الرئيسية » تقارير ودراسات » قمة شرم الشيخ ..رسائل السياسة وتحديات التنفيذ
تقارير ودراسات رئيسى

قمة شرم الشيخ ..رسائل السياسة وتحديات التنفيذ

انعقدت أمس قمة شرم الشيخ وسط أجواء من الترقب الإقليمي والدولي، بعد عامين من الصراع الدموي في غزة، في محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار وفتح مسار سياسي وإنساني جديد. وبينما بدت القمة كأنها لحظة مفصلية نحو الهدوء، فإنها في واقع الأمر أقرب إلى استراحة مؤقتة وسط عاصفة ممتدة.

القمة حملت على طاولتها وعودًا كثيرة، لكنها وضعت أيضًا أمام المجتمع الدولي اختبارًا صعبًا: كيف يمكن تحويل التعهدات إلى واقع، وتجنب أن تتحول البيانات إلى مجرد حبر على ورق؟

الحضور والغياب… رسائل السياسة في مقاعد المؤتمر

اللافت في القمة كان الحضور العربي الواسع مقابل الغياب الإسرائيلي والإيراني.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يشارك رسميًا، ما اعتبره مراقبون إشارة إلى فتور في الالتزام الإسرائيلي بأي مسار تفاوضي. كما غابت إيران التي رأت في القمة اصطفافًا لا يخدم مصالحها أو حلفاءها في المنطقة.

في المقابل، حضرت مصر وقطر وتركيا وعدد من القادة العرب والأفارقة والدوليين، ما أضفى على القمة طابعًا شاملًا، وأكد رغبة جماعية في إنهاء دوامة العنف وفتح أفق سياسي أكثر توازنًا.

البنود المعلنة… ما تحقق وما ظل عالقًا

أعلنت القمة التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة يشمل وقف إطلاق النار، وتبادل عدد محدود من الأسرى، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
غير أن البنود الأهم، مثل إعادة الإعمار، وترتيب السلطة المحلية في القطاع، ودور الفصائل الفلسطينية، ظلت غامضة ومؤجلة.

الاتفاق وُصف بأنه “إطار تفاهم” أكثر منه اتفاقًا نهائيًا، إذ لم تُحدد فيه بعد آليات التنفيذ أو الجهات الضامنة، ما يثير تساؤلات حول مدى صلابته أمام أي تصعيد ميداني مفاجئ.

التحديات أمام التنفيذ

التحديات التي تواجه تنفيذ مقررات قمة شرم الشيخ متعددة ومعقدة:

الالتزام الإسرائيلي: يبقى موضع الشك الأكبر، خاصة في ظل استمرار بعض العمليات المحدودة في غزة.

موقف الفصائل الفلسطينية: وعلى رأسها حماس، التي تراقب بحذر ما يُطرح في المؤتمرات دون مشاركة فعلية.

غياب آلية رقابية واضحة: فالاتفاق يحتاج إلى جهة مستقلة تتابع التنفيذ وتضمن عدم خرق البنود.

الأوضاع الإنسانية والاقتصادية: فإعادة الإعمار لا يمكن فصلها عن إعادة الحياة إلى طبيعتها في القطاع.

الضغوط الإقليمية والدولية: إذ يمكن لأي تبدل سياسي في العواصم الكبرى أن ينسف ما تم التوصل إليه.

قراءة في الموقف المصري

القاهرة حاولت عبر القمة أن تستعيد زمام المبادرة السياسية في ملف غزة، مؤكدة أن أمن المنطقة يبدأ من إنهاء العدوان وتثبيت الاستقرار.
كما حرصت على تقديم نفسها كوسيط موثوق يوازن بين ضرورات الأمن الإقليمي ومتطلبات الإنسانية، في وقت تتسابق فيه القوى الكبرى لإعادة رسم خريطة التأثير في الشرق الأوسط.

أفق ما بعد القمة… تفاؤل مشروط

القمة فتحت نافذة أمل، لكنها ما زالت مشروطة بمدى جدية الأطراف في التنفيذ. فنجاح الهدنة لا يُقاس بالتصريحات الدبلوماسية، بل بقدرة الاتفاق على منع عودة النار إلى غزة، وإطلاق عملية إعادة إعمار فعلية، وتأسيس مسار سياسي متماسك.

إذا التزمت الأطراف بما تم الاتفاق عليه، فقد تكون قمة شرم الشيخ نقطة تحول في مسار الأزمة الفلسطينية، وربما بداية لإعادة ترتيب الإقليم حول مقاربة جديدة للسلام.
أما إذا ظلت البنود حبيسة الورق، فإنها لن تتجاوز كونها هدنة جديدة في حرب طويلة لم تضع أوزارها بعد.