مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في تركيا والمزمع إجراؤها في 31 مارس المقبل ، هناك ثلاثة تطورات رئيسية جديرة بالمراقبة حيث من المرجح أن تؤثر بشكل واسع على مسار تركيا السياسي والاقتصادي بالإضافة إلى مكانتها الدولية.
استياء المستهلك
الانتخابات المحلية عادة , لا تجذب نفس المستوى من الاهتمام المحلي والدولي الذي سبق وحظي به الاستحقاق الرئاسى فى يونيو الماضي , لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم ينظر إلى تصويت مارس باعتباره سيحدد مصير تركيا ورفاهتها. إذ أدت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة والتضخم ، إلى زيادة التوتر في البلاد.و ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية بأكثر من 300-400 في المائة ، مما دفع حكومة أردوغان إلى تفويض تجار الجملة في أنقرة وإسطنبول لبيع المنتجات مباشرة للمستهلكين. الطوابير الطويلة للسكان الذين يشترون المواد الغذائية بأسعار مخفضة للغاية تذكرنا بأواخر السبعينيات ، عندما كان على الأتراك أن يصطفوا لشراء أغذية مثل الزبدة والسكر وزيت الطبخ. وتقول الحكومة إن الدولة ستواصل بيع المنتجات بالجملة حتى يتم إجراء الانتخابات المحلية.
رياح التضخم في تركيا , دفعت أردوغان إلى إصدار أوامر لسلطات الدولة بتعقب الأسعار ومعاقبة تجار التجزئة الذين يزعمون أنهم رفعوا الأسعار بشكل تعسفي. تلك القضايا شوهت سمعة حزب العدالة والتنمية والذى طالما صدر للرأى العام صورته باعتباره حزب الحكومة القدير ,فضلاً عن كونها سنجعل ثمن أرودغان بخساً .
ومع ذلك يبقى السؤال حول ما إذا كان يمكن التحكم في أسعار الغذاء ، أو حتى تخفيضها ، بحيث لا يترجم السخط العام إلى أصوات للمعارضة. لاسيما وأن خسارة البلديات في المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة سيضر بشكل لا يمكن إصلاحه صورة أردوغان ويضعف قاعدة سلطته.
مؤشرات الاقتصاد الكلي
تعتبر مؤشرات الاقتصاد الكلي في تركيا هي التطور الثاني الذي يجب مراقبته. فقد وضع انخفاض قيمة الليرة عبئاً لا مبرر له على صناعات القطاع الخاص في البلاد ، والتى يعتمد الكثير منها على الواردات . وبحلول يوليو 2019 ، سيتم استحقاق ديون أجنبية بقيمة 180 مليار دولار تقريبًا ، وهو ما يعادل ربع الناتج الاقتصادي الكامل لتركيا. ولم ينتج عن ذلك فقط أرقام قياسية من الشركات التركية التي تقدمت بطلبات لحماية من التعسر ، بل يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لضمان السيولة وطمأنة المستثمرين إلى أن تركيا يمكنها أن تحترم ديونها. الرأي الاقتصادي السائد في واشنطن والعواصم الاستثمارية الأوروبية هو أنه لم يعد من الممكن تحقيق هذه الأهداف دون تدخل دولي مباشر.
على الرغم من إصرار أردوغان على الخطابات العامة بأن تركيا لن تطلب جرعة إنقاذً آخر من صندوق النقد الدولي لكن من المرجح أن تتغير نغمته بعد انتخابات مارس ، عندما تضطر تركيا إلى التوصل إلى اتفاق بحوالى 150 مليار دولار وذلك فقط كى تحافظ على وجودها فى دائرة الضوء , و إذا حدث هذا ، فإن صندوق النقد الدولي سوف يقرض تركيا تقريباً ضعف ما منحه للأرجنتين لدعم اقتصادها. وسيكون من مصلحة البنوك الأوروبية والولايات المتحدة أن تزود أنقرة بالتمويل اللازم لتهدئة المخاوف من حدوث عدوى كساد ، ، حيث قام الدائنون في تركيا بإقراضهم بسخاء وسيضطرون إلى طمأنة المستثمرين من أن الديون الحالية سوف يتم الوفاء بها. هناك أيضا مسألة المشروطية, إذا طُلب من صندوق النقد الدولي إنقاذ تركيا ، فما هي مستويات مساءلة الحكومة ، الشفافية ، ومكافحة الفساد ، وتدابير التقشف التى قد يطلبها في المقابل؟ من الصعب تصور أن أردوغان شروط كهذه او حتى بعضها في ظل حكومة غامضة لا تخضع للمساءلة ومحاطة بالفساد.
العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران
تفاعل تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران لاينفصل عن مخاوفها الاقتصادية الداخلية. فمنذ أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستغادر سوريا ، كان أردوغان حريصاً على إقناع روسيا وإيران بالحاجة إلى إنشاء منطقة آمنة تهدف إلى تقويض ومنع الكيان السوري الكردي . في سوتشي، الأسبوع الماضي التقى اردوغان والرئيس الايراني حسن روحاني لاجراء محادثات حول سوريا، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،شرطاً واضحاً مفاده أن أي طلب التركي لإقامة منطقة آمنة في سورية يتطلب موافقة الحكومة السورية.عند هذه النقطة ،فإن روسيا وإيران هى المعنية بشكل رئيسي بالقضاء على التحديات التي تواجه قدرة الحكومة السورية على فرض سيادتها في جميع أنحاء البلاد وإذا كان أردوغان سيشارك في إعادة إعمار سوريا وسيكون قادراً على إجراء التجارة الحدودية ، فسوف يضطر قريباً إلى حل خلافه مع الرئيس السوري بشار الأسد.
يواصل أردوغان التعامل مع الجليد الرقيق عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة ، ويمكن لإدارة ترامب أن تفرض إجراءات مهمة قد تؤدي إلى تفاقم التدهور الاقتصادي في تركيا. ويظهر دعم أردوغان للحكومة المريضة للرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا من خلال الحجم الكبير من الذهب الفنزويلي الذي تشتريه تركيا. ويشعر مراقبو أنقرة بالقلق من إمكانية استخدام هذا الذهب مرة أخرى لشراء النفط الإيراني وخرق العقوبات الأمريكية. إذا حدث هذا ، فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن واشنطن قد تجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة لأردوغان من خلال حجب تمويل صندوق النقد الدولي أو فرض عقوبات قاسية ، ضمن إجراءات أخرى محتملة.
تبدو انقرة وقد أثقلتها الخيارات مع اقتراب استحقاق مارس ,وذلك على الرغم من الصورة المغايرة التى يحاول أردوغان الترويج لها عبر الخطابات العامة . لذا يتعين على أردوغان وحكومته التعاون مع الولايات المتحدة في عدد من القضايا لعل أهمها التخلي عن صفقة الدفاع الصاروخي S-400 مع روسيا. والافراج عن الاميركيين الذين يحتجزهم حاليا. كل واحدة من هذه القضايا سوف يتعين مواجهتها في نهاية المطاف ومن المنطقي لتركيا أن تحلها الآن قبل أن يتم التلويح بها أمام أردوغان كشروط يجب الوفاء قبل الحصول على أى تمويل دولى .
المصدر : سنان سيدى- مركز ستراتفور









اضف تعليق