الرئيسية » تقارير ودراسات » رياح غير مواتية ..فرص الأسد تبدو ضئيلة هذه المرة!
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

رياح غير مواتية ..فرص الأسد تبدو ضئيلة هذه المرة!

لقد طغت الجائحة العالمية إلى حد ما  , على أنباء محاكمة رجلين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية نيابة عن الدولة السورية في ألمانيا هذا الأسبوع .حيث قدم الشهود والضحايا وأحد المنشقين العسكريين  أدلة على الفظائع المزعومة التي يمكن أن تفضى إلى توسيع دائرة الاتهامات  .

بالإضافة إلى ذلك ، تجري ألمانيا ، بموجب “الولاية القضائية العالمية” ، تحقيقات مع عشرات المسؤولين السوريين السابقين الآخرين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية وتصل إلى حد الإبادة الجماعية. كما  صنفت ألمانيا  الأربعاء الماضى حزب الله كمنظمة إرهابية وحظرته من القيام بأي نشاط على أراضيها. يأتي كل هذا في وقت مؤسف لبشار الأسد الذي يتطلع بعد  إحكام سيطرته على معظم بلاده إلى إحياء شرعيته الدولية.

 

ومع ذلك ، فإن المخاطر المتعلقة باحتمال تورط الأسد أو توجيه اتهام مباشر له من قبل محكمة دولية لن يستند إلى أدلة الضحايا أو الشهود ، بل سيعتمد في مجمله على توازن جيوسياسي دقيق. إذ أن الحاجة لاستمراره  ومشاركته في عدد من قضايا الشرق الأوسط هي أفضل آداة دفاع عنه .

فقد كانت هذه معادلة البقاء لنظام الأسد حتى قبل اندلاع  الثورة السورية عام 2011 التي أفرزت الصراع الراهن  ، فالنظام البعثي دائما ما يستفيد دائمًا التوازنات الإقليمية لحصد الغنائم وتأمين حكمه المستمر.

 

وشهدت خارطة التوازنات الإقليمية , فيما مضى , وقائع مشابهة  ، على سبيل المثال ، سمحت لسوريا بغزو لبنان عام 1976 كمكافأة لتغض الطرف عن استيلاء إسرائيل على مرتفعات الجولان ولجني غنائم الحرب – أي ثروات لبنان. فضلاً عن أن اندلاع حرب الخليج عام 1990 والموقف الذي اتخذه النظام السوري , حينها ,  ضد غزو العراق للكويت زوده بشريان حياة في وقت كان يئن فيه تحت وطأة ضغط شديد

 

واستمر احتلال لبنان حتى عام 2005 ، عندما أجبرت القوات السورية على مغادرة البلاد  بعد  حملة ضغوط دولية هائلة تعرض لها النظام البعثي عقب  اغتيال رفيق الحريري. لكن وفق معطيات الواقع  فإن الاستعمار  ل لم ينته بشكل كامل. حيث واصل حزب الله ، وكيل النظام الملائي  ،إلى جانب أصحاب المصالح  ، العمل في المقام الأول للحفاظ على التوازن بين المصالح الإيرانية والسورية. فقد اتفقوا على تقاسم  النفوذ والغنائم  الأمر الذى أدى بدوره إلى استنزاف الدولة اللبنانية وإغراقها في الفساد ، كجزء من أجندة إيرانية أكبر , و لعل هذا هو السبب في أن الناس يموتون اليوم  خلال الاحتجاجات في طرابلس  .

 

لقد كان حافظ الأسد بارعاً دائمًا في توظيف نفوذه ليتم  التعاطي معه كشريك أو حليف موثوق لطهران  ، وهوما تكشف بوضوح خلال الحرب الإيرانية العراقية ، بيد أن نجله  بشار لم يحظ بنفس القدر من المهارة في المناورة ولم يتمكن من الحفاظ على هذا الوضع ,لذا نجد سوريا الآن أقل من كونها شريكًا وأقرب إلى نموذج الدولة التابعة. حتى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يبدو أعلى مرتبة من الأسد في هيكل السلطة بين إيران وسوريا.

وبالرغم من ذلك  ، فإن التفوق الإيراني قد أنقذ الأسد مرات عديدة ،وتحديداً  منذ عام 2011. حين  أراد الرئيس الأمريكي باراك أوباما تمرير الصفقة النووية مع طهران  ونتيجة لذلك ، لم تمارس واشنطن ضغوطًا على الأسد خلال الانتفاضة السورية لأنه ، في ظل الدعم الإيراني  لنظامه  ، كان يمكن اعتبار أي ضغط بمثابة تصعيد , ربما يؤدى  إلى عرقلة  المفاوضات. وقد سمح ذلك لنظام الأسد بجلب حزب الله وغيره من مقاتلي الحرس الثوري ليخوضا حرباُ من أجل بقائه وإجهاض الثورة.

