الرئيسية » تقارير ودراسات » تغيرات السياسة الفرنسية تجاه إيران
تقارير ودراسات رئيسى

تغيرات السياسة الفرنسية تجاه إيران

المظاهرات التي جرت في إيران من 28 ديسمبر 2017 إلى 5 يناير 2018، أدت إلى تقسيم أكثر تقليدية للعمل بين الدبلوماسيين الأميركيين والفرنسيين تجاه نظام “الملالي” ، حيث طرأت العديد من التغيرات السياسية على كل منهما.

ففي الوقت الذي تحدث خلاله الرئيس الأميركي عن تأييده للمتظاهرين في ايران، أكدت فرنسا من خلال سفيرها لدى الامم المتحدة فرانسوا ديلاتر أن “الايرانيين وحدهم لابد أن يشاركوا في حوار سلمي” للخروج من الازمة”، وبالمثل، تعتقد فرنسا أن “التغييرات في إيران، لن تأتي من الخارج، وأنها سوف تأتي من الشعب الإيراني نفسه”.

و ترى باريس أنه من الضروري فصل الملفات، لتفادي الخلط الذي ترغب إدارة ترامب في إنشائه، بين الاتفاق النووي، والبرنامج الباليستي الإيراني، وسياسة طهران الإقليمية، ومسألة عدم احترام الحقوق، من جانب الجمهورية الإسلامية.

وتقترح الدبلوماسية الفرنسية التفاوض مع إيران لتسوية جديدة حول كل نزاع خارج مجال خطة العمل المشتركة، وبهذا المعنى، نلاحظ استمرارية إدارة الملف الإيراني ، بما يسمى “الفترة المحافظة الجديدة” لسياسة باريس الخارجية (2007-2017)، ولا تزال أولوية فرنسا في إدارة الملف الإيراني هي البرامج النووية والباليستية.

ومع ذلك، فإننا نشهد تعديل أول لمبدأ باريس بعد عام 2015، وحتى الانتصار الدبلوماسي للرئيس أوباما ،مع اختتام خطة العمل الشاملة في يوليو 2015،حيث منع الاتفاق النووي أي اقتراح آخر لتحديد المصالح الوطنية الفرنسية فيما يتعلق بالعلاقات مع طهران.

ولم تعد المعايير الاقتصادية والجيوسياسية (استقرار العراق وسوريا وأفغانستان) أو أمن الطاقة (وخاصة فيما يتعلق بالقطاع الهيدروكربوني) معايير لتحديد الاستراتيجية الفرنسية تجاه إيران.

ومع توقيع اتفاق عام 2015، تضطر فرنسا، للمرة الأولى، إلى تكييف استراتيجيتها الإيرانية وفقا للإطار القانوني الجديد الذي حددته اتفاق واشنطن.

وعلاوة على ذلك، فإن الدبلوماسية الفرنسية تحت ضغط الشركات الفرنسية الكبرى ، تظهر المزيد من الواقعية، وتفتح الباب أمام التعاون الاقتصادي الذي يريده الرئيس روحاني، الذي انتخب في عام 2013 في طهران.
وبلغت التجارة الثنائية 3.18 مليار دولار بين يناير، وأكتوبر 2017، بزيادة قدرها 112? مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

ومن هنا يمكن أن نقول إن مصالح الشركات الفرنسية الحائزة على عقود مهمّة في السوق الإيرانيّة، فضلا على الشراكة الاقتصادية الفرنسيّة الإيرانية التي تمّ الشروع في إرساء معالمها قبل وصول إمانويل ماكرون نفسه إلى الإيليزيه، كانت حاسمة في الموقف الرسمي الفرنسي الذي غلّب الاقتصاد على السياسة.

فخ مزدوج
ومع ذلك، منذ تولي إدارة ترامب السلطة، تم وضع توازن جديد في فرنسا ضد العديد من العقبات، أولا، لأن الاستقطاب الإقليمي الجاري يعقد الموقف .

وفي نفس الوقت يفضل الرئيس ماكرون الارتفاع فوق سياق التوترات المتفاقمة بين الرياض وطهران،كما أن الدبلوماسية الفرنسية حقا لا تزال لديها وسائل للبقاء فوق المنافسات الإقليمية؟

ثم يأتي احتمال إعادة العقوبات الأميركية ذات الصلة النووية خارج الحدود الإقليمية بعد 12 مايو 2018، وهو الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترامب لتنقيح خطة العمل الشاملة لشركائه الأوروبيين.

واذا خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ، فهناك سؤال مهم ،وهو هل ستتخذ فرنسا والاتحاد الأوروبى اجراءات ضد العقوبات الأميركية ،مع احتمال نشوب نزاع تجارى عبر الاطلنطى، الأمر الذى يستتبعه ذلك؟

وعلاوة على ذلك، فإن الحملة التي أعقبت المظاهرات الشعبية في إيران، والتي أودت بحياة 25 شخصا وآلاف الاعتقالات، تعقد سياسة الانفتاح الأوروبي تجاه إيران، وتسلط الضوء على التوترات بين المصالح الاقتصادية وقيم حقوق الانسان الأوروبية.

وأخيرا، يجب على فرنسا والاتحاد الأوروبي تجنب الفخ المزدوج المتمثل في اتباع الولايات المتحدة في استراتيجيتها لتغيير النظام الايراني من الخارج ، أو مواءمة الاستراتيجية الروسية التي تدعم مؤيدي نظام ” الملالي” بقيادة آية الله خامنئي.

موقف فرنسا المتوازن
وللتغلب على هذه المعضلة اختار الاتحاد الاوروبى وفرنسا دعم الرئيس روحانى، ولكن مرة أخرى، يجب أن ننتبه إلى لعبة الفصائل الإسلامية التي تسعى إلى استغلال القوى الأوروبية في مواجهتها مع واشنطن، وهكذا أعلن مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي قائلا:”انصح الرئيس الفرنسى بمحاولة اتباع نهج الجنرال ديجول واتباع سياسة شبه مستقلة بالنسبة للولايات المتحدة”.

ومع ذلك، على الرغم من التصعيد الإيراني- الأميركي،يجب السعي في منتصف الطريق الذي يسعى فيه الرئيس ماكرون ،وهو الاستقلال المزدوج في وجه واشنطن وموسكو.

كما أن الاتحاد الأوروبي وفرنسا، والجهات الفاعلة الاقتصادية الرئيسية في إيران، لديها الوسائل لتنفيذ المطالب الدبلوماسية المتعلقة بحقوق الإنسان والتعاون الاقتصادي المستمر مع القطاع الخاص في إيران.

وفي الوقت الذي عبر المجتمع الدولي فيه عن غضبه من تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران، رد “المجتمع الدولي أيضا بأنه ” لا يمكن اختزال الأزمة الايرانية في الاختيار بين الدعم الروسي لنظام استبدادي، وبين سياسة واشنطن المعروفة ب “الفوضى البناءة”.