الرئيسية » رئيسى » سياقات كاشفة ..هل يتحمل لبنان تداعيات ومخاطر بقاء “الأسد”؟
تقارير ودراسات رئيسى

سياقات كاشفة ..هل يتحمل لبنان تداعيات ومخاطر بقاء “الأسد”؟

النفوذ الروسي يلتهم نظيره الإيرانى ..إذ ثمة دلائل متزايدة على  أن قوس الصراع حول سوريا يميل إلى جانب موسكووأن تداعيات مقتل سليمانى سترخى بظلالها على صعيد التفاعلات الإقليمية بين الجانبين . ومع أن التنافس بين موسكو وطهران بشأن التموضع وتعزيز نقاط التمركز داخل مفاصل الدولة السورية  وعلى الأرض يمتد لفترة أبعد نسبياً وبلغ حد الاشتباك فى يوليو الماضى بين قوات حكومية سورية موالية لروسيا واخري حكومية موالية لايران بيد أن غياب قائد فيلق القدس من شأنه أن يطبع بصمات أعمق على خارطة الصراع قد تمتد بعض تداعياتها إلى لبنان  .

زيارة بوتين الأخيرة والمفاجئة لدمشق والتى جاءت بعد أيام من مقتل قائد فيلق القدس لايمكن قراءتها بمعزل عن محاولات  موسكو لتجحيم النفوذ الإيرانى فى سوريا. إذ يبدو أن الرئيس الروسي يرى أن الفرصة باتت مواتية لإزاحة طهران أو على أقل تقدير تقليص حضورها بالمشهد  لاسيما وأن هذه هى  أول زيارة لبوتين إلى سوريا منذ زيارته لقاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية عام 2017. وكان قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء (السابع من كانون الثاني/يناير 2020) بزيارة مفاجئة إلى دمشق، والتقى مع الرئيس السوري بشار الأسد في مقر قيادة القوات المسلحة الروسية في سوريا

و ترى روسيا أن إيران أضحت منافساً قوياً لها على مشاريع اقتصادية في مجالات النفط والغاز والفوسفات التي تأمل موسكو فى جني المليارات منها ,فضلاً عن كونها على الصعيد الاستراتيجي تعد فى هذه المرحلة عائقاً يحول دون تحقيق الاستقرار فى سوريا والذى تتطلع من خلاله موسكو إلى استعادة دورها على الساحة الدولية . إذ يسعى بوتين إلى جنى ثمار تدخله العسكرى فى سوريا من خلال أمرين : استعادة سيطرة الأسد على كامل الأراضي عسكرياً وإدراياً، وثانياً، التوصل إلى تسوية سياسية من شأنها نزع فتيل “الحرب ” وتمكين عملية تطوير المشاريع الاقتصادية وترميم قوات النظام ومن ثم الحصول على مزايا الأعمار ومكانة استثنائية على الصعيد الدولى لايضاهيها سوى إقدام ترامب على فتح قنوات للحوار مع كوريا الشمالية.

التنافس الإيرانى الروسي للقبض على مفاصل الاقتصاد السوري   تضمن إنشاء  كلٌّ منها مجالس اقتصادية للإشراف على مشاريعهما ولتنظيم العلاقات مع شركائهم هناك في المجالات الاقتصادية المختلفة.  وعند أخذ قطاع النفط نموذجاً سنجد أن موسكو ومنذ عام 2015 كانت أكثر حزمًا في استهداف حصة أكبر من سوق النفط والغاز السورية، و دخلت شركات روسية وعلى رأسها “غازبروم” للاستثمار بالقطاع . وحتى الآن، تمكنت موسكو من الوصول إلى موارد النفط والمعادن السورية على المدى الطويل من خلال عقود الإيجار التي تُغطي الأصول البحرية، واحتياطيات الغاز والفوسفات في حمص، والوصول إلى خطوط أنابيب النفط والغاز الحالية أو المستقبلية التي تمر عبر البلاد.

انعاكسات التنافس المتزايد بين طهران وموسكو طفت على سطح  الأحداث  , فى مارس الماضى, حين اصطدم النظام بواقع انقسامه داخليا إلى  معسكرين أحدهما بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس ، وقائد الفرقة المدرعة الرابعة للجيش ، والذى يعد رجل إيران فى سوريا ويعتقد أن ولائه بكامل فرقته لطهران و تهدف من خلاله إلى تشكيل مليشيات إضافية لإرساء جذورها على المدى الطويل وتعزيز تحركاتها لبناء ممر نفوذ عبر العراق وسورية إلى لبنان.والثانى حلف الداعمين للكرملين  بقيادة وزير الدفاع علي عبد الله أيوب وسهيل الحسن قائد ميليشيا “قوات النمر” . وقد ظهرهذا الانقسام بجلاء تام عقب قرار الأسد بمنح إدارة ميناء اللاذقية لإيران  مما أثار استياء الروس والتى رأت أنه يمس مصالحه  وهوما انعكس فى التهديد  بمطالبة الأسد بسداد ديون الحرب السورية ، والتى تقترب من نحو  من 10 مليارات دولار إذا ماسمح لطهران بإدراة الميناء