 

شريان الحياة التالي للأسد جاء في صورة الحرب ضد  داعش . حتى أن بعض المحللين ذهبوا  إلى أن المخابرات السورية ساهمت في بشكل أو بآخر في تسلل التنظيم  إلى البلاد . بهدف جذب نوع من الدعم الدولي للنظام وبما يساعد على بناء سردية حول أنه لا يوجد خيار أمام المجتمع الدولي  سوى بقاء الأسد لمحاربة الإرهاب ، وفى الوقت ذاته يصور إيران كمساهم إيجابي بمعادلة تحقيق الاستقرار في المنطقة.

ومع ذلك ، وعلى الرغم من دعم الحرس الثوري ، كان نظام الأسد  لايزال يخسر معارك وأراضي لصالح فصائل المعارضة السورية وجماعات أخرى. إلا أنه مع بلوغ منحنى الأزمة نقطة الذروة كانت الاستدارة الضرورية ، حيث انعطف الأسد نحو حليف آخر ، يعود تاريخه إلى أيام الحرب الباردة ألا وهو  روسيا.

بسبب الرئيس بوتين والجيش الروسي ، بدأ الحرس الثوري الإيراني ونظام الأسد في استعادة السيطرة على سوريا. وقد كشف ذلك عن افتقار إيران للقدرة على تسوية القتال فضلاً عن التفوق الواضح للقوات الروسية على الأرض.

وعلى غرار ما حدث في لبنان بعد انسحاب القوات السورية ، أضحت دمشق  مجرد قطعة على رقعة التوازنات وتقاسم النفوذ ، لكن هذه المرة بين روسيا وإيران ، وسط نوع من التفاهمات بشأن بعض القضايا وحالة من المنافسة والصراع فيما يتصل قضايا أخرى. إذ أن طبيعة العلاقة ليست ، كما يصفها الكثيرون ، تحالفاً كاملاً بين روسيا وإيران وسوريا ، بل حقيقة الحال  مشروع  ديناميكي مشترك. بكل بساطة ، من غير المحتمل أن يشعر بوتين والجنرالات الروس بأنهم يتقاسمون الكثير من التأثير أو صنع القرار مع الحرس الثوري الإيراني ، لاسيما إذا ما وضعنا قيد النظر  أن القوات الروسية هي التي أنقذت النظام  اليوم.

وبينما يتطلع الأسد وداعميه  إلى طي صفحة الثورة وبدء عهد جديد في سوريا. ، يبدو أن روسيا مستاءة من ممارساته . حيث  ، سلطت وسائل الإعلام الغربية الضوء على تقارير سلبية عن الرئيس السوري ونظامه تم نشرها في صحف مقربة من الكرملين أو محسوبة عليه  ، أشارت  خلالها إلى أن موسكو غير راضية عن عدم رغبته في الانفتاح على المعارضة وخلق هيكل سياسي جديد لحكم سوريا الجديدة  التي تنتظر مليارات الدولارات من مشاريع إعادة الإعمار.

قد يكون هذا صحيحًا جزئيًا ، لكني أعتقد أن الإحباط الروسي هو نتيجة عدم رغبة الأسد أو عدم قدرته على الحد من التأثير الإيراني داخل دائرته الداخلية. لقد ظهرت بالفعل بعض الصراعات داخل النظام ، لاسيما في الجانب الاقتصادي . كذلك، على الرغم من أن الدول العربية أصبحت أكثر انفتاحًا على النظام لإعادة التوازن في سوريا ، فإن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها إلا إذا تم تحجيم نفوذ إيران.

إن  الحد من نفوذ طهران لا يعد انعكاساً لرغبة روسيا ,فحسب , بل العديد من القوى الدولية الفاعلة أيضاً , إذ أنه  يتقاطع مع مصالح إسرائيل ، التي لا تريد رؤية قواعد ومعسكرات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على حدودها ، علاوة على تركيا ، التي أوضحت هذه النقطة خلال اتفاقية إدلب.

لكن السؤال الذى يفرض  نفسه الآن  : بعد عقود من الاستعباد ، هل الأسد قادر ، أو حتى مستعد ، لدعم الجهود الروسية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا؟

ربما يصب في مصلحته كوفيد -19 والركود العالمي المتوقع , مما يسمح له بمواصلة اللعب لبعض الوقت ووضع جانب ضد الآخر. ومع ذلك ، فهو الآن يتعرض أيضًا لضغوط متزايدة من تركيا ، وهي عضو في الناتو بما يعنى  أنها قد تبرم صفقة أكبر مع روسيا والولايات المتحدة ، خاصة بعد اتفاقية إدلب.

ومع أن اللافت في التحولات الكبرى  بالنظام الجيوسياسي يتمثل في كونها  تميل دائمًا  باللحظة الأخيرة إلى تفضيل نظام الأسد – تماماً مثل عائلة كورليوني  في   “الأب الروحي” .

بيد أنه  مع محاكمة أعضاء نظامه في ألمانيا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، ونفاذ صبر بوتين ، قد يجد الأسد نفسه , نهاية المطاف ,  غير محظوظ  هذه المرة ، حتى مع استمرار دعم  طهران.

الرابط الأصلى للمقال :https://arab.news/yq6bu