حدد الرئيس السوري بشار الأسد يوم 26 فبراير الجاري "موعداً للاستفتاء" على مشروع دستور جديد للبلاد ينهي الدور القيادي لحزب البعث في البلاد، ويحدد الولاية الرئاسية بسبع سنوات تجدد لمرة واحدة. وقال التلفزيون السوري: إن انتخابات برلمانية ستجرى خلال 90 يوما من الموافقة على هذا المشروع، الذي ينص على نظام سياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية.
يأتي ذلك بعد نحو سنة من اندلاع حركة احتجاجية تطالب بالديموقراطية وباسقاط نظام الأسد، وعشية تصويت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (اليوم) على مشروع قرار عربي يدين العنف، الذي يمارسه هذا النظام ضد المعارضة، أوقع حتى الآن حوالي 6 آلاف قتيل و10 آلاف جريح، ووسط تحرك عربي ودولي لتشديد الضغوط على الأسد.
وسارع البيت الأبيض لوصف إعلان الأسد عن هذا الاستفتاء بأنه "مثير للسخرية"، بينما وصفته المعارضة بأنه "حيلة" لتحويل الانتباه عن الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها قواته. وفي حيت رأت فيه موسكو "خطوة الى الأمام"، قالت عواصم أوروبية عدة بأنه "غير كاف.. ومتأخر".
وكان الأسد، الذي صرح الأحد الماضي بأن سورية "على وشك الانتقال إلى حقبة جديدة"، قد أصدر في أكتوبر الماضي قرارا جمهوريا بتشكيل لجنة وطنية لإعداد مشروع دستور جديد. ورفع حالة الطوارئ، ووعد بإجراء انتخابات برلمانية تعددية في فبراير "استجابة لضغوط المتظاهرين"، الذين يطالبون بإنهاء حكم عائلته المستمر منذ أكثر من 41 عاما.
لكن الأسد أرسل دبابات وجنودا إلى شتى أنحاء البلاد لسحق التظاهرات المستمرة، مما يثير شكوكا في مصداقية تصريحاته "الإصلاحية".
الشعب ينتخب الرئيس
يتكون مشروع الدستور الجديد من 157 مادة، موزعة على ستة أبواب. وأبرز ما فيه المادة 88 التي تنص على انتخاب رئيس الجمهورية "من الشعب مباشرة لمدة 7 أعوام ميلادية، تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية".
ولم يحدد الدستور السوري، المعمول به منذ السبعينات من القرن الماضي، سقفا زمنيا لإعادة انتخاب الرئيس، إذ أن الرئيس الراحل حافظ الأسد بقي في الحكم لما يقرب من ثلاثين عاما حتى وفاته عام 2000. إذ أن المادة 87 أشارت الى أنه "إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية، ولم يتم انتخاب رئيس جديد، يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد".
وجاء فيه أن "نظام الحكم في الدولة نظام جمهوري، والسيادة للشعب، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب، ويمارسها ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور".
ويخلو المشروع من ذكر أي دور قيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يحكم منذ عام 1963. وتؤكد المادة الثامنة أن "النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديموقراطيا عبر الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديموقراطية".
وتحل هذه المادة مكان المادة الثامنة في الدستور المعمول به حاليا، والقاضية بأن حزب البعث هو قائد المجتمع والدولة.
دمشق تتحدى الاسد
اقتحمت قوات كتائب الأسد الخاصة أمس أحياء في دمشق مدعومة بالمدرعات، بينما حذر الجيش السوري أهالي حمص المحاصرة منذ 12 يوما بوجوب الإخلاء خلال 24 ساعة في مؤشر على اجتياح وشيك، في وقت اشتبكت قوات الأمن مع الجيش السوري الحر في حلب. وبلغت حصيلة أعمال العنف حتى لحظة إعداد هذا التقرير 30 قتيلا- مدنيا وعسكريا- وعشرات الجرحى.
