عادت بوكو حرام النيجيرية إلى واجهة الأحداث مجدداً وذلك على وقع مستجدات عدةو لعل أبرزها الانقلاب الناعم الذى شهدته أكثر التنظيمات الجهادية عنفاً فى افريقيا على مستوى القيادة إلى جانب الخسائر الكبيرة التى يتعرض لها التنظيم على يد تحالف عسكري إقليمي، يخوض حرباً شرسة ضد مقاتلي الجماعة في منطقة بحيرة تشاد، أسفرت خلال أسبوع عن مقتل أكثر من سبعين من مقاتلي الجماعة الإرهابية التي بايعت تنظيم «داعش» قبل قرابة أربع سنوات.فضلاً عن محاولات الجماعة التمدد فى دول أخرى .
انقلاب أبيض جرى داخل الجماعة الشهر الجارى , أطاح بزعيمها أبو مصعب البرناوي، وأسفر عن اختيار قائد جديد لا يزال مجهول الهوية فمنذ بداية مارس (آذار) الحالي، يُروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي بلغة الهوسا يكشف عن أنه تم اختيار «حاكم جديد» ليحل محل أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس «بوكو حرام»، الذي كان بعد أن انشق عام 2015 عن القائد أبو بكر شيكاو، رفقة مساعده المقرب مامان نور، وهو عسكري يملك خبرة كبيرة، وكان يوصف بأنه القائد الفعلي لتنظيم «بوكو حرام» خلال فترة قيادة البرناوي، لكن نور تم اغتياله العام الماضي على يد عناصر من الجماعة أكثر تطرفاً ليبدأ سقوط البرناوي وعزله قد كرس«داعش» زعامته على حساب أبو بكر شيكاو، الذي كان قائداً لـ«بوكو حرام» في الفترة من 2009 وحتى 2016، ويوصف بأنه دموي وهمجي. وتشير المعلومات إلى أن أعضاء مجلس قادة التنظيم قدموا من قرى عدة في منطقة بحيرة تشاد على متن زوارق، واجتمعوا يوم 28 فبراير (شباط) الماضي، في كولارام، وهو أحد معسكرات التنظيم، حيث قرروا بالإجماع تغيير القائد. أبو مصعب البرناوي،دون إراقة دماء، لقد جعلوه يتنازل عن القيادة ثم حبسوه حتى لا يؤدي ذلك إلى انشقاقات جديدة في صفوفهم
التنظيم شهد انقاسامات عدة ,أفضت إلى انشقاقه غلى فصيلين على إثر مقتل محمد يوسف بين كلٍّ من شيكاو وخليل برناوي ومامان نور، في ظهور انقسام فصائلي داخل الجماعة، وكان ذلك عاملًا رئيسيًّا في تشكيل تنظيم “أنصارو”، الذي يُعرف أيضًا باسم جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، وذلك في يناير/كانون الثاني من عام 2012. ثم شهدت الجماعة في شهر أغسطس/آب 2016 اختلافات عَقَدية وأيديولوجية ا حول تحديد الأهداف والتكتيكات أدت إلى انقسام كبير في صفوف القيادات الأولى، وكان من نتيجة ذلك ظهور ما لا يقل عن ثلاث فصائل يسيطر كل واحد منها على عدد من الخلايا. يتزعم أبو بكر شيكاو إحدى تلك الفصائل، في حين يقود فصيل الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا نجل محمد يوسف، أبو مصعب البرناوي، وقد عيَّنه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. يوجد أيضًا، ضمن فصائل أخرى، فصيل أصغر حجمًا وأقل تأثيرًا مثل فصيل بوكار ماينوك.
الأزمة العالقة سعى قادة الجماعة إلى احتواء تأثيراتها ومنع تفاقم الانقسامات والاختلافات الأيدلوجية, حيث عمدوا في بعض المراحل، إلى التعاون والتنسيق فيما بينهم وتلافى الانجرار إلى صدامات تؤدى إلى استنزاف قدراتهم العسكرية والتنظيمية، وهو ما ساعدها على شن هجمات إرهابية عديدة داخل وخارج نيجيريا.
