يبدو أن اللبنانيين يدفعون مرة جديدة ثمن التفلت الأمني وانتشار السلاح غير الشرعى فى البلاد , فقد قتل شخص في الكحالة قرب بيروت مساء الأربعاء في اشتباكات دارت بين عناصر من ميليشيا حزب الله وعدد من سكّان البلدة ذات الأغلبية المسيحية، بعدما أنقلبت شاحنة تابعة للحزب كانت تحظى بحماية مسلحة.
القصة وما فيها أنّ عدداً من سكّان البلدة تجمّعوا حول الشاحنة فعمد المسلّحون الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية ويحاولون منعهم من الاقتراب من الشاحنة إلى إطلاق النار مما أسفر عن مقتل شخص ..هنا ظهر الجيش اللبنانى بكثافة محاولاً الفصل بين أهالي المنطقة وعناصر الحزب وقام بنقل حمولة الشاحنة وحمايتها .
موقف الجيش اللبنانى من الواقعة يطرح تساؤلات عدة حول علاقة حزب الله بالجيش اللبنانى لأن ما قام به الجيش اليوم جريمة بحق الدولة وسيادتها ، جريمة بحق الكحالة وكل لبنان. إذ ليس من المفترض فى أى دولة ذات سيادة أن يكون الجيش حارساً لشاحنة سلاح خاصة بميليشيا .. فمن كان يتصور أن الجيش الوطني اللبناني ينحاز لمليشيات عسكرية جذورها في إيران ومدعومة من طهران؟ وكيف يتدخل كمؤسسة حكومية مع طرف غير حكومي يتصرف مثل “دولة داخل الدولة” ضد مواطنيه أيا كان انتمائهم الدينى أو العرقى ؟ فالمتوقع فوراً هو أن تتحرك الأجهزة الأمنية باعتقال كل من أطلق رصاص ضد الأهالي في الكحالة وليس حماية سلاح غير شرعي
العلاقة المرتبكة بين الجيش اللبنانى وحزب الله تم التلميح لها فى عام 2016 حين أكدت مصادر أن حزب الله يستخدم في معاركه في سوريا ناقلات جند مدرعة قدمتها الولايات المتحدة إلى الجيش اللبناني .وأشارت تقارير عدة فى يونيو الماضى عندما نفذ المئات من عناصر الميليشيات حزب الله مناورات عسكرية واسعة في جنوب لبنان، بتدريبات عسكرية تحاكي هجوماً برياً، حاملين صواريخ على الأكتاف، فيما رفرفت إلى جانبهم أعلام حزب الله الصفراء.أن الميليشيا تستغل بنى تحتية استخباراتية تابعة للجيش اللبناني من أجل تحقيق أهداف إرهابية وعسكرية.مؤكدة أنهاتستغل المساعدات الغربية المقدمة للقوات المسلحة أيضاً.و تستخدم رادارات مطار بيروت والبحرية اللبنانية.
هنا نجد أنفسنا بصدد سؤالى منطقى إذا كان الجيش يعتمد في تسليحه على المساعدات الدولية وعلى رأسها الأميركية حيث تبلغ ميزانية الدفاع اللبنانية 1.7 مليار دولار أميركي منها 144 مليون دولار من البنتاجون, فلماذا تقدم الولايات المتحدة المساعدة للجيش اللبناني إذا كان يصطف إلى جانب حزب الله؟
الواقعة السابقة بكل ملابساتها ترتبط بحادثة أخرى فبعد ستة أيام على الإعلان عن وفاة عضو المجلس المركزي في «القوات اللبنانية» والمنسق السابق لمنطقة بنت جبيل في «القوات» إلياس الحصروني في حادث سيارة في بلدته عين إبل تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مأخوذ من كاميرات المراقبة في البلدة، يظهر اعتراض سيارته من قبل سيارتين، قبل أن يتم اقتياد سيارته إلى منطقة نائية توصل إلى قريتين محيطتين بالبلدة، ويعثر عليه جثة هامدة.إذن الحصرونى المعارض المسيحى لحزب الله لم يسقط بحادث سير، ولا قضاءً وقدر، بل سقط بعملية معدّة ومدبّرة سلفاً.
هذه المعطيات الجديدة بقضية أصبحت بحوزة الأجهزة الأمنية والمخابرات في الجيش اللبناني , أعادت إلى الأذهان حادثة اغتيال لقمان سليم في 4 فبراير 2021، والذى عثر عليه مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية في الجنوب، أثناء عودته من زيارة صديق له في المنطقة التي تعد من أبرز معاقل حزب الله. ولا تزال عائلةسليم، الباحث والناشط السياسي المعارض ب لحزب الله، تنتظر تحقيق العدالة في بلد يحفل تاريخه باغتيالات سياسية وبثقافة الإفلات من العقاب
فى الواقع , لقد تعايش اللبنانيون مع ثنائية عسكرية لا تزال قائمة بعد ثلاثين عاماً من نهاية الحرب الأهلية.وأدت هذه المفارقة إلى تآكل تدريجي لدور السلطات الرسمية لمصلحة “حزب الله”، الذي تجاوز أسباب وجوده الأولى والتى استمدهها من هالة المقاومة وقد استخدم شرعيتها المعنوية ليصبح “نسخة لبنانية” من الحرس الثوري الإيراني، ويتحول نفوذه المتنامي إلى هيمنة إيرانية على لبنان.
أعتقد أن المشهد الراهن لم يعد يتّسع لمؤسستين عسكريتين مع تأزم الأوضاع والمخاوف من تكرار تجربة الحرب الأهلية المؤلمة لاسيما وأن القمصان السوداء تصوب طلقاتها لإخماد كل صوت معارض من الأحزاب الأخرى ومع تعقب مسارات نفوذ الحزب وما آلت إليه أوضاع لبنان من فساد وفشل وارتهان يجب على سنة ومسيحى لبنان وكل الطوائف التوحد للوقوف أمام ارهاب وممارسات حزب الله .والبنادق الموجهة اليوم صوب المسيحيين قد تنحرف غداً إلى منتقديه من السنة .
لقد فشل لبنان في بناء المؤسسات. طبيعة النظام الطائفي جعلت من المستحيل إعطاء أي مؤسسة سلطة سيادية. بل على العكس تمامًا ، فقد جعلت من كل فرد عبداً للمعاملات الطائفية.الطريقة الوحيدة لتجنب هذا الانحدار هي تغيير النظام السياسي. الفيدرالية هي أفضل حل لهذا الوضع.
بإيجاز شديد “الفيدرالية هى القاسم المشترك بين كل الطوائف اللبنانية نظرا لاستحالة إيجاد قواسم مشتركة بين مشروعي “حزب الله” والدولة وبالتالى هى حل جذري لكرة اللهب و “الحرب المرتقبة وأيضاً لشريك في الوطن الذي لا يمكن التعايش معه
اضف تعليق