أصر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطاب ألقاه مساء أمس الجمعة على الانكار والتعنت بأن تهرب من مسؤولية الدوحة عن دعم الإرهاب وبأن أبدى استعداده لحوار مشروط مع دول المقاطعة من دون الاستجابة لقائمة المطالب العربية التي من ضمنها التوقف فورا عن دعم وتمويل الإرهاب وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران واغلاق القاعدة العسكرية التركية واغلاق قناة الجزيرة.
وحاول الشيخ تميم القفز على مسببات الأزمة، مشيرا إلى ضرورة احترام سيادة قطر قائلا “نحن مستعدون للحوار لتسوية المشاكل العالقة. أي حل يجب أن يحترم سيادة قطر”، مؤكدا رفض ما وصفها بـ”الاملاءات”.
وقال إن الوقت قد حان لتجنيب الشعوب تبعات الخلافات السياسية بين الحكومات.
وفي رسالة طمأنة للقطريين، قال إن الحياة تمضي بشكل طبيعي في بلاده بعد أن قطعت أربع دول عربية علاقاتها الدبلوماسية والتجارية معها في الشهر الماضي.
ولم يحمل خطاب أمير قطر أي جديد سوى أنه كان الأول له منذ قطع السعودية ومصر والبحرين والإمارات العلاقات مع الدوحة في الخامس من يونيو/حزيران وكان رسالة طمأنة للداخل أكثر منه رغبة في حل الأزمة.
وفي تناقض واضح بين قوله إن الحياة تسير بشكل طبيعي وأن القطيعة الدبلوماسية والتجارية لم تؤثر اقتصاديا على بلاده، أقر أمير قطر بحجم تأثير المقاطعة بالقول “لا أقلل من حجم الألم والمعاناة التي سببها الحصار”.
وتروج الدوحة منذ بداية الأزمة إلى أن ما تواجهه هو حصار يستهدف تقويض سيادتها وهو ما تنفيه دول المقاطعة التي أكدت مرارا أن من حقها اتخاذ الاجراء الذي تراه مناسبا لدفع قطر إلى التخلي عن سياسة دعم وتمويل الإرهاب ونشر الفوضى في المنطقة.
وقال أمير قطر “نختلف مع البعض بشأن مصادر الإرهاب. نكافح الإرهاب بلا هوادة ودون حلول وسط وهناك اعتراف دولي بهذا”، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق له أن اتهم الدوحة مباشرة وبشكل صريح بأن لها سجل طويل في دعم الجماعات المتطرفة ودعاها إلى التوقف فورا عن تمويل الإرهاب.
كما أقر الشيخ تميم بوجود خلافات مع دول مجلس التعاون بشأن السياسة الخارجية. وقال إن “الدول العربية وغير العربية التي تحترم الرأي العام وقفت معنا”.
واعتبر أن “تنويع مصادر الدخل بات أمرا ملزما ومسؤولية للحكومة ورجال الأعمال”. وذكر أنه “سنعمل على تنمية كافة مصادر قوتنا الناعمة دوليا”.
وفي ازدواجية خطاب دأبت عليه الدوحة، تحدث أمير قطر عن ضرورة احترام سيادة الدول بينما تواجه قطر اتهامات بالعمل على زعزعة استقرار دول ذات سيادة من خلال دعمها للجماعات الإرهابية ومن خلال تقاربها مع إيران المتورطة في دعم الإرهاب والتي تهدد استقرار المنطقة.
ويأتي خطاب الشيخ تميم أيضا بعد يوم من اصداره مرسوما ينص على تعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب في محاولة للالتفاف على المطلب العربي والخليجي بالتوقف التام عن دعم وتمويل الإرهاب.
والأرجح أن عزلة الدوحة واشتدادها دفعت الشيخ تميم بن حمد أخيرا لمخاطبة القطريين ربما لطمأنتهم بينما تواجه قطر ورطة تزداد تعقيدا بسبب وساطات جانبت مسببات الأزمة وهرولة للخارج بحثا عن مخرج.
وكان أمير قطر قد تراجع في السابق بطلب من الوسيط الكويتي عن الادلاء بأي تصريح منذ الخامس من يونيو/حزيران حين قطعت السعودية والامارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر لدعمها الارهاب والتقرب من إيران التي تشكل بدورها تهديدا لأمن واستقرار المنطقة.
وتولت الكويت وساطة في مسعى لاحتواء الأزمة من دون أي نتائج ملموسة حتى الآن. كما قام وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بجولة شملت السعودية والإمارات والكويت وقطر عاد منها إلى الولايات المتحدة خالي الوفاض.
لكن تليرسون الذي أطلق تصريحات مناقضة لاتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطر بتورطها في دعم الإرهاب، أثنى أمس الجمعة على جهود الدوحة في تنفيذ اتفاق وقع الأسبوع الماضي يهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب، داعيا الدول العربية لفك عزلة الدوحة، بينما كانت دول المقاطعة قد أعلنت أن الاجراءات القطرية في هذا الشأن غير كافية .