ولعل هذا مادفع النظام حينها, لتحقيق قدر من التوازن بين طموحات داعميه , إذ كشفت الأنباء المتداولة عن صفقة محتملة تستحوذ موسكو بموجبها على ميناء طرطوس لمدة تصل إلى نحو نصف قرن   وأشارت مصادر إلى أن تأجير ميناء طرطوس في الأصل كان من نصيب إيران، التي تفوق ديونها على نظام بشار الأسد 20 مليار دولار.والتى طلبت من نظام بشار تأجير الميناء 49 عاما، ووافق الأسد، ولكن الروس قطعوا الطريق عليها. وطلبوا تحويل العقد لهم بدلا من إيران

المتغير الراهن والمتمثل فى غياب سليمانى من شأنه أن يمنح الأسد فرصة  الاستدارة الكاملة نحو موسكو لرأب الصدع الدمشقى وتحجيم النفوذ الإيراني , وبالوقت ذاته يفتح الباب للاستفادة من المساهمات المالية والاقتصادية المحتملة من الجهات الدولية الفاعلة فى مشروعات إعادة الإعمار.

انحراف الأسد نحو موسكو يؤشر إلى أن النظام السوري قد أعاد ترتيب أوراقه  مجدداً على النحو الذى يتيح له أن يكون جزءاً من المعادلة الجيوسياسية  في الشرق الأوسط  , وهى الخطوة التى  قد تحظى بتأييد دولى وإقليمي لاسيما مع قلق دول التحالف والولايات المتحدة من سيطرة  إيران وقد تمهد الطريق لإذابة بعض الجليد بين دمشق ومحيطها العربى .

بيد أن ثمة مخاوف من أن تدفع لبنان الثمن الباهظ لبقاء الأسد والذى قد يعمد إلى استعادة نفوذه هناك  لتعزيز شرعيته السياسية، استناداً إلى فرضية أن التموضع بالداخل اللبنانى يعد أمراً ضروريا لتثبيت دعائم  النظام داخل سوريا وذلك وفقاً للمبدأ الذى ساد على نطاق واسع إبان دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976   ، وقد تطورت تلك النظرية خلال الأزمة السورية الراهنة  إلى حد بلغ اعتبار لبنان جزءًا من “سوريا المحررة”، وأن الأسد  قد يغض الطرف عن خسارة بعض أجزاء من سوريا كما حدث بقضية الجولان  لكنه لن يتخلى عن أطماعه  فى لبنان وهو ما انعكس فى التلميحات المتكررة  لـ”حسن نصر الله” بأن مصلحة لبنان تتطلب وجود علاقات وثيقة مع النظام السوري، وأن الحزب هو الضامن لعدم عودة الوصاية السورية إلى لبنان، بهدف إزالة مخاوف اللبنانيين من إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

دوافع  الأسد لاستعادة نفوذه فى لبنان  تغذيها روافد عدة لعل أبرزها كسر العزلة والتى لاتزال قائمة  نوعاً ما حتى اللحظة الراهنة فضلاَ عن احتياجه إلى الدعم العسكري والإعلامي من القوى السياسية المساندة له في لبنان.يضاف إلى ذلك أنه حال تمكن النظام السورى من السيطرة على لبنان فإن ذلك بدوره قد يجعله أكثر قدرة على إدارة بعض الملفات التي تُعد لبنان طرفًا أصيلاً بها على غرار اللاجئين السوريين، وإعادة الإعمار

هشاشة الوضع الداخلى فضلاً عن التفاهمات الدولية والأقليمية على ألا يكون لبنان  خالياً  من النفوذ السوري قد تعزز من فرص نظام الأسد  المحدودة للسيطرة واستعادة نفوذه ومن ثم عودة الوصاية السورية مرة أخرى

السؤال الآن  : هل ساسة لبنان مستعدون لتحمل مسؤولية ومخاطر احتمالات العودة السورية؟ .. الإجابة يمكن استنباطها بسهولة  من خلال المشهد الاحتجاجى و خبرة اللبنانيين وماعانوه طلية ثلاثة عقود جراء  تدخلات النظام السورى..فالرهان هنا لايزال معقوداً على الشارع وإن غض فرقاء السياسة الطرف عن عواقب ذلك