ففي انتشار غير مسبوق، اقتحمت قوات من الفرقة المدرعة الرابعة والحرس الجمهوري، مدعومة بحاملات جند مدرعة، جزءا من دمشق، وأطلقت نيران رشاشاتها الآلية بشكل عشوائي، ثم نصبت المتاريس في الشوارع الرئيسية، لا سيما في حي برزة السكني، حيث داهمت المنازل واعتقلت أشخاصا كثر.
وأكد ناشطون إن هذه أول مرة، منذ بدء الانتفاضة، ينتشر فيها الجيش السوري وسط العاصمة، فيما قال سكان إن القوات كانت تبحث عن نشطاء معارضين وأعضاء في الجيش السوري الحر يتولون حماية المحتجين، الذين دأبوا على الخروج في تظاهرات مناهضة للنظام.
وقال مازن، طالب جامعي من حي برزة، "دمروا واجهات المحال، وأعادوا تلاميذ كانوا ذاهبين الى المدرسة. وتركزت المداهمات أيضا على حي ظهر المسطاح، وحارة البستان".
وذكر أن ما لا يقل عن ألف جندي انتشروا في حي برزة، بعد أن اغلقوا مداخله بحاملات الجند المدرعة وعربات الجيب العسكرية وشاحنات صغيرة ثُبتت عليها رشاشات آلية ثقيلة.
20 قتيلاً في حلب
في غضون ذلك، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل عشرين شخصا، بينهم تسعة مدنيين، خلال اشتباكات بين الجيش ومنشقين في ريف حلب.
وقال المرصد إن "الاشتباكات بدأت مساء الثلاثاء، واستمرت بين الجيش ومجموعة منشقة لليوم الثاني على التوالي في بلدة الأتارب" في ريف حلب. وأضاف أنه "بالإضافة الى المدنيين التسعة الذين سقطوا قتلى خلال الـ24 الماضية، قتل أربعة منشقين وسبعة جنود، بينهم ضابطان برتبة عقيد وملازم أول".
من جهة ثانية، قال ناشطون إن القوات السورية شنت هجوما على حماة، وأطلقت نيران المدرعات ومدافع محمولة مضادة للطائرات على أحياء سكنية، خصوصا الحميدية والأربعين ومشاع الأربعين، حيث قطعت الاتصالات الأرضية والخليوية وخدمة الانترنت. وأن الدبابات تمركزت قرب قلعة حماة، وقصفت أحياء فرايا وعليليات والباشورة والحميدية، بينما تقدمت القوات من محيط المطار. ولم يتسن الحصول على تقارير عن الخسائر البشرية بسبب مشاكل الاتصالات.
وفي ريف إدلب، "قتل ثلاثة مواطنين في جسر الشغور إثر انفجار عبوة ناسفة، وخمس جنود في اشتباكات. وفي ريف درعا (جنوب)، قتلت طالبة برصاص القوات العسكرية في حملة مداهمات واعتقالات، شملت أيضا دير الزور، وفي منطقة وادي بلدة سحم في الجولان تعرض نحو ثلاثين منشقا لحصار وقصف مباشر، أدى لسقوط جرحى في صفوفهم. وفي حرستا في ريف دمشق توفي شاب متأثرا بجروح أصيب بها الثلاثاء إثر انفجار قنبلة داخل سيارته".
إخلاء حمص
وفي حمص، واصل الجيش السوري قصفه للأحياء السكنية لليوم الثالث عشر على التوالي، وسط إنذارات لأهالي بابا عمرو "بوجوب الإخلاء تحت طائلة المسؤولية" في غضون 48 ساعة، في إشارة مباشرة إلى استعداده لاقتحام الحي.
وبحسب موقع "دامس بوست" الحكومي، فإن الجيش "وبعد استعادته السلطة على ريف دمشق ومعظم ريف حمص، يمضي في استكمال خطة يسميها الضباط الأمنيون الكبار في النظام (تنظيف) المدن والبلدات من المسلحين، ستكون حلقتها الثالثة، الثقيلة الوطأة بدورها".
اضف تعليق