الرئيسية » رئيسى » لماذا لن تنجح خدع حزب الله القديمة فى لبنان ؟
تقارير ودراسات رئيسى

لماذا لن تنجح خدع حزب الله القديمة فى لبنان ؟

Supporters of Hassan Nasrallah, the head of Lebanon's militant Shiite Muslim Hezbollah movement, watch him speak through a giant screen at a mosque in the Lebanese capital Beirut's southern suburbs on November 1, 2019. (Photo by - / AFP) (Photo by -/AFP via Getty Images)

كان سقف التوقعات مرتفعاً فيما يتعلق بخطاب نصر الله  في الأول من نوفمبر ، والذي جاء بنهاية أسبوع مضطرب شهدته  لبنان تضمن أعمال عنف واسعة النطاق بشوراع  بيروت واستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بعد أسبوعين من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. لكن زعيم الجماعة المسلحة لم يكن لديه الكثير ليقوله. كما هو الحال في خطابه السابق في 25 أكتوبر ، شدد نصر الله على البراغماتية ووجه انتقادات شديدة للسياسيين في لبنان  وفى الوقت نفسه كرر دعواتهم فيمايخص سرعة تشكيل الحكومة بعد رحيل الحريري.

وقال نصر الله “ندعو إلى الحوار بين الأحزاب السياسية والبرلمانيين والقادة الشرفاء للاحتجاجات”. “ينبغى علينا جميعًا تجاوز الجروح وماحدث في الأسبوعين الأخيرين”.

بالنسبة لزعيم الحزب الذى قدم نفسه باعتباره قائد المقاومة الشعبية اللبنانية على مدى عقود ، فإن دعم نصر الله للمؤسسة الفاسدة فى بلاده  قد يبدو غريباً . غير أن الحزب وفى ظل محاولات التكيف مع المستجدات المفاجئة في النظام السياسي والرمال المتحركة على أرض الواقع  لم يجد أمامه سوى بدائل محدودة  بخلاف دعم النظام الحالي والمراهنة على قوة حضوره وشعاراته فضلاً عن قدرته على التخلى عن العنف والتهديدات للحفاظ على مؤيديه.

من المؤكد أن حزب الله سيكون قادرًا على التغلب على العاصفة المتزايدة وسيحتفظ بموقعه القوي في السياسة اللبنانية – لكن استقالة الحريري ، إلى جانب عدم اليقين الاجتماعي والسياسي الذي نجم عن الاحتجاجات ترك الحزب فى وضع مضطرب وغير مستقر .

من خلال عقد الصفقات بعناية ، والنجاح في صناديق الاقتراع ، والاستخدام المحسوب للقوة على مدى العقد ونصف الماضيين ، لعب حزب الله دورًا رئيسيًا في صياغة واقع سياسي في لبنان سمح للجماعة بالحفاظ على الاستقرار وتوسيع ترسانة صواريخها ا، واستخدام البلاد كقاعدة موثوق منها لشن حملة في سوريا على معارضى الرئيس بشار الأسد نيابة عن إيران. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يسيطر على الدولة بشكل مطلق ، غير أنه  اندمج معها وأصبح ينظر إلى خصومه السابقين مثل الحريري كضامن حيوي للنظام الذي ساعد في تأسيسه.

لكن الآن..و بعد أن قفز الحريري من السفينة ، ودعا الرئيس حليف حزب الله ميشال عون إلى تشكيل حكومة تكنوقراطية ،يبدو الحزب مدركاً لحجم التهديدات والمخاطر المحتملة على نموذجه وإطاره التشغيلي ؛ فقبل إعلان الحريري في 29 أكتوبر الماضى ، تردد أن مستشار لحزب الله حاول الضغط على رئيس الوزراء لإعادة النظر في استقالته ، وأخبره أن الاحتجاجات تقترب من نهايتها.

وقال مصطفى علوش عضو المكتب السياسي لحزب تيار المستقبل  ” ما يريده [حزب الله] هو وضع مشابه لما كان في السابق ، نفس التحالفات  ، ربما مع تغيير بعض الوجوه . “إذ يعلم الجميع أن إعادة التفاوض على الشروط ذاتها  التي كانت في السنوات الثلاث الماضية لن تمتص غضب في الشارع.”

صرح أعضاء تيار المستقبل أنه يجب إعادة تسمية الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة ، لكن مها يحيى ، مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت ، قالت إن مثل هذه النتيجة غير مرجحة. ففي حالة وجود حكومة تكنوقراط ، فإن المهم  بالنسبة لحزب الله هو إيجاد طرق للحفاظ على نفوذه في مجلس الوزراء ، حتى لو لعب وفقًا لقواعد النظام اللبنانى قبل الثورة  .

قالت يحيى: “سوف يتكيفون إلى حد ما”. “سوف يستخدمون أوراق اللعب القديمة ، إذ أن  كل ما يعنيهم  أن تكون مصالحهم محمية ، أيا كان في الحكومة. هذا هو خطهم الأحمر.  وقد رفض المكتب الإعلامي لحزب الله وأعضائه التعليق على هذه القصة. لكن إذا كان الماضى  يدلل يحمل مؤشرات على نهج الحزب  ، فالمؤكد  أنه سيبذل كل ما في وسعه باعتباره الآلة السياسية الأكثر نفوذاً في لبنان للضغط على من يكلف بتشكيل حكومة جديدة ، حتى لو كانت حكومة تكنوقراطية ، لاختيار شخصيات داعمة لموقف ومكانة حزب الله على خارطة لبنان السياسية .

