استغرق الأمر من رئيس الوزراء اللبناني المعين حديثاً من قبل حزب الله حسان دياب أكثر من شهر لإيقاف الرحلات الجوية من وإلى إيران رداً على الوضع الحرج بسبب كوفيد 19 . فقد تم في غضون أسبوع إلغاء الرحلات من وإلى إيطاليا ، التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الحالات بعد إيران بقترة طويلة ،. لكن كان من المستحيل اتخاذ الإجراء نفسه مع طهران.
ويعد هذا الموقف انعكاساً حقيقياً للعلاقة بين الدولة التابعة وسيدها. وعلى الرغم من أن الحكومة , اتخذت , أخيرا قرارا بإيقاف الرحلات الجوية مع إيران ، يمكن للمرء أن يتساءل من الذي سيمنع مقاتلي حزب الله أو الحرس الثوري الإسلامي من الوصول برا عبر سوريا؟ من لديه القدرة على القيام بذلك؟
لسوء الحظ ، لا يواجه الشعب اللبناني تهديدًا متعلقاً بصحته فقط بسبب الحكومة التي يسيطر عليها حزب الله. بل إن السلامة المالية للدولة وحتى مستقبلها عرضة لمخاطر شديدة . فقد تخلف لبنان عن سداد ديونه من سندات اليورو ومن المحتمل كذلك أن يعجز عن سداد جميع التزاماته المقبلة, لقد بات واضحاً الآن للجميع أن النظام المصرفي بأكمله في وضع سىء للغاية ، بدءاً من البنك المركزي ذاته .لذلك لن تكون مفاجأة أن تتعثر البنوك أيضًا وتعلن إفلاسها – وأن نرى موجة من الاندماج والتأميم والسيطرة الحكومية المشددة على القطاع. كما من المقرر أن يرى حاملو السندات اللبنانية قيمة ممتلكاتهم تنخفض أو تختبر . أخيرًا ، ستصبح عملية الخصم القسري للدين التي يتحدث عنها الجميع أمراً واقعاً , حتى لو بدأت بأصحاب الحسابات الكبيرة ،فإن تأثيراتها ستمتد إلى مختلف الفئات , ستغدو حالة عامة تماما مثل قطع الدومينو المصفوفة التى تتساقط الواحدة تلو الأخرى .
وبالرغم من وعود التغيير من قبل الحكومة الحالية ، لا ينبغي الإفراط فى التوقعات ,ومع صعوبة إعادة هيكلة الديون إلا أنها تعد الجزء السهل بأزمة لبنان . فى حين أن المعضلة الحقيقة تتمثل فى إعادة هيكلة الحكومة. فمن الناحية الواقعية , كيف يمكن للدولة أن تعمل بشكل سليم بينما الميليشيا التي تعمل بوصفها جيش يمكنها اختيار القوانين التي تطبق على أعضائها وتهديد أولئك الذين لا يخدمون مصالحها؟
إن السلطة بفروعها الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية فى قبضة حزب الله و الدولة تنزف رأس المال السيادي بسبب الفساد وسوء الإدارة. وفى حين تشير جميع الدلائل إلى أنها تتجه نحو الانهيار وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها ، من رواتب الموظفين العموميين إلى مدفوعات المعاشات التقاعدية والتزامات أخرى, فمن المرجح أن يؤدى ذلك إلى المزيد من عدم الاستقرار ويغرق البلاد في مستويات عالية من الفقر وانعدام الأمن .
