فيما يحتدم الصراع علي بعد كيلومترات فقط في سورية، يبقي الهدوء سائداً علي مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل. ولكن ثمة دلائل علي أن النزاع الذي دام17 شهراً قد طال السكان العرب في تلك المناطق. ففي مجدل شمس التي تعد أكبر قرية عربية في المنطقة، كُتب علي الجدران بلون الدم الأحمر عبارة "أوقفوا قتل الشعب السوري".
عندما بدأ الصراع في سورية العام الماضي، كانت هضبة الجولان تدعم بشكل كبير الرئيس السوري، بشار الأسد المتهم بقتل آلاف السوريين في القتال الدائر ضد المتمردين.
والآن يقول السكان المحليون إن هناك انقساماً في الرأي بنسبة %50. ولكن علي الرغم من انقسام مجتمعات الدروز بشكل متزايد حول الصراع الدائر في بلادهم، إلا أنهم، وبحسب قولهم، مصممون علي البقاء متحدون في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان. ويشعر بعض السكان العرب أن التغيير في الحكومة السورية قد يضع الجولان علي جدول الأعمال الوطني والإقليمي مجدداً.
وكانت إسرائيل قد استولت علي هضبة الجولان خلال حرب 1967 ثم ضمتها بشكل أحادي إلي أراضيها عام 1981 وهي الخطوة التي لم يعترف بها المجتمع الدولي وأدانتها الأمم المتحدة.. تقول إسرائيل إنها تحتاج إلي وجودها في هضبة الجولان لحماية نفسها بحجة أن قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي تم تبنيه بعد حرب عام 1967 يعترف بحاجة إسرائيل إلي حدود آمنة ولا يطلب من إسرائيل الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة.
وهذا التفسير أيضاً محل جدل. وقد ذكر مركز المرصد العربي لحقوق الإنسان في منطقة الجولان المحتلة أن المستوطنين الإسرائيليين يحصلون علي خمسة أضعاف كمية المياه التي يحصل عليها المزارعون السوريون. كما تمت مصادرة الأراضي لبناء مستوطنات إسرائيلية ويدفع السكان العرب لإسرائيل ضرائب أكثر من نظرائهم الإسرائيليين رغم أنهم يتلقّون خدمات أقل.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"، قال إيال زيسر، أستاذ تاريخ إفريقيا والشرق الأوسط في جامعة تل أبيب ومؤلف أربعة كتب عن سورية والأسد إن الجولان لم تكن علي جدول الأعمال السوري لسنوات. وقد يكون النظام الجديد في دمشق الذي سيكون موالياً للغرب علي استعداد لتحدي إسرائيل واحتلالها للجولان مقابل السلام الحقيقي، وهو أمر لم يجرؤ الأسد علي فعله.
ومن جهته، قال سلمان فخر الدين، وهو منسق في مركز المرصد إن الحكومة الجديدة في سورية التي لن تقوم أولوياتها علي قمع شعبها لن تتخلي عن هضبة الجولان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويقول المحللون إنه إذا نجح المتمردون السوريون في إسقاط نظام الأسد، سيواجهون العديد من التحديات وربما لن تكون المواجهة مع إسرائيل علي رأس قائمة أولوياتهم.
تحول الولاءات
ما زال السكان العرب في الجولان – والذين ينتمي معظمهم إلي المذهب الدرزي – يعتبرون أنفسهم سوريين. في الماضي، كان التعبير عن الولاء لسورية يتم من خلال دعم الأسد، حيث كان السكان يحملون الأعلام السورية مع صور الأسد في احتجاجاتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن فخر الدين يشير إلي أنه لم يكن الجميع يحمل تلك الصور. وهو يقول إنه لطالما كان ضد الأسد. وأضاف أنه يعارض الرئيس السوري لنفس أسباب معارضته للاحتلال الإسرائيلي للجولان والأراضي الفلسطينية، مشيراً: بالنسبة لي، فإن مدينة حمص "في وسط سورية" مثل غزة.. الناس فيها يطالبون بحقوق الإنسان الأساسية والحق في العيش بكرامة وحرية وديمقراطية. فمن يستطيع أن ينكر ذلك؟ ولكن فخر الدين، مثل العديد من السكان المحليين، ضد التدخل الغربي في سورية.
