الرئيسية » تقارير ودراسات » عن سنّة هم عتاة أعداء السنّة
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

عن سنّة هم عتاة أعداء السنّة

ألقى الشيخ حسن مرعب، المفتّش العام المساعد لدار الفتوى في الجمهوريّة اللبنانيّة خطابا قبل أيّام لا يمكن وصفه بغير المعادي للبنان(Anti-Lebanese). قال مرعب، بالحرف:”من يقول لبنان فقط قضيّتي خسئت، بل فلسطين قضيّتي، وسوريا قضيّتي، وكلّ بلد فيه مسلم فهو أخي وقضيّتي”. أضاف: “ما يصيب مسلما بالصين يصيبنا، نحن هنا في لبنان…بلاد الاسلام كلّها بلاد واحدة. لا فرق بسبب الحدود التي جعلها المستعمر وقسّمنا ليجعلنا بلدان وجنسيّات. نحن أمّة واحدة، وخير أمّة أخرجت للناس”. يعيد خطاب مرعب تظهير اثنين بشكل فجّ: أوّلا، استحالة المصالحة بين منطق الهويّة العابرة للحدود، ومنطق الوطنيّة التي تفترض وضع الرابط المحلّي فوق الروابط الأخرى، ومصلحة الدولة (National Interest) فوق الانتماء للأمّة الدينيّة؛ وثانيا، منطق الفوقيّة الدينيّة والأخلاقيّة الذي تستبطنه مقولة “خير أمّة أخرجت للناس” التي تقسم البشريّة بشكل صريح الى أناس “فوق”، وأناس “تحت”، على أن يكون الفاصل بين الفسطاطين الانتماء للاسلام، أو عدمه. لا ضرورة لكثير خيال لفهم أيّ مشاعر يثيرها هذا المنطق بين المسيحيّين اللبنانيّين، وقد تداول نشطاؤهم بكثافة خطاب مرعب بالأيّام الأخيرة.

ليس مرعب النقزة الوحيدة مؤخّرا. بالحقيقة، النقزات تتوالى منذ هجومات 7 اكتوبر بغزّة. رفع صور أبو عبيدة “الناطق باسم الأمّة” نقزة. وظهور قوّات الفجر على الساحة، وهي الجناح العسكري للجماعة الاسلاميّة، الى العلن نقزة، لاسيّما أنّ الجيش الباسل يتفرّج على تفريخ القوى المسلّحة غير الشرعيّة دون أن يتحرّك، “كي لا ينقسم”، كما يقال لنا بدل المرّة ألف. وخطابات النائب السابق الأصولي خالد الضاهر الذي دعا السنّة “للتأهّب”، وحيّا دعم ايران المفترض لفلسطين، نقزة. خطبة عيد الأضحى لأمين الفتوى في الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ أمين الكردي المخصّصة لفلسطين، والتي ربط فيها الموقف من أحداث فلسطين بالايمان الديني، نقزة بدورها – اذ كيف يمكن لنا أن نحلم يوما بحياد بلادنا ان كان مؤسّساته الدينيّة تفتي بربط توجّهاته الخارجيّة بالايمان الديني؟ باختصار، في المشهد السنّي اللاحق ل7 اكتوبر ما يثير القلق، لأنّه يوحي أنّ العلاقة المسيحيّة – السنيّة عادت الى نقطة الصفر ما قبل 1975: مسيحيّون يريدون الحياد / مسلمون سنّة يريدون فلسطين.

لماذا أقول انّ السنّة الذين يدفعون السنّة الى تبنّي قضيّة فلسطين–على حساب التفاهم المسيحي/السنّي الذي رسخّته 14 آذار، والحزن المشترك على استشهاد الرئيس الحريري، والسنوات الصعبة التي تلت 2005– هم بالحقيقة عتاة أعداء السنّة؟ ببساطة، لأنّ هذا المنطق يعيد احياء الشرخ الأوّل المؤسّس للحرب اللبنانيّة، ويبعد السنّة عن المسيحيّين، ويدفعهم باتّجاه المحور الذي أوغل بدمائهم بالعراق، وسوريا، ولبنان، أي بطول المشرق وعرضه، عنيت المحور الايراني. بمعنى آخر، يدفع مرعب، والجماعة، والضاهر، وسواهم، السنّة بعيدا عن من هو قادر، وراغب، بالتفاهم معهم، ويدفعهم صوب من لم يفعل مرّة غير استخدام قضيّة فلسطين وظيفيّا لسحقهم.

المشكلة أن حتّى الأصوات السنيّة التي لم يعرف عنها حماستها “الفلسطينيّة”، واقعة بوهم آخر، يكاد يكون أسوأ من وهم “فلسطين”، عنيت وهم الطائف. بهاء الحريري بشّرنا منذ أيّام أنّ الطائف “هو الأساس”. ماذا يعني ذلك عمليّا؟ يعني ذلك أنّ الحريري يتوقّع من المسيحيّين أن يتابعوا مواجهتهم للمشروع الذي يحمله حزبالا بلبنان، على أمل أن تفضي النتيجة الى اعادة احياء الطائف الذي يعزّز صلاحيّات رئيس الحكومة السنّي. بأيّ منطق؟ للتذكير: أثمان القول لا لمشروع حزبالا يدفعها المسيحيّون من لحمهم ودمهم؛ رحم اللّه باسكال سليمان، والياس الحصروني، وسائر الشهداء. بأيّ منطق يتوقّع منّا بهاء الحريري، وعموم المدافعين السنّة (وغير السنّة) عن الطائف، أن ندفع هذا النوع من الأثمان وفق مسار نتيجته واحدة من اثنين: أن نخسر، فيربح المشروع الشيعي؛ أو نربح، فيكون المستفيد الحقيقي موقع رئاسة الحكومة؟

باختصار، تماما كما أنّ اعادة استحضار “فلسطين” يجعل من التفاهم المسيحي-السنيّ أضغاث أحلام، بعزّ الحاجة له، فانّ استحضار الطائف، نتاج الهزيمة المسيحيّة بالحرب، يفضي الى الأمر عينه. ليس ذلك قدرا لا مفرّ منه، لاسيّما أنّ بالطرح المسيحي المزدوج مصلحة لكلّ المكوّنات اللبنانيّة، ومنها، بل أوّلها، السنّة. ذلك أنّ الحياد، الذي يطالب بها المسيحيّون، يعني منع كلّ المحاور الاقليميّة، وأوّلها المحور الايراني، من استخدام دمائنا، وأرضنا، واقتصادنا كورقة تفاوض؛ وأمّا الفدراليّة، فالعمق السنيّ بطرابلس وعكّار أوّل المستفيدين منها لو تطبّق، علما أنّ هذا العمق هو اليوم أوّل ضحايا فشل الحكم المركزي، وقوارب الموت المنطلقة من هناك الى أوروبا تشهد. ولو يسمع السنّة لمن يريد لهم خيرا، ولو لم يكن منهم، خير من أن يسمعوا الى أصوات منهم هي بالعمق ضدّهم.

هشام بوناصيف

هشام بو ناصيف هو أستاذ مساعد في كلية كليرمونت ماكينا. وهو كاتب العديد من المقالات في المجلات الأكاديمية بما في ذلك الديمقراطية، والمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، ومجلة الشرق الأوسط، ومجلة العلوم السياسية الفصلية، ومجلة الاستراتيجيات

اضف تعليق

اضف تعليق