قبل عدة أسابيع، كنت في مدينة نيويورك أجلس مقابل أحمد الشرع، الرجل الذي كانت قواتنا في العراق قد اعتقلته عام 2006 بسبب نشاطه مع تنظيم القاعدة، وهو اليوم رئيس سوريا. رحلة أحمد الشرع من شاب متطرف في العراق إلى قيادة دولة ممزقة ليست مجرد أمر غير متوقع؛ بل غير مسبوق تمامًا.
قبل مقابلتي له على منصة قمة كونكورديا، قضيت وقتًا أراجع مسيرته — مسار يذكّرني بأحلك فصول ما بعد أحداث 11 سبتمبر، وبأكثر اللحظات هشاشة في الربيع العربي.
فقد أُلقي القبض على الشرع من قِبل القوات الأمريكية في العراق عام 2006، بينما كان يزرع عبوات ناسفة قرب الموصل. وكان حينها قائد خلية تابعة لتنظيم القاعدة في العراق، ذلك التنظيم المسؤول عن بعضٍ من أكثر الهجمات وحشية في تلك الحقبة. أمضى خمس سنوات في معتقلاتنا، وكان محتجزًا في عامي 2007 و2008، حين عدت إلى العراق لأقود حملة “الزيادة العسكرية” التي تمكّنا خلالها من هزيمة القاعدة في العراق.
لم أكن أعرفه شخصيًا آنذاك، ولا حتى سمعت باسمه، لكني كنت أعرف نوعه جيدًا: شخص مؤدلج، خطير تكتيكيًا، وتهديد حقيقي لقواتنا. وعندما كنت أستعد لإجراء المقابلة معه، فكرت في العائلات التي فقدت أبناءها أو أزواجها أو زوجاتها على يد هذا الرجل أو رفاقه من الجهاديين، وتساءلت كيف سيكون شعورهم حين يرون القائد الذي ائتمنوه يومًا يجلس وجهًا لوجه مع أحد قادة القاعدة السابقين.
ما حدث بعد إطلاق سراح الشرع عام 2011 كان خارج كل التوقعات. عاد إلى سوريا، وسرعان ما برز كقائد لجبهة النصرة، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة وأحد أبرز الفصائل التي واجهت نظام بشار الأسد الدموي.
(وعلى عكس ما تروّجه بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن الشرع “أحد عملائنا” حين كنت مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية بين 2011 و2012؛ بل إن الحكومة الأمريكية — خلافًا لتوصياتي حينها — لم تقدّم سوى دعم محدود جدًا للفصائل التي كانت تقاتل النظام السوري في تلك الفترة).
بحلول عام 2016، كان الشرع قد قطع صلاته رسميًا بالقاعدة، وأعاد تسمية حركته إلى هيئة تحرير الشام (HTS)، التي أصبحت لاحقًا القوة المهيمنة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وواحدة من أقوى القوى العسكرية على الأرض.
تحت قيادته، أنشأت الهيئة هياكل حكم بدائية — محاكم، أنظمة تجارة، ومؤسسات تعليمية — وإن كانت ذات طابع سلطوي وإسلامي.
ثم جاء الحدث الذي غيّر مسار سوريا في أواخر عام 2024: قوات الشرع أسقطت نظام بشار الأسد.
فقد تمكنت قوات الهيئة من تحرير حلب بسرعة غير متوقعة، ثم واصلت التقدم جنوبًا لتحرير حماة وحمص. ومع انهيار قوات النظام أمامهم، أصبح الطريق إلى دمشق مفتوحًا، فتقدّموا نحو العاصمة، مما دفع الأسد وزوجته إلى الفرار إلى روسيا.
وبحلول يناير 2025، أدى أحمد الشرع اليمين الدستورية رئيسًا لسوريا. وبعد سنوات من فرض العقوبات على نظام الأسد واعتبار هيئة تحرير الشام تنظيمًا إرهابيًا، رفعت الولايات المتحدة العديد من تلك العقوبات وكذلك المكافأة البالغة 10 ملايين دولار التي كانت مرصودة لرأسه (مع بقاء بعض العقوبات التي يفرضها الكونغرس، والتي يُفترض رفعها الآن مع ربط المساعدات المستقبلية بأداء الحكومة الجديدة).
وقد التقى الرئيس دونالد ترامب بالشرع في الرياض خلال اجتماع نظمته القيادة السعودية، ونشر لاحقًا ملاحظة إيجابية عنه على منصة “Truth Social”.
عندما التقيت بالشرع خلف الكواليس في قمة كونكورديا، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لفتني هدوؤه واتزانه. كان هادئًا، متأملًا، متحدثًا بلباقة. امتلك رؤية واضحة ومعرفة عميقة ببنية الاقتصاد السوري ومؤسساته. تحدث لا كرجل ثائر، بل كرجل أثقلته التجارب ويطمح لإعادة صياغة التاريخ.
قال على المنصة:
“لا يمكننا أن نحكم على الماضي وفق قواعد الحاضر، ولا على الحاضر وفق قواعد الماضي.”
كانت عبارة مؤثرة — ليس فقط للجمهور، بل لي أيضًا — رغم أن هذا الرجل نفسه كان قد قاد هجمات القاعدة ضد قواتنا في العراق.
الجمهور، الذي ضم العديد من السوريين الأميركيين الذين طالما تمنوا سقوط نظام الأسد، بدا متأثرًا ومتفائلًا بكلماته. وأنا كذلك.
كنا جميعًا، بشكل ما، “معجبين” بما يحاول تحقيقه.
الشرع اليوم يسعى إلى توحيد سوريا، البلد الذي تتقاطع فيه خطوط الصدع العرقية والطائفية والقبلية في الشرق الأوسط. يحاول إقامة نظام حكم يمثل كل مكونات سوريا، يضمن حقوق الأقليات إلى جانب حكم الأغلبية، ويسعى لإخضاع جميع الفصائل لسلطة الدولة وإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية المدمرة.
كما فتح قنوات تواصل خلفية مع إسرائيل، ودعا إلى إلغاء قانون قيصر الذي فُرض على النظام السابق.
خطابه اليوم وطني لا جهادي، ومقاربته براغماتية لا أيديولوجية.
لكن هل هذا التحول حقيقي ودائم؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.
فقد سُجلت بالفعل حوادث تثير القلق، مثل إعدامات نفذتها قواته ضد الدروز في الجنوب والعلويين على الساحل.
وبصفتي شخصًا قضى عمره يدرس التمرد ومكافحته وإدارة الدول بعد الصراعات، أعلم أن التحول في الجغرافيا السياسية نادر وهش.
ومع ذلك، فإن مصلحة الشعب السوري وجيرانه والولايات المتحدة تقتضي أن ينجح الشرع وسوريا معه.
مقابلتي لأحمد الشرع — الرجل الذي كان في يوم من الأيام على الجانب المعادي في العراق — لم تكن مجرد لحظة تأمل شخصي (بل كانت غريبة إلى حد ما)، بل كانت تذكيرًا بأن التاريخ ليس خطيًا، وأن أكثر الشخصيات غير المتوقعة قد تتحول إلى الأكثر تأثيرًا.
فلنأمل أن يكون هذا هو الحال مع أحمد الشرع.
سواء ثبت تحوّله أو تعثر، فإن رهان سوريا — وربما العالم — عليه كبير للغاية.
المصدر: ديفيد بترايوس.- ناشيونال انترست









اضف تعليق