نظمت مصر أمس الأربعاء جنازة عسكرية مهيبة في القاهرة للرئيس الأسبق حسني مبارك الذي حكم البلاد 30 عاما حتى أطاحت به احتجاجات شعبية في عام 2011.
وجرّت أحصنة عربة تحمل نعش مبارك الملفوف في العلم المصري بمجمع مسجد، تبعها موكب يتقدمه الرئيس عبدالفتاح السيسي وكبار قادة الجيش ونجلا مبارك علاء وجمال وشخصيات أخرى كبيرة مصرية وعربية.
وتوفي مبارك أمس الثلاثاء في غرفة للرعاية المركزة بعد أسابيع من خضوعه لعملية جراحية تاركا المصريين منقسمين إزاء إرثه بعدما قاد مصر طيلة ثلاثة عقود يتذكرها البعض اليوم على أنها كانت الأعوام الأكثر استقرارا من الفوضى التي أعقبت الإطاحة به في 2011 بعد أن جربوا ويلات حكم الإسلاميين لمدة قصيرة.
وكان مبارك ثاني رئيس تطيح به انتفاضات ما سمي بـ”الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة منذ سنوات بعد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي توفي العام الماضي أيضا لكن في المنفى بعد أن غادر تونس إلى السعودية على اثر الاحتجاجات الشعبية في يناير 2011.
وتنهي وفاة مبارك الذي قضى الكثير من السنوات التالية للإطاحة بحكمه في السجن وفي مستشفيات عسكرية قبل إطلاق سراحه في عام 2017، فترة حكم جعلت مصر تنعم في استقرار ساهمت في نشره في المنطقة أيضا لكن ضمن النظام الواحد الذي شجعت الدكتاتورية فيه الشعب على الانتفاض بسبب انتشار الفساد والقمع الأمني.
وكان لافتا نعي خصوم مبارك ومعارضيه والشعب المصري الذي ثار عليه وصمم على رحيله عن الحكم أيضا، حيث ترحم أغلبهم عليه وعلى أيامه التي وصفها البعض بأيام الاستقرار والأمن فلم تتورط مصر في عهده في أي حروب، بل تبنت سياسات خارجية متوازنة جعلتها تحتل مكانة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وتحظى بتقدير جميع الدول الكبرى.
ونعته الرئاسة المصرية والقوات المسلحة كأحد أبطال حرب عام 1973 مع إسرائيل والتي كان خلالها قائدا للقوات الجوية. وأعلنت الرئاسة الحداد العام ثلاثة أيام.
كما نعت دول عديدة الفقيد أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصدرت وزارة شؤون الرئاسة بيانا نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام) جاء فيه “بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تنعى وزارة شؤون الرئاسة المغفور له محمد حسني مبارك الرئيس المصري الأسبق الذي انتقل إلى جوار ربه اليوم”.
وأشادت الإمارات بالجهود التي بذلها لعودة مصر إلى اللحمة العربية بعد انقطاع دام عدة سنوات، فضلا عن دوره في تعزيز دور مصر على الصعيدين العربي والدولي، وقررت تنكيس الأعلام ليوم واحد.
وأشاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمواقف مبارك في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في نيل حقوقه في الحرية والاستقلال، حسب بيان صدر عن مكتبه. ونعى عباس مبارك وبعث رسالة تعزية إلى السيسي ولعائلة مبارك.
وكان متوقعا أن يشارك مسؤولون عسكريون كبار في الجنازة باعتبار أن الرئيس الأسبق ابنة المؤسسة العسكرية. وكان جثمانه وصل إلى مسجد المشير طنطاوي بشرق القاهرة في وقت سابق اليوم على متن طائرة نقلته من المستشفى العسكري الذي توفي فيه. وذكر التلفزيون الرسمي أن نعش مبارك سينقل جوا من المسجد إلى مقابر الأسرة بمنطقة مصر الجديدة.
واحتشد عشرات من أنصار مبارك، بعضهم من مسقط رأسه بقرية كفر المصيلحة في دلتا النيل، أمام المسجد الذي شهد الجنازة العسكرية التي نقلها التلفزيون الرسمي وعدد من القنوات المصرية الأخرى وتناقلت تفاصيلها وكالات الأنباء العالمية أيضا.
كانت محكمة مصرية أصدرت حكما بالسجن المؤبد على مبارك بتهمة الاشتراك في قتل 239 متظاهرا خلال “ثورة يناير” عام 2011 والتي استمرت 18 يوما، لكن تم الإفراج عنه في 2017 بعد تبرئته من التهم. وأدين في عام 2015 مع نجليه بتحويل أموال عامة لحساب تطوير ممتلكات للأسرة. وعوقبوا بالسجن ثلاث سنوات.
لكن قبل وفاة والدهما بأربعة أيام فقط حصل نجلا مبارك جمال وعلاء على براءة نهائية في القضية الشهيرة المعروفة بالتلاعب في البورصة لتحقيق مكاسب خاصة ليشهد على إغلاق واحدة من القضايا المثيرة التي ظلت تلاحق الأسرة طوال السنوات التسع الماضية قبل رحيله.
ونشرت الصحف المصرية الحكومية والخاصة صورا لمبارك على صفحاتها الأولى بينما عرض التلفزيون الرسمي مقتطفات من خطاباته السابقة.
وتباينت تعليقات رواد وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا لكن أغلبها رأى أنه يكفي ما تعرض له مبارك منذ تنحيه، حيث أمضى معظم سنواته الماضية أمام القضاء ومحبوسا في المستشفيات العسكرية، كما أشادوا بشجاعته بالتنحي لإنقاذ البلاد والتمسك بالبقاء داخل مصر والمثول أمام قضائها.
وولد مبارك في الرابع من أيار/مايو 1928 في عائلة من الطبقة الريفية المتوسطة في دلتا مصر. وصعد سلم الرتب العسكرية في الجيش إلى أن أصبح قائدا للقوات الجوية ثم نائبا للرئيس في نيسان/أبريل 1975.
وخلال مسيرته الطويلة، تعرض لست محاولات اغتيال جعلته يرفض رفع حالة طوارئ في البلاد على مدى توليه الحكم. وغذّى صعود نجم نجله الأصغر جمال مبارك القريب من أوساط رجال الأعمال، الشكوك بشأن عملية “توريث” للحكم، فكانت طموحات جمال مبارك السياسية بمثابة المسمار الأخير في نعش نظامه.
ويرى عدد كبير من المصريين أن مبارك ظل حاكمًا جيدًا حتى ظهور نجله جمال على الساحة في أمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل التي ظهرت خلالها قرارات مثيرة للجدل، مثل التخلص من الشركات الحكومية بأسعار زهيدة، والتضييق على الأحزاب المعارضة، معتبرين أن دوره لم يكن سوى حاكم صوري لآخرين يديرون الأمور.
اضف تعليق