إذن ، ما الذي يمكن أن يفعله أفضل الخبراء إذا كانت أي إعادة هيكلة للمؤسسات الحكومية لا يمكن أن تمضي قدماً لأنها تتعارض مع مصالح حزب الله؟ هل باستطاعتهم تغيير قطاع الكهرباء أو فرض ضوابط على الحدود؟ وكيف سيتحكمون في عملية إصدار تصاريح البناء؟ إن حزب الله ، الذي أضعف الدولة بشكل منهجي ، سيضع دائماً مصالحه الخاصة فى المقدمة ً. واليوم ، لا تستطيع الحكومة حتى أن تمارس سلطتها على الأنشطة غير القانونية التي تتم على مرأى من الجميع. لا يمكنها حتى فرض سيطرتها على كامل أراضي الدولة . بديهياً فى ضوء هذا الوضع, كيف يمكن لهذه الحكومة أن تكون قادرة على إحداث تغيير في القطاع العام ، الذي يستفيد منه الكثير ماليًا وسياسيًا ؟
مع تفاقم الوضع ، يبدو أن النظام الإيرانى بصدد تنفيذ خطة جديدة للبنان. إذ أن طهران لن تتخلى عن أفضل أدواتها الدبلوماسية والسرية فى الخارج ، المتمثلة بحزب الله. والآن بعد أن تم تأكيد سيطرته الكاملة ، فإن الخطة الإيرانية ترمى إلى تحقيق تكامل أوسع مع العراق ، الذي لا يواجه نفس العقوبات الدولية. كما يمكنها الاعتماد على سوريا في الخدمات اللوجستية. لكن التكامل العراقي سيكون أسهل ويمكن أيضا أن يساعد طهران التى تتمتع بسيطرة أقوى في بغداد مقارنة بدمشق ، فقد تنجح فى إنشاء تحالفات جديدة ، تبدأ من قطاع الطاقة ، مما يشكل إفادة نوعية لمحورها . بالمناسبة ، عندما أصر حزب الله على حقيبة وزارة الصحة العامة اللبنانية – كما فعلت الأطراف الموالية لإيران أيضًا في العراق – لم يحقق أحد في السبب والذى بات واضحاً الآن .
وفقا لذلك الترتيب ، لن يحصل لبنان على حل كامل ، إنما ما يكفي فقط للحفاظ على عمل الحكومة المحدود لمواجهة التحديات الداخلية ، بينما يواصل حزب الله تهديداته وتجهيز الطلقات إن لزم الأمر . ولن يفي لبنان بعد الآن بأي من التزاماته الدولية. فما يريده حزب الله هو الحفاظ على هذا الهيكل لأنه يمكّنه من استخدام الحكومة كدرع لجميع أنشطته. والأسوأ من ذلك أنه مستعد لتغيير النظام والسيطرة بشكل كامل على الدولة. الظلم سيكون أكثر وضوحا في الأشهر المقبلة على أي حال.
الحل البديل هو ذاته الذي يريده المتظاهرون ويتعين على لبنان أن يسعى إليه ، حيث يتطلب إصلاحًا شاملاً للسياسة و سيبدأ بتخلي حزب الله عن ترسانته العسكرية وسيطرته على المؤسسات الحكومية. هذا بالطبع مجرد أمنيات . فحتى الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي والتي يمكن أن تجلب بعض المساعدات المالية تستوجب المزيد من السيطرة على الأنشطة الحكومية – بدءًا من مراقبة الحدود – وهذا لا يتناسب واسستراتيجية حزب الله ، الذي رفض منذ البداية العمل بهذا المسار. ومع ذلك ، قد تجري مفاوضات بدعم من فرنسا لمحاولة تقليل متطلبات صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على أقل تقدير , على جزء من خطة الإنقاذ. وإذا حدث ذلك ، بمعجزة ما ، فإنه يكون قد حكم على لبنان بمزيد من المشقة وسيغرقه في الديون التي لن يستطيع الوفاء بها.
فى ظل تدهور الوضع ومعاناة الناس ، سيساعد الأصدقاء الحقيقيون للبنان بالتأكيد ، ولكن على الأرجح عبر القنوات الإنسانية وليس من خلال الحكومة. سيتم تطوير هياكل الظل المالية لدعم بعض الشركات. باختصار ، ستواصل الدولة اللبنانية تفككها. ومع ذلك ، وكما اتضح من خلال التعاطى مع أزمة كوفيد -19 ، يمكن للاحتجاجات أن تفرض التغييرالذى لايبدو مستحيلاً . لقد تم إضعاف إيران لأسباب عديدة واضحة ، ولا يزال لدى لبنان أصدقاء في الولايات المتحدة والعالم العربي. إنهم بحاجة لأن يروا سبيلاً للمضى قدما ، كما يفعل الشعب اللبناني . لقد حان الوقت لبزوغ قيادة جديدة برؤية جديدة.
الرابط الأصلى للمقال :https://www.arabnews.com/node/1640536
اضف تعليق