وبالتزامن مع ذلك شرعت بوكو حرام فى تبنى أشكال مختلفة من العمليات الإرهابية ,فإلى جانب الاستناد إلى أنماطها التقليدية حرصت على ضم النساء إلى النطاق العملياتى لاسيما فيما يتعلق بالهجمات الانتحارية، على غرار الهجوم الذي نفذته سيدة تابعة للحركة في بلدة أمشيدى أقصى شمال الكاميرون، في 28 نوفمبر 2018، وأسفر عن إصابة ما لا يقل عن 29 شخصًا.
التمدد الإقليمي أحد السمات المميزة لـ”بوكو حرام ” والتى تنتشر في كل من الصومال، والكاميرون، والنيجر، وتشاد، وليبيا، ومالي، , فى البداية اقتصر نشاط التنظيم فى تلك الدول على التدريب للقيام بهجمات إرهابية ،كما اشتمل على الدعم اللوجسيتى والمالى بهدف توفير السلاح واستقطاب المزيد من الشباب للانضمام لصفوفها عبر تفعيل الروابط مع الحركات المماثلة فكرياً على غرار “الشباب الصومالية” وتنظيم” القاعدة ” في بلاد المغرب الإسلامي وقد تلقت بوكو حرام بالفعل المزيد من الدعم من تلك التنظيمات فى صورة أموال تم جمعها من خلال التبرعات ,كذلك على هيئة سلاح وتدريبات أتاحت للحركة رفع مستواها القتالي على نطاق واسع .
لكن سرعان ما استهدفت الجماعة حكومات تلك الدول وبدأت فى شن هجمات عدائية عليها , ويغذى هذا التحول فى تكتيكات بوكو حرام رغبتها فى دعم النفوذ “الداعشي إذ يكتسي قيام الحركة بتنفيذ عمليات داخل دول الجوار بدلالات خاصة لتنظيم “داعش”، الذي يحاول من خلالها البرهنة على قدرته على التعاطي مع التطورات الأخيرة التي تلاحقه ، عبر تبني أنماط مختلفة في مناطق جديدة بعيدة عن تلك التي تأسس فيها وأنه رغم الضربات المتلاحقة لايزال مؤثراً عبر الجيوب والجماعات الموالية له فى بلدان أخرى بعيدة عن معقله الرئيسي .
دفع بعض الإرهابيين الموجودين داخل تلك الدول للانضمام إليها وإنشاء فروع تابعة لها أحد دوافع تمدد بوكو حرام من التمدد بمحيط الدول المجاورة ,وذلك على الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن عدد عناصرها ما بين 4000 و 6000 شخص بينهم كودار تنظيمية لديها مهارات التنقل بين الحدود .
تحجيم تداعيات الضربات العسكرية التى تتعرض لها يعد دافعاً هاما لانتشار بوكو حرام العابر للحدود لاسيما بعد أن رفعت الدول الثلاث تشاد والنيجر والكاميرون مستوى التنسيق الأمني بينها خلال الأعوام الأخيرة للتصدى لمخاطر الحركة وهو ما تجلى في الاجتماع الذي حضره رؤساء نيجيريا والنيجر وتشاد، ورئيس الوزراء الكاميروني، بالعاصمة التشادية انجامينا في 29 نوفمبر 2018، و عمدت من خلاله إلى صياغة رؤية موحدة لمواجهة العمليات الإرهابية التي تشنها بوكو حرام .
تاريخ العنف بالجماعة التى يعود تأسيسها إلى عام 2002 يؤشر إلى احتمالات تصاعد الضربات العسكرية الموجهة لها والتى على الأرجح سوف يقابلها محاولات من جانب بوكو حرام للرد عبر التمدد فى تلك الدول وشن عمليات إرهابية واسعة النطاق
اضف تعليق