قراءة مستقبل اليمن ما بعد الحديدة تتطلب مهارة التزلج من أعلى فوهة بركان ثائر لاسيما وأن الجماعة بارعة بحياكة “معاوز ” الغدر, فالتعقيدات السياسية والواقع الديناميكي للحرب أفرز مشهداً غائما .
فعلى الرغم من الإجماع بأن اجتياح الحديدة سيقصم ظهر الحوثيين وقد يكون بداية النهاية للشوكة التى غرستها إيران فى خاصرة الجزيرة العربية إذ أن الطريق لصنعاء يبدأ من المحافظة التي تحتضن ميناءين استراتيجيين على البحر الأحمر وسيطرة قوات التحالف والتى باتت شبه محسومة قد تقلب موازين القوى غير أن الطريق نحو السيناريوهات المحتملة لمستقبل اليمن فى مرحلة ما بعد التحرير من قبضة الحوثى ليس مفروشاً بالرمال .
التحركات العسكرية صوب الحديدة جاءت متأخرة رغم أنها كانت ملحة منذ بداية عاصفة الحزم فى 2015 نظراً للأهمية العسكرية والاقتصادية للمدينة الساحلية. إذ أن واشنطن ومنظمات الأمم المتحدة وعلى مدار ثلاث سنوات, كانت تقف بقوة فى في وجه أي قرار من جانب التحالف بخوض عمليات عسكرية من شأنها إغلاق الميناء الأمر الذى قد ينذر بعواقب إنسانية وخيمة حيث يعتمد عليه ملايين فى توفير السلع .
لكن الانسحاب من الاتفاق النووي أدخل الحديدة في قلب العاصفة ومهد الطريق أمام قوات التحالف لانتزاع ضوء أخضر من المجتمع الدولي لبدء المعركة المنتظرة عقب تهديد الحوثيين للملاحة الدولية باستهداف سفن التجارة وناقلات النفط في البحر الأحمر, إذ عدت الولايات المتحدة معركة النصر الذهبي أحد الأدوات التى ستخدمها بالتعاون مع التحالف الدولي لتقويض سلطات إيران وقضم أظافرها المنغرسة فى 4 عواصم عربية ويشكل ميناء الحديدة والصليف أحد نقاط قوة الجماعة الحوثية فمن خلالها تستقبل المليشيا الأسلحة من إيران ومن الأسواق الدولية و في مقدمتها ” الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تنتجها والتي تطلقها الجماعة باتجاه السعودية ، وتستهدف بوارج التحالف العربي, كما يتم استخدامهما فى تنفيذ أجندة طهران بتهديد الملاحة الدولية لذا فإن دحر القوات الحوثىة وطردها من الميناء والمدينة بمثابة إغلاق للحدود البحرية لليمن أمام إيران ولن يظل بإمكانهم إرسال أسلحة ثقيلة إلى الحوثيين المتحصنين في منطقة ليس لها منافذ بحرية ,
تحول المحافظة الساحلية إلى مسرح للعمليات العسكرية قد يكون خط النهاية للحرب إذ ما وضعنا فى الاعتبار أن حسم المعركة لصالح التحالف العربى سيضعف قوة الحوثى ويعبد الطريق نحو تحرير محافظات متاخمة لها من بينها “ريمة” و”المحويت”و”حجة , فمن الناحية السياسية يضمن سيطرة التحالف على المحافظة قطع كافة الإمدادات العسكرية للمليشيا القادمة الى تعز من الجهة الغربية، كما سيتيح تنظيف الساحل الغربي من البحر الأحمر والساحل اليمني وإغلاقه بشكل نهائي أمام أنصار الله والذين سارعوا فى مد نفوذهم إليه إبان استيلائهم على صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) 2014 . فضلاً عن أن السيطرة على الميناء ستجفف مصدراً هاما من مصادر تمويل المليشيا والتي طالما اعتمدت على الحركة به لجمع الضرائب واستخدامها فى عملياتها العسكرية, هذا إلى جانب كون الميناء قد سمح لهم باستخدام المواد الغذائية والوقود الذى يتم استيرادهما من خلاله كورقة ضغط على المدنيين للإذعان لمطالب الجماعة حيث تمر عبره اكثر من تسعين بالمائة من المساعدات والمعونات التي تشرف عليها منظمات الأمم المتحدة.
الخطوة المتأخرة أو العرض الذي تقدم به عبد الملك الحوثى لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث و يقضى بأن يقبل أنصار الله بإشراف الأمم المتحدة على إيرادات الميناء ربما يكون حيلة جديدة من زعيم الحوثيين لتفادى الهزيمة المرتقبة وبذات الوقت محاولة لاستبقاء سيطرتهم على الميناء تحت مظلة أممية لكنه فى كل الأحوال يظل نتيجة طبيعية للضغط العسكري تعكس حالة الارتباك والفوضى في صفوف الحوثيين وتشي بأن تحرير الحديدة بات مسألة وقت .
