الرئيسية » تقارير ودراسات » “روسيا وإيران: شراكة بلا التزامات
تقارير ودراسات رئيسى

“روسيا وإيران: شراكة بلا التزامات

لم تقدّم موسكو لطهران أكثر من دعم خطابي خلال واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ إيران. ويذكّر هذا الخطاب الروسي بأن ما يُسمّى “محور الاضطراب” لم يكن يومًا تهديدًا موحّدًا كما صوّره بعض المعلّقين والمسؤولين الحكوميين. بل إن موسكو تسعى إلى موازنة شراكتها مع إيران مع مصالحها طويلة المدى في الشرق الأوسط، وهذه المصالح هي التي تتغلب في النهاية.

ورغم أن روسيا وإيران تعارضان معًا النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، فإن موقف الكرملين من الحرب الإسرائيلية–الإيرانية يعكس مصالح تقليدية أكثر: الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، موازنة العلاقات مع خصوم إيران العرب، انتقاد السياسات الأميركية باعتبارها منافقة، والتأكيد على مكانة روسيا كقوة عظمى. في بعض الأحيان تتقاطع هذه المصالح مع مصالح إيران، لكنها لا تشير أبدًا إلى أن دعم طهران قد ضمن التزام موسكو الكامل بالدفاع عنها.

أدّت الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا إلى حقبة جديدة من التعاون الدفاعي بين روسيا وإيران، وأثارت احتمال أن تساعد موسكو طهران ضد أعدائها الكثيرين. فقد قدّمت إيران مساعدات كبيرة لروسيا، شملت أنظمة جوية غير مأهولة (UAS)، قذائف مدفعية، وعدة مئات من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من طراز فاتح–110. كما ساعدت إيران روسيا في بناء مصنع ضخم للطائرات المسيّرة داخل روسيا يمكنه إنتاج آلاف الوحدات للاستخدام في ساحات القتال. وفي المقابل، زوّدت روسيا إيران بطائرات تدريب “ياك–130″، ومروحيات هجومية من طراز “مي–28″، ودعمًا لبرامج الفضاء والصواريخ، وتقنيات المراقبة الداخلية.

دخلت العلاقة على ما يبدو مرحلة جديدة في أوائل عام 2025 عندما وقّعت إيران وروسيا معاهدة شراكة استراتيجية لمدة 20 عامًا. وقد وعد الاتفاق بزيادة التعاون الدفاعي، واشتمل على بند يلتزم فيه الطرفان بـ”التصدي لتطبيق الإجراءات القسرية الأحادية الجانب”. لكن المسؤولين الروس حرصوا على التأكيد أن المعاهدة لا ترقى إلى تحالف عسكري، وأن روسيا غير ملزمة بتقديم مساعدة عسكرية لإيران في حال تعرضها لهجوم.

ظهر هذا الافتقار إلى الالتزام بشكل واضح أثناء الهجمات الأميركية والإسرائيلية على إيران في يونيو وما بعدها. فعلى الرغم من تقارير “رويترز” التي نقلت عن مصادر إيرانية أن طهران طلبت مساعدة ملموسة من موسكو خلال الصراع، فإن المسؤولين الروس والإيرانيين نفوا ذلك. وأكد الكرملين أنه مستعد لتقديم “دعم إنساني”، وعرض التعاون مع إيران لتحسين دفاعاتها الجوية، لكنه لم يلقَ “اهتمامًا كبيرًا”. وهكذا ظل دعم روسيا لإيران في معظمه خطابًا بلاغيًا.

تحليل ذلك الخطاب يكشف أن إيران تحتل مكانة أقل مركزية في تفكير روسيا بشأن الشرق الأوسط مما تأمل به طهران. فمصالح روسيا في الحفاظ على استقرار المنطقة، والإبقاء على علاقات إيجابية مع مختلف القوى، وتفنيد الرواية الأميركية، وتعزيز مكانتها الدولية، تتقاطع أحيانًا مع مصالح إيران لكنها تُظهر أن صداقة موسكو مع طهران ليست “بلا حدود”.

أحد المحاور الرئيسية في ردود روسيا على الضربات الأميركية كان الدعوة إلى الاستقرار الإقليمي. فقد أشارت البيانات الروسية باستمرار إلى مخاطر التصعيد ورغبة موسكو في العودة إلى مسار دبلوماسي. وأعلنت وزارة الخارجية عبر “تلغرام” أن “الجانب الروسي دعم بالكامل الجهود الرامية إلى تسوية الوضع حول البرنامج النووي الإيراني بالطرق السلمية… وستواصل روسيا المساهمة في خفض التصعيد بين إيران وإسرائيل”. وفي محادثات متعددة مع نظرائهم في دول الخليج، شدّد المسؤولون الروس على “أهمية الوقف الفوري للأعمال العدائية ومنع التوسع الجغرافي الإضافي”. وتُظهر هذه المحادثات أيضًا مساعي موسكو للحفاظ على علاقاتها مع دول الخليج التي تخشى إيران.

