الداه ولد أعبيدي  والتى تخوض غمار الانتخابات بالتحالف حزب الصواب .هذا إلى جانب حزب المستقبل بقيادة الساموري ولد بي

وعلى الرغم من أن انطلاق الحملات الدعائية يؤشر إلى حدة المنافسة بين التكتلات والأحزاب السياسية والتي تطمح فى تسجيل حضور قوى خلال الانتخابات المقبلة وإيجاد موطىء قدم لها على الرقعة السياسية الموريتانية , يرى مراقبون أن حظوظ حزب الاتحاد الحاكم ستكون وافرة رغم التحديات وأن المعارضة سوف تسجل تواجداً شرفيا وبنسبة ضئيلة و ستتشتت جهودها، ويكسب الحزب الحاكم أكبر نتيجة في الانتخابات., إذ أن  حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، هو الوحيد الذي قدّم مرشحين للانتخابات الحالية في كل الدوائر ، مما يعكس سعيه الحثيث لكسب الرهان  والحفاظ على مكتسباته السابقة بل وزيادة انتشاره خاصة بعدما خرج الرئيس محمد ولد عبد العزيز متصدراً حملة الحزب الحاكم، ومتبرئاً من الأحزاب الأخرى في الأغلبية