الرئيسية » الرأي » على الاتحاد الأوروبي المنقسم أن ينهي نهجه ضيق الأفق في التعامل مع العالم
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

على الاتحاد الأوروبي المنقسم أن ينهي نهجه ضيق الأفق في التعامل مع العالم

بعد أكثر من 18 شهراً من الصراع، تطور الوضع في أوكرانيا إلى الشغل الشاغل للاتحاد الأوروبي. لقد أشعلت هذه الأزمة المستمرة مناقشات ساخنة داخل أروقة السلطة في الكتلة، مما أدى إلى إحياء المناقشات حول المسار الأمثل للعمل. وتدور المداولات الأولية حول نهجين متناقضين: الدعوة إلى إجراء مفاوضات دبلوماسية مع روسيا، وتكرار نهج الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والضغط من أجل تعزيز القدرات العسكرية لأوكرانيا لمواجهة موقف موسكو العدواني والبدء في هزيمة روسيا كهدف وحل بديل.

 

ومع ذلك، فإن التركيز المستمر على دعم أوكرانيا أثار درجة من عدم الرضا على الجبهة الداخلية. وقد بدأ العديد من الأوروبيين، الذين يعانون بالفعل من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع التضخم، في التعبير عن شكوكهم بشأن تخصيص الموارد ورأس المال السياسي للصراع. بيد أن الانقسامات بين السياسيين لا تساعد في تحديد أهداف قابلة للتحقيق.

 

ومن الغريب أن أزمة المهاجرين الأخيرة كانت بمثابة نداء تنبيه للاتحاد الأوروبي، مما سلط الضوء على الحاجة إلى الحفاظ على نهج متعدد الأوجه في التعامل مع الشؤون العالمية. ورغم أن الصراع الأوكراني يتطلب الاهتمام، فمن الضروري أن يظل الاتحاد الأوروبي منتبهاً للأحداث في منطقة أبعد. إن الساحة العالمية مليئة بالقضايا المعقدة التي لا يمكن إهمالها، ويجب على بروكسل أن توازن بين التزامها تجاه أوكرانيا ومشاركة أوسع في مواجهة التحديات الدولية.

 

ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ في الاعتبار المشهد الجيوسياسي الأوسع والتداعيات المحتملة على مصالحه، بما في ذلك في ساحته الخلفية. أحد المخاوف الملحة هو تطور الوضع في ليبيا. لقد كانت هذه قضية رئيسية بالنسبة لأوروبا سواء من حيث الطاقة أو وضع المهاجرين. وهنا، أكثر من أي مكان آخر، كان الافتقار إلى سياسة أوروبية واضحة هو الذي يشجع الصراع على الاستمرار. علاوة على ذلك، إذا استمرت الدول الأعضاء في معارضة بعضها البعض، فهذه هي الطريقة الأفضل لدعوة الصراع إلى النمو والتأثير على أوروبا بشكل أكبر.

 

عندما نحول انتباهنا إلى التحليل الذي يقدمه الخبراء على التلفزيون الفرنسي، والذين يسلطون الضوء على نفوذ روسيا المتضائل في أراضيها السابقة بسبب تورطها في الصراع الأوكراني، يصبح بوسعنا أن نقارن موقف الاتحاد الأوروبي في أفريقيا ومناطق أخرى. إن حالات الاضطرابات السياسية والانقلابات في أفريقيا تعمل على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للقارة، مما يؤدي تدريجياً إلى تهميش فرنسا، وبالتالي أوروبا. ويشكل هذا التحول تذكيراً صارخاً بأن اتجاهات مماثلة تتكشف في مختلف أنحاء أفريقيا وخارجها، حيث تؤدي الصراعات داخل أوروبا إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، وهو ما سيؤثر بدوره على أوروبا بالتأكيد.

