الرئيسية » تقارير ودراسات » حلقة مفرغة ..كيف أخفقت الأمم المتحدة في التعاطي مع الأزمة اليمنية ؟
تقارير ودراسات رئيسى

حلقة مفرغة ..كيف أخفقت الأمم المتحدة في التعاطي مع الأزمة اليمنية ؟

أضحى الدوران في  حلقة مفرغة سمة رئيسية بالأزمة اليمنية والتي دخلت منعطفاً خطيراً فى الآونة الأخيرة كنتيجة حتمية لإخفاق الأمم المتحدة فى التعاطي مع الأوضاع هناك واتخاذها موقفاً منحازا ومتخاذلا إزاء ممارسات المليشيات الحوثية .

مؤشرات الانحياز الأممي للحوثيين برز آخرها  ,أول أمس, بعد تصويت مجلس حقوق الإنسان على تمديد مهمة الفريق وإعلان حكومة الشرعية اليمنية أنها لن تتعاون مع فريق خبراء الأمم المتحدة فضلاً عن إدانة كل السعودية والإمارات والبحرين ومصر قرار المجلس ووصفه بعد الحياد لافتة إلى أن تقرير الخبراء اعتراه خلل واضح ومغالطات كثيرة تتناقض مع قرارات مجلس الأمن , و أصدر الرباعي العربي بياناً مشتركاً أكدت فيه فشل مجلس حقوق الإنسان في اعتماد مشروع قرار موحد في شأن الأوضاع في اليمن، في ظل عدم تعاون هولندا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ وإرلندا، وإصرار هذه الدول على عدم الأخذ في الاعتبار اهتمامات الدول المعنية المشروعة. وكان الخبراء الذين اختارهم مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان طلبوا الأربعاء الماضي من الدول تمديد عملهم فى اليمن، فى وقت أعلنت الحكومة اليمنية،معارضتها تمديد مهمتهم.

تجاهل الأمم المتحدة لبعض مفردات الصراع في الحرب في اليمن وضع مصداقيتها على المحك , فعلى الرغم من أن تقريرها الأخير سلط الضوء على الجرائم التي ترتكبها مليشيات الحوثيين ضد الشعب اليمني غير أن وصفه للأزمة اليمنية بالنزاع، والانقلابين الحوثيين بسلطات الأمر الواقع، وميليشياتهم بالقوات، والجيش الوطني والمقاومة بميليشيات موالية لهادي، والعملية العسكرية التي أطلقتها الحكومة لتحرير مدينة الحديدة بالعدوان، يعد انتهاكاً صارخاً لكل قرارات مجلس الأمن ومرجعيات حل الأزمة ومحاولة لإضفاء نوع من  المساواة القانونية والشرعية بين معسكر الحوثى والحكومة الشرعية ووضعهما على قدم المساواة فضلاً عن أن تجاوزه لمسألة الإيراني لتلك المليشيات، وتدريبهم من أجل تنفيذ هذه المجازر، رغم توجيه الحكومة اليمنية خلال الشهر الماضي تقريرا بشأن الدعم الإيراني وحزب الله لتلك المليشيات يثير الشكوك حول مسار عمل الأمم المتحدة ودورها في تعقيد الأزمة اليمنية

المنظمة الدولية سقطت في فخ الحوثى إذ أن  التقرير الأخير ليس الأول من نوعه فقد سبقته تقارير مشابهة اعتمدت فيها الأمم المتحدة على معلومات مضللة وتبدو سجلاتها حافلة ببيانات مغلوطة نتيجة اعتمادها على مصادر تتمثل بمنظمات ومؤسسات محلية خاضعة لسلطة الأمر الواقع ألا وهى الحوثيين . فإشكالية الأمم المتحدة تتمثل فى أن المنظمة الدولية  تتبنى , منذ بدء الأزمة اليمنية , سياسة قائمة على حصر استقاء المعلومات من مصدر واحد فقط بزعم عدم قدرتها على العمل فى المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية إلا عبر قنوات مرتبطة بالمجموعة المسلحة لكن إصرارها على العمل فى صنعاء وتجاهل المناطق الخاضعة لقوات الشرعية يعكس انحيازها أو ربما يبرر صدور تقارير تغض الطرف عن ممارسات الجماعة الحوثية وهو النهج الذي  سار عليه بنعمر وخلفه إسماعيل ولد الشيخ المتهم ولعل فى اختيار صنعاء مقراً  لعمل منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، جيمي ماكغولدريك , ومن بعده ليز غراندي ما يؤكد افتقار تقاريرهم للمصداقية لاسيما وأن تحركاتهم مرتبطة بموافقات وتصاريح من الحوثي وجماعته فضلاً عن عدم تواصلهم المستمر مع حكومة الشرعية فى عدن