وتتبلور سيناريوهات مستقبل اليمن في عدة أطروحات الأولى: التسوية السياسية إذ تراهن قوات التحالف على أن الاستيلاء على الميناء سوف يجبر الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لكن واقع الأحداث يؤشر إلى أن التوافق السياسي أشبه بالتعلق بحبال الوهم , فرغم كل المساعي والمبادرات السياسية التي بذلت لإنقاذ ما تبقى من اليمن وتمثلت في مؤتمر الرياض في مايو 2015 ومؤتمر جنيف في يونيو من نفس العام وجولات مسقط وغيرها إلا أن الحوثيين أسدلوا الستار عليها جميعاً بإعلانهم أنهم لن يقبلوا حلا سياسيا يتضمن وجود الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي”. فالحلول السياسية باتت نوعا من الترقيع
ويفترض السيناريو الثاني القبول بتسوية سياسية تبقي الحوثيين قوة عسكرية، وهو ما يعد استدعاء لاتفاق الطائف (1989م) بين الفصائل اللبنانية والذي سمح ببقاء سلاح حزب الله، تستمد هذه الفرضية وجودها من عدة نقاط تتمثل في أن كل المبادرات التى طرحت تؤكد انه لاحل من دون الجلوس معهم , فالجماعة لن تخرج مجددا من المشهد اليمنى كما أن تاريخ الحركة الحوثية لم يشهد أي تنازلات سياسية أو عسكرية إلا بالقوة . لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر جمة على أمن الخليج والمنطقة .فبقاء التنظيم بسلاحه حتى لو استطاعت السعودية أن تأمن جانبهم وتحصل على ضمانات دولية , يحوله إلى حزب يعطيهم الثلث المعطل كما حدث مع حزب الله فى لبنان . عندها يكون القبول بإيران كجار جنوبي للمملكة أمر حتمي . وستتحول المنطقة إلى مسرح للنعرات الطائفية يضج بالصراعات والفتن .
هذا الخيار أبعد ما يكون عن الذهن السعودي بالمرحلة الراهنة فالمملكة لن تسمح بتمدد إيراني – حوثى مسلح عند حدودها الجنوبية يكتمل به الطوق الذي تسعى طهران لإغلاقه حول خاصرة الجزيرة العربية ويسهل عليها الانطلاق إلى الحدود الخليجية المتاخمة. . والسعودية لن ترمى أمنها القومى بحجارة من “سجيل ” لتكون المفاوضات المقبلة مع “قاسم سليمانى . كما أن انسحاب الحوثيين من ميناء ومدينة الحديدة ربما يتضمن حمل أسلحتهم الثقيلة معهم. وبالرغم من أن ذلك قد يكون ضربة رمزية للجماعة لكنه بالوقت نفسه سوف يمكنهم من إعادة نشر القوات على خطوط المواجهة الأخرى
طول أمد الحرب أحد المسارات المتوقعة لمستقبل اليمن ففى حالة عدم حدوث توافق سياسي ، فإن ذلك يعنى استمرار أمد الحبر ى الحديدة لبضعة أشهر فالحسم لن يكون سريعاً إذ أن أمام التحالف مساران مباشران إلى الميناء: الأول من المطار عبر أحياء سكنية وفى ظل الخنادق التى أنشئها الحوثيون وحرب الشوارع سنصبح أمام نموذج مشابه لم تشهده تعز، أما المسار الثاني فيتمثل فى الإنزال البحري الأمر الذى قد يجعل قواته عرضة لصواريخ الحوثيين وألغامهم. ستتحرر الحديدة لكن الوضع يتطلب مزيدا ًمن الوقت ومن تكلفة الأعمار و تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية
هنا لابد من الإقرار بحقيقة هامة مفادها أن الحوثيين يحظون ببعض نقاط القوة داخل المعقل الذي يسيطرون عليه بصنعاء مع غياب قوى الشرعية عن الساحة السياسية بالعاصمة فضلاً عن الطبيعة الجبلية للمنطقة التي تجعل من الصعب دخول أي جيش نظامي ناهيك عن أن قبائل الطوق التي تتحكم بصنعاء ما زالت موالية لأنصار الله لذلك ليس أمام قوات التحالف سوى خيار مواصلة العملية العسكرية حتى تسفر الأيام عن حل سياسي .









اضف تعليق