كما أن لروسيا مصلحة قديمة في استخدام الصراع في الشرق الأوسط لتقويض المزاعم الأميركية بشأن القانون الدولي وحقوق الإنسان. فقد بدا أن الكثير من التصريحات الروسية مصممة لتقويض ادعاءات واشنطن بأنها ضد العدوان. ونشرت وسائل الإعلام الرسمية الروسية مقالًا ربط بين أهداف إيران الاستراتيجية وأهداف قوى أخرى مثل روسيا، الصين، تركيا، الهند، وعشرات الدول الأخرى: “الهدف الاستراتيجي لإيران هو نفسه تمامًا هدف روسيا والصين وتركيا والهند وعشرات الدول الأخرى—السعي إلى أخذ مكانة جديرة في النظام العالمي الجديد الجاري تشكليه الآن”. وأكد فلاديمير بوتين هذا التصريح قائلًا إن الدافع الأساسي وراء الحرب الإسرائيلية–الإيرانية هو “محاولة الدول الغربية منع قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل والحفاظ على نموذج العولمة الذي لا يفيد إلا هي”. كما صوّر بوتين الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره مقاومة بطولية نيابة عن هذه القوى، إحداها (تركيا) عضو في الناتو وقدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

الإعلام الروسي صوّر الولايات المتحدة كالمعتدي في الحرب ضد إيران. وأدان ألكسندر فينيديكتوف، نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، الضربات الأميركية قائلاً إنه “من المقلق بشكل خاص أن تُنفّذ الضربات من قبل دولة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي”، ووصف هجمات إسرائيل بأنها “غير مبرّرة”. أما وزارة الخارجية الروسية فوصفت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 12 يونيو، والذي اعتبر إيران منتهكة لالتزاماتها في عدم الانتشار النووي، بأنه نتيجة “محاولات المعسكر الغربي التلاعب بنظام منع الانتشار النووي العالمي لتصفية حسابات سياسية”.

ويكشف الخطاب الروسي أيضًا أن اهتمام موسكو بالحفاظ على مكانتها كقوة عظمى لا يزال حاضرًا. فقد شددت وزارة الخارجية عبر “تلغرام” أن الحكومة الروسية مستعدة لـ”تقديم خدمات الوساطة لمنع المزيد من التصعيد”. وقال فلاديمير دجباروف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد، إنه “من دون مشاركة روسيا سيكون من الصعب على الأميركيين موازنة مواقف اللاعبين السياسيين كافة في المنطقة”. لكن وزير الخارجية سيرغي لافروف أصر على أن “الأطراف المنخرطة مباشرة في المواجهة يجب أن تطلب المساعدة”. ورغم أن من المحتمل أن تسعى روسيا للحصول على تنازلات في أوكرانيا مقابل دعمها، فإن الكرملين أوضح أنه يرى أن الوضعين في أوكرانيا والشرق الأوسط منفصلان. ويعود اهتمام روسيا بالوساطة إلى رغبتها في الاستقرار الإقليمي ورغبتها في لعب دور القوة العظمى في السياسة الدولية.

الاستثناء الوحيد لهذه الثيمات كان في تصريحات الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي الحالي دميتري ميدفيديف على “تلغرام”. والأكثر إثارة للقلق أنه هدّد على ما يبدو بنقل أسلحة نووية إلى إيران. مثل هذه الخطوة ستكون تحولًا ضخمًا في سياسة روسيا التي عارضت دائمًا سعي إيران لامتلاك القنبلة. لكن لميدفيديف تاريخ طويل من الخطاب النووي الاستفزازي، ومن غير المرجّح أن تعكس تصريحاته الأخيرة تحوّلًا في السياسة الرسمية. فالبرنامج النووي الإيراني يُعدّ محركًا رئيسيًا لعدم الاستقرار الإقليمي، ويهدد شركاء روسيا الآخرين المحتملين في المنطقة، ويقوض الرواية الروسية المفضلة حول العدوان الأميركي–الإسرائيلي.

وبالطبع، لدى روسيا أسباب أخرى لتقييد دعمها لإيران. فقد فرضت الحرب في أوكرانيا ضغوطًا هائلة على القدرات العسكرية الروسية، ما قلّل من إمكانياتها الواقعية لإرسال الدعم إلى إيران. كما أن الكرملين قد يرى فائدة في تقليل المواجهات مع الرئيس ترامب، خاصة وأن إدارته تبدو ميّالة لتقليص دعمها لكييف، وهو ما يخدم مصالح روسيا.

هذه المصالح ليست جديدة على روسيا. فموسكو ستواصل على الأرجح سياساتها التقليدية في الشرق الأوسط، والتي تقوم على نهج عدم التدخل المباشر في حماية دول مثل إيران من العقوبات والتهديدات الأميركية. وهذا يعني أن روسيا قد لا تعرقل اتفاقًا نوويًا جديدًا. كما يعني أن إيران قد تفكر في تقليص دعمها لحرب روسيا في أوكرانيا إذا رأت أن مساعدتها لموسكو لم يُردّ عليها بالمثل. وكلا الاحتمالين سيكونان تطورين إيجابيين بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الدوليين. لكن إذا حقق بوتين أهدافه في أوكرانيا—سواء في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات—فقد يصبح أكثر استعدادًا لمخاطرة مواجهة مع الرئيس ترامب عبر زيادة الدعم العسكري لطهران، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران.

استجابت روسيا للهجمات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران عبر التركيز على رغبتها التقليدية في الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف، واستغلال الفرصة لتشويه صورة الولايات المتحدة، وإبراز نفسها كقوة عظمى. وهذه المصالح تحدد حدود التعاون بين روسيا وإيران، وعلى الولايات المتحدة أن ترحّب بأي توتر ينشأ نتيجة تجربة طهران الأخيرة لتلك الحدود.

المصدر: csis