ترتسم في الأفق ملامح علاقة جديدة بين واشنطن وأوروبا سمتها التوتر إثر تـأكيد القوى الخمس الكبرى الموقعة على الاتفاق النووي (روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) حق طهران في تصدير نفطها وفي أن تستمر طرفا في التجارة الدولية رغم التهديدات الأمريكية بإعادة فرض عقوبات عليها.
البراجماتية الاقتصادية سيدة الموقف الأوروبي فالمساعي الحثيثة لإنقاذ الاتفاق النووي مع طهران رغم الصعوبات هدفها بالمقام الأول إنقاذ الصفقات التي وقّعوها معها والتي ساهمت برفع إجمالي الصادرات الأوروبية إلى إيران إلى 12.9 مليار دولار في عام 2017. وحال عجز دول الاتحاد الأوروبي عن تلافى انهيار الاتفاق فإن ذلك سوف يشكل مكسبا قويا لروسيا والصين ودول أخرى، حيث ستحل شركاتها محل الشركات الأوروبية المنسحبة من عقود الاستثمار في إيران لاسيّما في مجال الطاقة فضلاً عن أن إعادة فرض العقوبات على إيران سيمكن الولايات المتحدة من فرض نفسها كشرطي وحيد للاقتصاد العالمي، الأمر الذي ترفضه أوروبا وترى أنه يتناقض تماماً مع مصالحها الاقتصادية والتجارية.
إصرار أوروبا، على تحدي الولايات المتحدة بإنقاذ الاتفاق النووي يضعها قيد اختبار صعب يضعف من قدراتها على التوصل لاتفاق جديد في ظل تصميم واشنطن على تنفيذ العقوبات وعدم تبنى الدول الأوربية لاستراتيجيه موحدة بشأنه ,فضلاً عن كونه يأتي في وقت أضحت به العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا تتعرض بالفعل لضغوط بسبب التعاريف الجمركية التي وردّت أوروبا عليها بإجراءات مماثلة واتهام البيت الأبيض لألمانيا بالتلاعب باليورو، إضافة إلى مبادرته لتحسين العلاقات مع الرئيس فلادميير بوتين والتى تضع دول الاتحاد الأوروبي فى مواجهة العديد من التحديات التى يمكن أن تتوصل إليها تلك القمة الأمريكية- الروسية.
كما يتزامن مع استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمواجهة حلفاء الولايات المتحدة في قمة حلف شمال الأطلسي هذا الشهر الأمر الذي يثير مخاوف من تكرار مشهد الخلافات والجدل الذي ظهر في قمة مجموعة الدول السبع في الشهر الماضي، والتى تجسدت في صورة للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل وهي تحدق بترامب بطريقة توحي بالشعور بالإحباط.
لاسيما مع جود ترجيحات بأن الرئيس الأمريكى سيكرر الشكوى مرة أخرى من أن الدول الأخرى في الحلف لا تنفق ما يكفى من الأموال على الدفاع بطريقة توحي بان حلف شمال الأطلسي مجرد صفقة سيئة للولايات المتحدة.
المطالب الأوربية بمنح المشاركين المزيد من الوقت لاسيما وأن الموجة الأولى من العقوبات الأميركية ستبدأ في شهر أغسطس وبالتالي يصعب على الاتحاد وضع حزمة اقتصادية لإيران لإنقاذ الاتفاق النووي بحلول الشهر المقبل. أثارت غضب طهران ومخاوفها بذات الوقت , الأمر الذي دفع الرئيس حسن روحانى للمطالبة بترجمتها إلى خطوات عملية و للتعبير عن يأسه من أوروبا في اتصال هاتفي جمعه مع كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي، ماكرون.
مطالبات روحانى عدها مراقبون بالون اختبار للجانب الأوروبي رغم إقرار المجتمعين بالحفاظ والإبقاء على قنوات مالية فاعلة مع طهران ، واستمرار عمليات التبادل بحرا وبرا وجوا وعبر السكك الحديد، وتطوير تغطية الائتمان عند التصدير، وتقديم دعم واضح وفاعل للمشغلين الاقتصاديين وتشجيع الاستثمارات الجديدة ، وحماية المشغلين الاقتصاديين لجهة استثماراتهم وأنشطتهم المالية في إيران .
الشكوك الإيرانية انعكست في التصريحات المتطايرة من طهران والتي أشارت إلى أن اجتماع فيينا لم يخرج بنتائج عملية وملموسة واعتبر التيار المتشددة أن أوروبا تتلاعب بإيران، وتشتري الوقت ليس إلا من أجل مصالحها، ، وتنتظر ماذا سيقرر ترامب بعد بدء العقوبات على إيران في أغسطس. ورجح النائب في البرلمان الإيراني عبد الحميد خدري تخلى الأوربيين عن إيران قائلاً “سرعان ما سنشهد انسحاب الأوروبيين من الاتفاق النووي، لأن هذه الدول لديها علاقات تجارية واقتصادية متينة مع الولايات المتحدة. لافتاً إلى أن بلاده لم تكن ترى الخير في إجراء مفاوضات مع الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية منذ انطلاقتها، وعمليا أثبتت هذه الدول، عدم رغبتها في الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة”.
مواقف ترامب تجاه أوروبا، وإن كانت نابعة من رغبته فى إعطاء الأولوية المطلقة لمصالح بلاده تنفيذا لشعاره الانتخابي “أمريكا أولا” غير أنها فى كل الأحوال لن تصل حد وصفها بالحرب ، إذ يمكن اعتبارها توتراً عارضاً يسهل احتواؤه، فبالرغم من تعدد ملفات الأزمات بينهما غير أن تضييق الفجوة مع واشنطن من جانب بعض القادة الأوروبيين قد يأتي على وقع إدراكهم عمق الأزمة الداخلية فئ الاتحاد الأوروبي، وصعوبة الخيارات الأوروبية إذا هم قطعوا تحالفهم مع الولايات المتحدة
فضلاً عن أنه عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووى فهناك نقطة ضعف أساسية تعرقل قدرة أوروبا على الالتزام، تتعلق بعيوب تصميم اليورو، والعقوبات الثانوية لا تستمد قوتها فقط من جاذبية السوق الأميركية، بل بسبب القوة التي تأتي من الدولار كونه عملة الاحتياط العالمية، حيث يشكل اليورو حاليا ما يقارب 20% من احتياطيات العملات الأجنبية على مستوى العالم، مقارنة بما يقارب 65% بالنسبة إلى الدولار. وهذا ما سيدفع القادة الأوروبيون إلى تخفيف حدة النزاع عن طريق استرضاء ترامب
لذلك تبدو المخاوف الإيرانية من حدوث تبدلات بالموقف الأوروبي واقعية ,إذ أن جميع هذه الالتزامات قد تذهب أدراج الرياح خاصة وأن العلاقات الأوروبية – الأمريكية تفوق بكثير علاقات الأولى مع طهران ففي حال التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الشركات الأوروبية قد ينقلب المشهد رأساً على عقب . ومع أن هذا الطرح قد يكون مستبعداً بالفترة الراهنة غير أن الدول الأوروبية فى كل الأحوال إذا ما خيرت بين الولايات المتحدة وإيران فان كفة ترامب سترجح بكل تأكيد .









اضف تعليق