و في الوقت نفسه من أجل التعامل مع المتظاهرين في الشارع ، ، أعرب نصر الله ومسؤولون آخرون في حزب الله وحلفاؤهم في حركة أمل الشيعية ذات الأغلبية عن دعم محدود وحذر لجهودهم.

في الحقيقة ، لقد حاولوا تصوير الاحتجاجات على أنها  هدية لحزب الله وحلفائه. ” حيث قال مسؤول كبير في أمل طلب عدم الكشف عن هويته , ” هذه المطالب هي فرصة ذهبية للشيعة” ، و رداً على الهتافات المناهضة للحزب في الشوارع  أضاف المسؤول: “عندما تلعب فى عالم السياسة ، تتوقع أن يكون لديك معارضين . وفي بعض الأحيان تتخذ قرارًا لا يحظى بشعبية ، ولكن بمرور الوقت  يدرك الناس أنه كان صائباً . ”

ومع ذلك ، يبقى أن نرى ما إذا كان الناس سيقدرون في نهاية المطاف العنف الذي مارسه متشددو الحزب ضد بعض المحتجين. وقد تحدث الكثير من  شيعة لبنان الذين حركهم  وعي وطني جديد غير طائفي اجتاح البلاد ، وبشكل غير مسبوق ضد حزب الله وحركة أمل

رداً على ذلك ، هاجم أنصار أمل المتظاهرين في مدينة صور الجنوبية يوم 19 أكتوبر. وقعت حوادث مماثلة في النبطية ، معقل حزب الله ، في الأسبوع التالي. وقال محمد ، أحد سكان صور الذي شارك في الاحتجاجات ولم يذكر اسمه سوى الأول لأسباب أمنية ، إن أنصار الحزب يهددون المتظاهرين بالعقاب أو بالسجن بسبب التخلي عنه.

بعد أيام من هدوء الاحتجاجات في صور ، بدا أن هذه لم تكن تهديدات فارغة. فقد اتُهمت السلطات في جنوب لبنان ، التي يهيمن عليها حزب الله وحركة أمل ، بالتحيز عندما  عاقبت 12 شخصًا من صور بارتكاب جرائم تتعلق بالتظاهرات و صدرت بحقهم أحكام بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات – لكنها بالوقت ذاته , لم تعتقل أيًا من أنصار الأحزاب الذين نفذوا أعمال عنف ضد المتظاهرين. كما ظهرت حالات أخرى من الإكراه المحتمل جرت ممارسته من قبل عناصر الحزب ، بما في ذلك عدد من أشرطة الفيديو لأشخاص يبدوا أنهم قد  أكرهوا على الاعتذار  عن إهانة  نصر الله ورئيس البرلمان نبيه بري ، رئيس حركة أمل ، خلال الاحتجاجات.

وقال الصحفي علي الأمين: “بدأت أمل ونصر الله يشعران بالخطر ولا يمكنهما مواجهته إلا من خلال العنف. وهاجم أمين من يشتبه في أنهم من أنصار حزب الله بعد أن ترشح ضد المجموعة للحصول على مقعد برلماني في جنوب لبنان العام الماضي قائلاً ” هذا سوف يهز الثقة فيهم ، مما يؤدي إلى المزيد من المعارضين.”

وفي الأيام القليلة الماضية ، حاول حزب الله تصحيح المسار ، بما في ذلك عن طريق تذكير الجمهور اللبناني بأن المجموعة قوة مقاومة أولاً وحزب سياسي ثانياً. حيث أعلن حزب الله أنه أطلق النار على طائرة إسرائيلية بدون طيار عبرت المجال الجوي اللبناني في 31 أكتوبر ، وأنهى نصر الله خطابه بعد يوم من التفاخر بالحادث. وفقًا لنيكولاس بلانفورد من المجلس الأطلسي ، فقد واجه حزب الله وقتًا عصيبًا في الحفاظ على صورة المقاومة وسط نزاع مستمر في سوريا وتورطه في معارك سياسية لبنانية.

لكن فكرة المقاومة ما زالت سائدة بين أجزاء كبيرة من المجتمع الشيعي.

قال المتظاهر عباس حيدر في بيروت في 19 أكتوبر ، خلال الأيام الأولى للاحتجاجات: “يجب على حزب الله ، كحكومة ، المغادرة”. “لكن كحركة مقاومة  ضد إسرائيل ، بالطبع لا”.نريد ذلك

اعترف أمين أن الاحتجاجات في لبنان التي دفعت الطائفة الشيعية إلى الخروج  لم تكن سوى البداية – ولكن في رأيه ، التحولات الاجتماعية التي حدثت حتى الآن هي مؤشرات قوية على أن التغييرات السياسية تنتظر اللحظة المناسبة .

في الوقت الذي يكافح فيه من أجل الحفاظ على مكتسباته في الساحة السياسية في السنوات الماضية ، من المرجح أن يلقي حزب الله المزيد من الضربات على سمعته ، خاصة أنه لا يزال مستغرقاً فى استخدام لعيته القديمة غير أنه فى نهاية المطاف  ، سيجد حزب الله طريقه كما هو الحال دائمًا ، إما عن طريق التكيف مع محيطه الجديد أو إجبار محيطه على التكيف معه.

انخرطت المجموعة في إجراء توازن دقيق حتى الآن وستواصل القيام بذلك طالما أنها تعلم أن قوتها لن تتزعزع على المدى الطويل. لكن الواقع السياسي اللبناني يتغير بوتيرة سريعة. إذا ظهرت تهديدات موثوق بها على موقعه السياسي في لبنان ، سواء من الطبقة السياسية أو من الشوارع ، فلن يتردد حزب الله في إطلاق قوته العسكرية مرة أخرى.

المصدر : ميشال كرانز – فورين أفيرز