كشفت مصادر استخباراتية غربية أن بشار الأسد يقوم بعقد صفقة مشبوهة مع أكراد الشمال السوري في محافظة “الرقة”، تقتضي بمنحهم حكما ذاتيا مقابل الانسحاب من الأراضي العربية، وهو الأمر الذي ألقى الضوء على حجم الصراع بين تركيا ونظام الأسد من ناحية وإيران وأميركا من ناحية أخرى، وذلك للفوز بـ”كعكة” الرقة،ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية.
وخاصة بعد القضاء على “داعش”، حيث تفرض مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الاسلامية ، خريطة أدوار سياسية جديدة ، يؤسس كل طرف فيها قاعدة شعبية موالية له، بهدف الحؤول دون تقدم الاطراف الأخرى.
وفي ظل المصالح المتعارضة باتت الأمور في “الرقة” أكثر تعقيدا ،لأن تركيا لن تقبل بوجود كيان كردي معادي لها على الحدود معها ،ولن تتخلى عن دعم المعارضة الموالية لها ،وعلى النقيض تماما تتفاوض سوريا على منح الاكراد حكما ذاتيا مقابل الانسحاب من المناطق العربية، بينما يبقى خطر “داعش” والتي احتفظت بنشر فكرها المتطرف كامنا في “الرقة” ،من خلال أجيال ناشئة، تعلمت في مدارسها ، وتشبعت بخصالها العدوانية،وليس من السهل التغاضي عن هذا التوجه ، أو ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج .
ورغم تشابك الخيوط السياسية ،وتداخلها يبقى النظام السوري حريصا على جلب النفط من “الرقة”، بينما تضع الولايات المتحدة الأميركية آمالا كبارا على بقائها إلى جوار حقول النفط ، وعدم التنازل عنها ، وفي نفس الوقت تحرص ايران على أن تتخذ من الرقة معبرا لها إلى الشمال ليحقق أحلامها التوسعية، بما يخدم مصالحها.
ولكن الشمال السوري وفق هذه المعطيات سيقع فريسة لاطماع قوى متصارعة، تبذل قصارى جهدها لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية ،على حساب السوريين أنفسهم،وهذا ما يتضح بجلاء من خلال استعراض المشهد العام في محافظة “الرقة”.
لذلك فإن خريطة الصراعات السياسية ستتضح أكثر ،إذا ما رصدنا الصورة من أبعادها المختلفة، فالرقة التي يحيط بها أعداء إقليميون ومحليون ذوو مصالح جيوسياسية متباينة،يجب أن ترتب بعناية خطوطها العرقية،وتبذل جهودا صعبة لإعادة الاعمار واقتلاع التهديد الجهادي نهائيا، وخاصة بعد استئصال داعش تقريبا من سوريا، وبدء مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الاسلامية.
فابريس بالانش خبير سوري يعمل في مؤسسة هوفر،يؤكد أن محافظة الرقة محاطة بأطراف إقليمية معادية أو غير موثوقة مثل تركيا والنظام السوري وكردستان العراق.
وترى تركيا أن توسع أراضي قوات الدفاع الذاتى فى سوريا يمثل تهديدا مباشرا لمصلحتها الوطنية، وسوف يعمل على عزل شمال سوريا نتيجة لذلك، كما أن قوات الدفاع الذاتى تدعم حزب الاتحاد الديمقراطى الكردستانى، وهو معاد لتركيا لأنه في الحقيقة يمثل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي حارب طويلا ضد حكومة أنقرة.
وفي مقال نشر مؤخرا، أفاد الصحفي فلاديمير فان ويلجنبرغ، الذي كان شاهد عيان لما يدور خلف الكواليس في الرقة، قال إن النظام السوري كان يحاول إقناع بعض القبائل العربية بالمساعدة في تمهيد الطريق لعودة اللاجئين إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدفاع الذاتي.
كما ذكر المراقب السوري أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد اقترح إعطاء حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا “حكما ذاتيا” في شمال البلاد، مقابل سحب قواته من المناطق العربية الأغلبية خلال اجتماع عقده رئيس الأمن السوري الجنرال علي مملوك مع مسؤولين من حزب الاتحاد الديمقراطي.
كردستان العراق ليست بالضرورة شريكا موثوقا به للنخبة السياسية في الرقة،ويبدو أن إقليم كردستان يدخل فترة جديدة وغير مؤكدة مع إعلان مسعود بارزاني في 29 أكتوبر / تشرين الأول عن استقالته من منصب رئيس المنطقة، في أعقاب تصويت مثير للجدل حول الاستقلال.
وقد أدت معركة الإرادة بين حكومة إقليم كردستان وبغداد إلى تقدم القوات المسلحة العراقية وقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في منطقة كركوك، وإلى جانب كركوك، نشرت طهران أيضا وكلاءها داخل وحدة إدارة المشروع، بما في ذلك منظمة بدر وأصيب أهل الحق عند معبر خابور بين كردستان العراق وتركيا وسوريا،وهذه المناطق الحدودية مهمة للعبور إلى الشمال السوري.