وقام تيلرسون بزيارات مكوكية بين دول خليجية الأسبوع الماضي لإقناعها بالمساعدة على حل أسوأ أزمة تواجهها قطر في سنوات لكنه غادر المنطقة دون أي إشارات واضحة على أن الأزمة قد تحل سريعا.
وقدمت الدول الأربع قائمة تضم 13 مطلبا لقطر تشمل إغلاقها لقاعدة عسكرية تركية وقناة الجزيرة الفضائية والتوقف عن تمويل الإرهاب وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع ايران وهي مطالب رفضتها الدوحة.
وخلال زيارته للخليج وقع تيلرسون اتفاقا مع قطر بشأن قطع تمويل الإرهاب في محاولة للتخفيف من حدة أزمتها، لكن الدول التي تعارض الموقف القطري قالت إن الاتفاق لا يكفي لتبديد مخاوفهم.
وقال تيلرسون للصحفيين قبل أن يجتمع مع وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي في وزارة الخارجية “ينفذون الاتفاق (قطر) بكل همة لذا أعتقد أننا راضون عن الجهود التي يبذلونها”.
وأضاف أن قطر مستعدة للتفاوض مع الدول الأربع ومناقشة مطالبها، لكن من المهم للدوحة “أن تحظى سيادة وكرامة الدول الخمس بالاحترام خلال تلك المناقشات”.
وفي خطوة لمواجهة اتهامات الدول الأربع فرضت قطر قواعد لتعريف الإرهاب وتجميد مصادر تمويله وحددت قوائم للإرهاب.
وفي أول إشارة إيجابية من الدول الأربع منذ بدء الأزمة الشهر الماضي رحبت الإمارات أمس الجمعة بقرار قطر تعديل قوانين مكافحة الإرهاب.
لكن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أوضح في سلسلة تغريدات على تويتر أن الحكمة هي أن تدرك الدوحة أن الحل خليجي ومفتاحه السعودية وأن المناورة والمكابرة والاستقواء بالحزبي والأجنبي “درب الزلق الذي لا نتمناه للدوحة”.
وأضاف “في ظل إدراك المجتمع الدولي أن حل مأزق قطر خليجي، نبحث عن الحكمة لا المكابرة، كبير من يقول أخطأت بحقكم ومصلحتي ووجداني ضمن البيت الخليجي”.
وتابع “الخوف أن قطر التي إنزلقت سياستها من التوسط بين الأطراف إلى تمويل ودعم التطرف ستنزلق مجددا عبر البوابة الخارجية، أوهام السيادة صعبة التصديق”.
وقال أيضا “في أزمة قطر الممتدة، الرهان على الحل الخارجي ينحسر وهو رهان واهم ينتقص ويهمش ضرر قطر على جيرانها والتطاول و المناورة لا تمثل استراتيجية.
وخلص إلى التأكيد على أن “كل أزمة تمر بضبابية، مقصودة وغير مقصودة، فالمناورة والاعتماد على حل خارجي وتمييع المفاهيم سراب. ويبقى أساس الأزمة حيّا وملخصه تغيير التوجه”.
وعلى خلاف موقف تليرسون واشادته بما اعتبره جهودا قطرية في تنفيذ اتفاق مكافحة الإرهاب، أكد متابعون للشأن القطري أن المرسوم الذي أصدره أمير قطر لقانون مكافحة الإرهاب يعد شكليا ويأتي بهدف تخفيف الضغوط على الدوحة ومحاولة ايهام المجتمع الدولي بأنها تعمل على مكافحة الإرهاب في حين أنها راعية للإرهاب وداعمة له.
وأكد هؤلاء أن قطر تريد الخروج من ورطتها عبر هذه الخطوة الشكلية التي لم تغير من السياسة القطرية التخريبية في المنطقة قيد أنملة.
وتضمن المرسوم “تعريف الإرهابيين والجرائم والأعمال والكيانات الإرهابية وتجميد الأموال وتمويل الإرهاب”.
كما تم بموجب المرسوم “استحداث نظام القائمتين الوطنيتين للأفراد والكيانات الإرهابية وتحديد إجراءات إدراج الأفراد والكيانات على أي منهما وبيان الآثار المترتبة على ذلك وتثبيت حق ذوي الشأن بالطعن في قرار الإدراج أمام محكمة التمييز”.
ونص المرسوم بقانون على أن تنفيذه والعمل به يسري في اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية. ولم تذكر الوكالة المزيد من التفاصيل بشأن التعديلات الجديدة.
ويرى المتابعون للشأن القطري أن هذا التعديل محدود بالنظر إلى كون قطر غير قادرة على تصنيف جماعة الاخوان المسلمين التي تحتضن قيادتها كجماعة ارهابية أو جماعات تابعة لها تغذي الاقتتال في المنطقة.
وتأتي التعديلات الجديدة بعد نحو أسبوع من توقيع قطر وأميركا في 12 يوليو/تموز مذكرة تفاهم بينهما لمكافحة تمويل الإرهاب.
اضف تعليق