المساعدات الإنسانية تعد بدورها دليلاً دامغاً على القصور بعمل فريق الأمم المتحدة  والتى عادة ما تتغاضى عن استيلاء الحوثيين على  القوافل المحملة بالمواد الغذائية والطبية، أو تقوم تحت ضغط المليشيا الناجم عن وجود مكاتبها ومقراتها فى صنعاء , بتسليم الجزء الأكبر من الإغاثات للحوثيين، ويتم توزيعها عبر جمعيات تابعة لهم، وبالآليات التى يضعونها أو قد يسرقونها ويقومون ببيعها فى السوق السوداء لتمويل عملياتهم العسكرية ، فطبقًا للجنة العليا للإغاثة اليمنية، تمت سرقة ونهب 13815 سلة غذائية من قبل الحوثيين، وتاجروا بها فى السوق السوداء خلال ثلاث سنوات، منذ 2015 إلى 2018 ,وهناك نحو 65 سفينة تم احتجازها خلال الفترة من 2015 حتى 2018، وخلال الفترة نفسها تم الاستيلاء على 615 شاحنة إغاثية وتفجير 4 منها.

تكتم الأمم المتحدة أمس على الأنباء المتواترة حول اختطاف ميليشيات الحوثيين لاثنين من موظفي الإغاثة في اليمن،يعكس هجوم الضغوط على المنظمة, فبحسب ما أكّد موظفو إغاثة في اليمن تم اختطاف ناصر هناف، الذي يعمل ببرنامج الغذاء العالمي بالحديدة، منذ 12 تموز (يوليو) الماضي، ولا يعرف عن مصيره شيء حتى اللحظة. وعادل الصالحي؛ الذي يعمل بمنظمة الهجرة الدولية بصنعاء، واختطفه الحوثيون في الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري. وهناك نحو 16 واقعة اعتداء على منظمات تابعة للأمم المتحدة والعاملين بها، تنوعت بين القتل والخطف وإغلاق المكاتب بالقوة، وتركزت الانتهاكات فى صنعاء وتعز ثم الحديدة وإب.

تصعيد الوضع مع الأمم المتحدة جاء بعد أيام من فشل انعقاد مشاورات جنيف للسلام نتيجة إخفاق المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، فى إقناع الحوثيين بالاشتراك في مشاورات سلام، بعد رفضهم السفر لمشاورات جنيف 3، وتعمدهم الغياب بعدم إرسال وفدهم التفاوضي،والذي تحمل مرونته المبالغ بها فى التعاطي مع الرغبات الحوثية إشارات على تبرئتهم ضمنياً  من اتهامات عرقلة عملية السلام فى اليمن حيث قال غريفيث في سياق حديث تلفزيونى إنه “يجب منح جماعة أنصار الله فرصة جديدة لتمكنيهم من القدوم للمشاورات.. لمن يقول إن أنصار الله غير جادين حول المفاوضات أقول لهم ذلك غير صحيح”.

تصريحات غريفيث الأخيرة لا تختلف كثيراً عن مثيلتها السابقة حيث أكد ,قبيل مفاوضات جينيف على أن لدى زعيم الجماعة الانقلابية عبد الملك الحوثي رغبة وحماسة لإحلال السلام وإنهاء الحرب، وهو ما تكذبه الوقائع والشواهد الحاصلة على الأرض.إذ يبدو أن المبعوث الأممى يحاول تمرير فكرة إعطاء الحوثيين فرصة أخرى بغية تجميد الخيار العسكري لحسم معركة الحديدة فضلاً عن رغبته فى عدم إحراز قوات التحالف والشرعية أى تقدم ميداني يرفع سقفهم التفاوضي مع الحوثي و كان واضحًا أن غريفيث يستغل صلاحياته في الضغط على التحالف لوقف العمليات العسكرية مما أعطى الجماعة المسلحة فرصة لترتيب أوراقهم مجدداً على مستوى الحشد وحفر الخنادق .

الثقة الزائدة فى حديث المبعوث الأممي عن النوايا الحسنة للحوثيين تعكس قناعات الرجل فيما يتعلق بالمليشيا والتي توحي  بضرورة تقبلها كأمرٍ حتمي مما يعنى أن غريفيث الذى سبق ونعت الحوثيين بسلطة الأمر الواقع يرى أنهم يمثلون سلطة رديفة للشرعية، وليس طرفًا انقلابيا يتمسك بالسلطة دون أدنى مبرر قانوني و كان واضحًا أن غريفيث يستغل صلاحياته في الضغط على التحالف

تحركات الأمم المتحدة أثارت توجسات مرتابة لدى كثير من اليمنيين تجاه ما يعتبرونه كيلا بمكيالين يحمي الجلاد من ثأر الضحية ويزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك ولعل هذا ما جعل البعض يتندر بأن المنظمة الدولية تحولت إلى محام عن المليشيا الحوثية وأن انحيازها شبه المؤكد للجماعة قد يفتح الباب مجددًا أمام مستقبل مجهول للجهود السياسية الرامية إلى إنهاء النزاع المتصاعد منذ 3 أعوام ونصف العام.

.