ويعتقد البعض، مثل عضو الحركة الوطنية، رشاد ساتوف، من الرقة، أن الولايات المتحدة، التي كانت لها دور أساسي في الاستيلاء على الرقة،وانها ستواصل دعمها للمحافظة، وقال: “نفوذ الولايات المتحدة على شمال سوريا هو هنا للبقاء”.
ومع ذلك يعتقد بالانش أن الجغرافيا لا تترك لصانعي القرار في الرقة العديد من الخيارات، وخاصة أن النفط المنتج في الشمال ، يتدفق إلى محطة T2 الموجودة في أيدي النظام، في حين تأتي المنتجات الغذائية من منطقة حلب أيضا تحت سيطرة النظام، وأضاف: “هذا يعني أن الشمال محاصر ، وسيضطر إلى التفاوض في مرحلة ما مع النظام”.
وبالإضافة إلى ذلك، ينظر إلى كل من النظام وتركيا على أنها ذات مصلحة مشتركة لاستغلال المناطق الكردية العربية، وللتغلب على الحساسيات العرقية في الرقة، عمل العنصر الكردي داخل قوات الدفاع الذاتى بجد على اختيار نخب المحافظات.
وقال مصطفى بالي، المتحدث باسم قوات الدفاع الذاتى، ” إن 60? من القوات المقاتلة المسلحة تتألف من العرب، وقال “هناك تنسيق وثيق مع القبائل وشرائح أخرى من سكان المحافظة نستمد شرعيتها”.
ومع ذلك، فإن العلاقات العربية الكردية معقدة بسبب الانقسامات العربية، وأكد ساتوف أن هناك مجلسين مدنيين للرقة – أحدهما للمدينة المدعومة من قوات الدفاع الذاتى ،وأخرى للمحافظة تدعمها المعارضة السورية، وقال إن “تأثير تركيا على المعارضة عرقل اجتماعا عقد مؤخرا في روما بين المجلسين في اطار مؤتمر للمانحين”، وهذا رأي مشترك أيضا من قبل بالي.
ومع ذلك، فإن التفاهمات الكردية- العربية ستكون أساسية في مرحلة الرقة المقبلة، ولا سيما من حيث إعادة البناء وتخليص محافظة التهديد الجهادي.
ووفقا لمقال صدر مؤخرا عن أرون لوند، فإن أربعة أخماس مدينة الرقة على الأقل غير صالحة للسكن بسبب الدمار المادي والذخائر غير المنفجرة ونقص الكهرباء والمياه.
وقال عبد السلام حمصورك عضو مجلس الرقة: “فتح المجلس المدني في الرقة مكتبا لإعادة الإعمار، وبدأ في إزالة الحطام الذي يعد مهمة صعبة بسبب كل الذخائر غير المنفجرة”.
ولم يتم تخصيص أي رقم محدد لاعادة اعمار المدينة، ويخشى المجتمع الدولي والمانحون العرب من تخصيص المساعدات طالما أن المستقبل السياسي للمدينة غير واضح ، وبعد أن تعهد النظام السوري باستعادة المدينة، وقال فان ويلجنبرغ “إن تأثير تركيا – وعدائها مع قوات الدفاع الذاتى – يعرقل أيضا عمل جمع التبرعات”.
ومع ذلك، فإن إعادة الإعمار أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة حيث يحاصر عشرات الآلاف من اللاجئين في المخيمات.
كما أن إعادة بناء المدارس هو أيضا المفتاح، كان هناك أكثر من 1500 مدرسة في المحافظة، مع إمكانية استيعاب أكثر من 000،200 طالب، 78? منها دمرت كليا أو جزئيا.
إن العمل في مجال إعادة تعليم الأطفال مهم جدا لتهدئة المنطقة، وقال هامسوراك إن سيطرة “داعش” على المدارس في السنوات القليلة الماضية سوف تترجم إلى جيل آخر من المتطرفين إذا لم يبذل أي جهد على مستوى التعليم.
في حين أن المدينة في حد ذاتها لم تكن معقلا جهاديا مهما قبل هجوم تنظيم الدولة الإسلامية، حيث كانت القواعد الجهادية موجودة في جميع أنحاء المحافظة في مناطق مثل بير مويسن والقنيطرة وجنوب الفرات، وأضاف أن “ايديولوجية الدولة الاسلامية ستتكاثر في حال لم يتحقق اي تغيير (اجتماعي وسياسي) حقيقي”.
يبدو أن الرقة أبعد ما تكون عن تحقيق كلتا الحالتين، بالنظر إلى البيئة السائدة والمعقدة التي تسود سوريا، حيث لا تزال المصلحة الإقليمية والمحلية والفساد والتزمت سائدة.
وفي ظل هذه الشبكة المعقدة، يبقى مستقبل الشمال السوري مرهونا بلعبة التوازنات بين القوى الاقليمية المتصارعة ،ولا أحد يمكن أن يتنبأ بما ستسفر عنه هذه التحولات من نتائج،وأهمها الرضوخ السريع للتقسيم.
اضف تعليق