الرئيسية » تقارير ودراسات » كيف يمكن للعالم معالجة ملفات كوريا الشمالية وإيران ؟
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

كيف يمكن للعالم معالجة ملفات كوريا الشمالية وإيران ؟

أفضى اختفاء “المرشد الأعلى”  لكوريا الشمالية كيم جونغ أون  لمدة ثلاثة أسابيع بعيداً عن وسائل الإعلام إلى سلسلة تكهنات ضخمة بشأن مكان وجوده وأسباب غيابه المفاجىء . وخلال تلك الفترة ، تواترت التقارير حول السيناريوهات المحتملة دون أي معلومات محددة , استغرق الخبراء في صياغة فرضيات للتنبؤ بخطة الخلافة حال وفاته.  لقد كفلت سرية النظام إشكاليات عدة فيما يتعلق  بمحاولات توقع المستقبل بدقة أو معرفة ما يحدث خلف الكواليس في بيونغ يانغ. وهذا , بحد ذاته  مقلق بالنسبة لمعظم القادة الغربيين ،إذ أن كوريا الشمالية لديها برنامج نووي نشط بالإضافة إلى التركيز على خطط لتطوير الصواريخ بعيدة المدى.

وينطبق الشيء نفسه ، بدرجة أقل ، على دولة أخرى ذات زعيم أعلى وهى إيران والتى تتوافر معلومات عنها بشكل أوسع نسبياَ ومع ذلك فإن كل  إشارة على مشكلة صحية أو اختفاء  غير مبرر لـ” خامنئي”  يفرز مجموعة من التساؤلات يتبارى الخبراء في البحث عن إجابات عليها.

ولعل من المثير للاهتمام واللافت  أيضا ,  أنه على الرغم مما يبدو من اختلافات بين أيديولوجيات طهران و بيونغ يانغ  ، غير أن الهياكل السياسية  فى البلدين متشابهة نوعاً ما ، وبينما يتولى “المرشد الاعلى” مسؤولية المكتب السياسي في كوريا الشمالية , يقود “الزعيم الأول “مجلس صيانة الدستور في إيران. ومع أن البعض قد يجادل بأن إيران دولة شيوعية أكثر من كونها أمة إسلامية ، كما تحب أن تصف نفسها. بيد أن الأهم من ذلك ، أن مركز القوة الحقيقي و الوحيد  في كلا البلدين هو المرشد الأعلى.

وثمة تشابه آخر بينهما  يتمثل في سعى البلدين لامتلاك برنامج نووي وتطوير الصواريخ بعيدة المدى. ونظراً لأن لديهما أهدافًا مماثلة بشأن هاتين النقطتين ،ذهبت بعض التقارير الاستخباراتية  إلى أن نطاق التعاون بين كوريا الشمالية وإيران أبعد من الصعيد التكنولوجي. ، وبسبب طبيعة  النظامين ومواقف السياسة الخارجية المتحدية للمجتمع الدولي ، يربط الخبراء دائمًا بين الملفين ويحققون في كيفية تأثير حدث في أحد البلدين على الآخر.

إذ عادة ما يلاحظ ذلك عند حدوث شىء ما في إيران , حيث يجرى , على الفور , تقدير تداعياته على ملف كوريا الشمالية. سواء كان ذلك خلال مفاوضات الاتفاق النووي أو الغارة الجوية  ضد قاسم سليماني. فمع الأخير ، كان لافتاً ملاحظة أن التحليلات السائدة خلصت إلى أن مقتل قائد فيلق القدس  سيطبع بصمات سلبية على المفاوضات مع  كوريا الشمالية لأنه يؤشر إلى النظام سيكون معرضاً لخطر الاستهداف بمجرد التخلي عن ترسانته من الأسلحة أو التوصل إلى اتفاق نووي.