 

ويبرز الصراع بين أرمينيا وأذربيجان أيضًا كنقطة محورية للاختلاف والخلاف بين الدول الأوروبية. تحمل هذه القضية آثارًا عميقة على استقرار القارة وتتيح فرصًا في الوقت نفسه. ولذلك فمن الضروري أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات حاسمة، وأن يدعو بنشاط إلى حل سلمي لهذه المواجهة الإقليمية، في حين يسعى في الوقت نفسه إلى قطع العلاقات العسكرية التي تربط أرمينيا وإيران.

ويمتد الدور المحوري الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في هذا السيناريو إلى ما هو أبعد من عالم الدبلوماسية؛ بل يمتد أيضًا إلى المخاوف الإنسانية. ويلوح في الأفق شبح نزوح السكان بشكل ينذر بالسوء ــ وهي النتيجة التي قد تتحول إلى مشكلة كبيرة مع ضعف قبضة روسيا على مجال نفوذها.حيث لا تترك المساحات فارغة أبدًا. ودون بذل جهود متضافرة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذا الصراع وتمهيد الطريق للمصالحة، يمكن أن تكون التداعيات وخيمة بالفعل، بينما تمثل أيضًا فرصة ضائعة لتعزيز قدر أكبر من الاستقرار وطرق التجارة المترابطة.

 

وهناك منطقة أخرى ينبغي لأوروبا أن تركز عليها وهي القطب الشمالي. بسبب مواردها الهائلة غير المستغلة، والتي تشمل النفط والغاز والمعادن ومصائد الأسماك، برز القطب الشمالي كنقطة ساخنة للصراع الجيوسياسي. وتفتح طرق شحن جديدة نتيجة لذوبان الجليد الناجم عن تغير المناخ، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على التجارة العالمية. ومع تنافس الدول الكبرى على النفوذ والوصول إلى هذه الموارد وطرق التجارة، فإن هذا يشكل تهديدات جيوسياسية. إن الأمن في أوروبا مهدد بشكل مباشر بسبب احتمال نشوب صراعات إقليمية وتهديدات عسكرية في القطب الشمالي.

 

إن الاهتمام الأوروبي ليس مطلوباً فقط للحد من المخاطر الأمنية والعسكرية، بل ينبغي له أيضاً أن يلعب دوراً نشطاً فيما أصبح يشكل محاور جديدة للقوى الإقليمية والمتوسطة. وهذا ينطبق على منطقة الشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي بشكل خاص. وهناك، نلاحظ أن مجلس التعاون الخليجي قد برز كحلقة وصل محورية للخدمات اللوجستية العالمية، وتجارة الطاقة، والتدفقات الاقتصادية، والنفوذ السياسي الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. من المثير للدهشة، أنه على الرغم من قربها وأهميتها من مصالح الاتحاد الأوروبي، تجد الكتلة نفسها في دور سلبي، حيث تراقب هذه التطورات التحويلية من الخطوط الجانبية بدلاً من القيام بدور قوي ونشط في تطوير ممرات المستقبل هذه. وهذا يجب أن يتغير، وبسرعة.

 

لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن “عدسة” الاتحاد الأوروبي الحصرية بشأن أوكرانيا تجعله غافلاً عن التغييرات التي تحدث في بقية العالم، وتضعه في موقف غير مستقر ويعني أنه معرض لخطر تفويت أعظم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في هذا العالم. كما أدت هذه الرؤية النفقية إلى حجب تحديات الطاقة التي تلوح في الأفق والتي يواجهها الاتحاد الأوروبي.

 

وعلى الرغم من المخاطر المتزايدة التي تفرضها هذه التحديات، فقد كان هناك الكثير من الانقسامات، مما أدى إلى غياب سياسة دولية شاملة. لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يكتفي بصياغة أهداف واضحة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، بل يتعين عليه أيضاً أن يظل منتبهاً للتحولات الزلزالية التي تحدث على الساحة العالمية، والتي تخلف عواقب بعيدة المدى على استقراره وازدهاره في المستقبل.