الرئيسية » تقارير ودراسات » مستقبل غزة بعد الحرب: تحديات الإعمار والانقسام السياسي
تقارير ودراسات رئيسى

مستقبل غزة بعد الحرب: تحديات الإعمار والانقسام السياسي

بعد أن وضعت الحرب الأخيرة على غزة أوزارها، تُرك القطاع يواجه دمارًا هائلًا طال البنية التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية والمرافق العامة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية ونقص حاد في الخدمات الأساسية. وبينما تتجه الأنظار إلى مرحلة إعادة الإعمار، تتصاعد الخلافات السياسية التي تهدد بعرقلة الجهود وإطالة أمد الأزمة.

تقدّر كلفة إعادة إعمار القطاع بما يتراوح بين 50 إلى 70 مليار دولار، في خطة مرحلية تمتد حتى عام 2030، وتشمل إزالة الركام والمخلفات الخطرة، وترميم المباني والمنشآت، إلى جانب تحفيز عجلة الاقتصاد المحلي. غير أن هذه الخطة تصطدم بتحديات سياسية معقدة في مقدمتها الانقسام الفلسطيني المستمر.

الخلاف بين حركتي “حماس” و”فتح”
============
في قلب المشهد، يحتدم الخلاف بين حركتي “حماس” و”فتح” حول الجهة التي يجب أن تشرف على عملية الإعمار. “حماس”، التي تُحكم سيطرتها الفعلية على القطاع، ترفض أي دور مباشر للسلطة الفلسطينية، وتطرح بدائل مثل لجان فنية أو مجتمعية مستقلة. من جهتها، تؤكد “فتح” أن السلطة الوطنية، بصفتها الممثل الشرعي، يجب أن تكون على رأس أي جهد رسمي لإعادة البناء، ما يضع الفصائل في مواجهة مفتوحة.

هذا الانقسام السياسي يربك المانحين الدوليين الذين يشترطون وجود إدارة موحدة وشفافة لضمان تدفق الأموال. كما تشترط أطراف إقليمية ودولية – ومنها الولايات المتحدة – ألا تُستخدم أموال الإعمار في تقوية أي فصيل مسلح، وهو ما يُترجم فعليًا إلى مطالبة بنزع سلاح “حماس” أو تحييدها سياسيًا.

في ضوء هذه التعقيدات، طُرحت مبادرات لمرحلة انتقالية تدار فيها غزة عبر لجنة وطنية تضم شخصيات مستقلة، تشرف على إعادة الإعمار بشكل مؤقت، إلى حين التوافق على صيغة سياسية دائمة. لكن هذه المبادرات لا تزال في إطار التداول، دون موافقة واضحة من الأطراف الرئيسية.ففي محاولة لكسر الجمود، طرحت مصر مبادرة لتشكيل لجنة وطنية انتقالية لإدارة القطاع خلال المرحلة المقبلة، تضم شخصيات مستقلة من التكنوقراط، تتولى الإشراف على عملية إعادة الإعمار وضمان الحوكمة المالية. وفى حين أبدت “حماس” مرونة تجاه الفكرة.”فتح” لم تُعلن موقفًا واضحًا بعد، لكن قيادات داخلية أبدت تحفظًا خشية تهميش السلطة.

ثلاثة سيناريوهات ممكنة لمستقبل غزة
=============
1. تشكيل حكومة وحدة وطنية
وهو السيناريو المثالي لكنه الأصعب، ويتطلب توافقًا سياسيًا حقيقيًا بين الفصائل، مما يسمح بإدارة موحدة لعملية الإعمار، وتحظى بقبول دولي.

2. إدارة انتقالية مستقلة
تُدار غزة بشكل مؤقت من قِبل لجنة وطنية مستقلة (كما اقترحت مصر)، مع إشراف عربي أو أممي محدود، على أن يتم لاحقًا الاتفاق على صيغة حكم نهائي.

3. استمرار الوضع الراهن
الأسوأ بين الخيارات، حيث يستمر الانقسام، وتُبقي “حماس” السيطرة الفعلية على غزة، بينما تبقى السلطة خارج المعادلة، مما يؤدي إلى تجميد الإعمار وتدهور الأوضاع أكثر.

بين السياسة والمعاناة
==================

على الأرض، يعيش سكان غزة بين ركام منازلهم، في ظل شح الإمدادات الطبية، وانهيار منظومة الكهرباء والمياه، وتعطل مئات المدارس والمستشفيات. ولا يزال أكثر من نصف مليون فلسطيني مشردين، وسط غياب حلول عملية وآنية.في ظل هذا الواقع، يبدو أن مستقبل غزة مرهون أولًا بإنهاء الانقسام الداخلي، والتوافق على إدارة موحدة تنأى بنفسها عن الحسابات الفصائلية، وتُقدم المصلحة الوطنية والإنسانية على أية اعتبارات أخرى.وبدون هذا التوافق، ستبقى أموال الإعمار معلّقة، وستبقى غزة أسيرة الدمار، تنتظر تسوية قد تتأخر طويلًا، بينما يدفع المدنيون وحدهم ثمن الجمود السياسي.