 

بيد أن هذا لا ينطبق على بيونغ يانغ  حيث لا يوجد مكافئ كوري شمالي للدور الذي لعبه سليماني. وفي حين أن النظام الإيراني لديه برنامجًا كاملاً لزعزعة الاستقرار والتدخل في الشرق الأوسط بقيادة فيلق القدس بالحرس الثوري ، فإن كوريا الشمالية لا تتداخل في الجماعات المسلحة كما أنها لم تتخذ إجراءات تخريبية ضد دول في آسيا. وهذا هو الفارق الشاسع بينهما . هناك بالطبع موقف من المواجهة مع كوريا الجنوبية ، لكن قواعد الاشتباك به واضحة ، خاصة فيما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية والدور المتنامي للصين في هذا الملف.  علاوة على ذلك , وعلى الرغم من امتلاكها جهاز استخبارات إقليمي قوي ، لا يوجد فصيل كوري شمالي معادل  لحزب الله المدعوم من إيران ودوره في تصدير أيدولوجيتها  وإثارة القلاقل.

ومع أن كوريا الشمالية وإيران ، تشكلان مخاطر متزايدة على الاستقرار الإقليمي والعالمي ، إلا أنهما أيضًا الساحة التي تستعرض فيها  القوى الدولية عضلاتها السياسية والدبلوماسية. حيث يقيس معظم المحللين من خلالهما مستوى القوة في العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. و يتكهنون  بممارسات بكين وموسكو وكيفية تصرفهما كعازل لهذه الأنظمة في مواجهة واشنطن . غير أننى ، أعتقد أن هذين الملفين يخبران أكثر عن ديناميكيات العلاقات الصينية الروسية والسياسات الداخلية الأمريكية البحتة أكثر من أي شيء آخر.

وبما أن روسيا والصين هما القوتان الرئيسيتان الوحيدتان اللتان تقدمان الدعم السياسي لإيران وكوريا الشمالية ، فإنهما يتنافسان أيضًا على نفوذ أوسع وعلى الأسواق داخل هذين البلدين. في الواقع ، كان لبكين تأثير متزايد في كوريا الشمالية وآسيا ، بينما فعلت موسكو نفس الشيء في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للولايات المتحدة ، فإن أي إجراء رئاسي يتم فحصه دائمًا من قبل المعارضة ويستخدم كنقطة ضغط في الحملات الانتخابية.

 

لاشك أن  إ القادة في بيونغ يانغ وطهران يدركون تلك الحقائق  جيدًا وقد نجحوا من في استغلالها وتوظيفها من أجل البقاء وإبرام الصفقات المؤقتة.  إذ يعرفون متى يتم الضغط على رئيس أمريكي ، وفى أي وقت  تلعب روسيا والصين ضد بعضهم البعض ، وحتى متى يتنافسان بشكل مباشر ، مثلما يحدث بالوضع الراهن في سوريا بين كل من إيران وروسيا. كما أنهم بارعون في كيفية اللعب على خلافات جيرانهم ، على غرار المشكلة الحالية بين كوريا الجنوبية واليابان.

إن التوصل إلى نتائج إيجابية في إطار هذه السياقات  ، لا يمكن أن تحقق إلا من خلال الحوارات التي تشمل,  ليس فقط الولايات المتحدة والصين وروسيا ، بل أيضاَ دول المنطقة المتأثرة والمعرضة للخطر بسبب برامج الأسلحة المهددة. إذ أن هناك حاجة للانتقال من مفهوم “منطقة النفوذ” إلى الهيكل الإقليمي ، كما فعلت أوروبا. ولا شك أن الموقف المشترك سيزيل العديد من مخاطر الغموض والضبابية لدى هذه الأنظمة ومواقفها المتحدية تجاه النظام الدولي.

في عالم ما بعد كورونا ,  سنحتاج إلى الاستقرار والدعم للبرامج الاقتصادية والتنموية الضخمة  التي تضمن الازدهار على أفضل وجه. لذا فإن التعاون بين الولايات المتحدة والصين وروسيا – وليس تقاسم النفوذ والسلطة  – على كوريا الشمالية وإيران  سيكون تدريبًا ممتازًا لبناء الثقة العالمية. وهنا يتعين على دول المنطقة في آسيا والخليج أن تقود هذه الجهود ، لأنها الأكثر عرضة للخطر.

الرابط الأصلى للمقال : https://www.arabnews.com/node/1671056