ويقول بعض من مؤيدي النظام في المنطقة إن مخاوفهم علي نظام الأسد أقل بكثير من مخاوفهم من أن تحل حكومة إسلامية بدلاً منه، حيث يخشي بعض الدروز أن يؤدي ذلك إلي مزيد من القمع ضد طائفة الدروز الأقلية. كما يحذر آخرون من أن يقتصر النزاع علي الخلافات الدينية والطائفية، مشيرين إلي أن بعض الأقليات، بمن فيهم الدروز، يشاركون في التمرد فيما يقوم البعض الآخر بدعم الأسد. وقال أحد سكان الجولان إنه لو كان الأمر يتعلق فقط بدعم العلويين للأسد، لما بقي الأسد في السلطة.
مجتمعات منقسمة
تحاول مجتمعات الجولان المنقسمة أن تبقي صامتة بشأن آرائها عن الحفاظ علي السلام في المنطقة. ومع ذلك فقد أدت الاحتجاجات ضد الأسد إلي بعض المناوشات الصغيرة في قرية مجدل شمس. فمنذ عدة أسابيع اشتبك أنصار الأسد مع هؤلاء الذين يدعمون التمرد.
وقد قام الطرفان في البداية بتراشق البيض، ثم تصاعدت الاشتباكات لتصبح تراشقاً بالحجارة فيما بعد. ثم قام شيوخ القرية بالفصل بين الطرفين واقترحوا أن يقوم الداعمون للتمرد بنقل تظاهرات يوم الجمعة إلي مكان آخر لمدة أسبوع حتي يتمكن الطرفان من التهدئة.
وقال أحد أعضاء المجتمع البارزين، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لأن لديه عدداً من الأقارب في سورية، إنه في بعض المنازل لا يتحدث الآباء مع أبنائهم ولا يتكلم الإخوة مع بعضهم البعض، لأنهم يختلفون بشأن النزاع في سورية. ولكنه نفي التقارير الإعلامية التي تقول إن السكان المحليين الذين يدعمون المتمردين يواجهون النبذ.
ساحة جديدة للمعركة؟
وبدلاً من تأجيج الخلافات بين سكان الجولان، يمكن للنظام الجديد في دمشق أن يخلق عوامل خطر للجولان وبالتالي لإسرائيل. ويقول زيسر إنه في ظلّ حكم الأسد كان هناك نظام قوي في سورية. وقد يؤدي سقوط نظام الأسد إلي انتشار الفوضي.. وقد تبحث بعض الجماعات الإرهابية وخاصة القاعدة عن مغامرات جديدة بمجرد أن يسقط الأسد.
ويشبه زيسر الفراغ المحتمل في السلطة في سورية بذلك الذي حدث في شبة جزيرة سيناء في مصر. فمنذ الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك من السلطة، قام المسلحون بمهاجمة خطوط الأنابيب التي تحمل الغاز من مصر إلي إسرائيل. كما قام المسلحون مرتين بخرق حدود إسرائيل مع مصر. وقد أدي الهجوم عبر الحدود الذي وقع في الصيف الماضي إلي مقتل ثمانية إسرائيليين.
ولكن السكان المحليين أقل قلقاً بشأن الهجمات علي الجولان أو إمكانية أن يمتد القتال في سورية عبر الحدود. فما يقلقهم هو إمكانية حدوث هجوم إسرائيلي علي إيران، حليفة سورية – والحرب الإقليمية التي من الممكن أن يتسبب فيها هذا الهجوم.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، قال صاحب مطعم طلب عدم ذكر اسمه، إن بعض السكان المحليين يقومون بتخزين البضائع غير القابلة للتلف والمياه تحسباً لاندلاع القتال، مضيفاً بحسرة: لقد شهدنا الكثير من القتال هنا. وأشار إلي أنه حتي إذا كانت هذه الحرب ستؤدي إلي عودة الجولان إلي سورية، فنحن نريد إنهاء الاحتلال، ولكن العنف ليس طريقتنا.









اضف تعليق