بارقة أمل جديدة تمنحها محادثات ستوكهولم لفرص التسوية السياسية في اليمن ,بعد مضى نحو أربع سنوات على اندلاع الصراع وتفاقم الأزمة الإنسانية التي حذرت من عواقبها العديد من المنظمات الدولية, إذ يمكن أن تمثل نقاط بناء الثقة المتعلقة بالوصول إلى تفاهمات شاملة بشأن ملفات المعتقلين ووقف إطلاق النار في الحديدة فضلاً عن فتح مطار صنعاء بداية جيدة تحفز احتمالات التوصل إلى هدنة شاملة لكن على الأرجح سيتوقف الأمر على حجم المكاسب والتنازلات التى سيقدهما الطرفان .
المشاورات التي انطلقت الخميس الماضي , تعد الفرصة الوحيدة القائمة للتوصل إلى صيغة ما لإنهاء الحرب المتواصلة ويقودها المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث، وصفها الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بمحادثات “الفرصة الأخيرة”، وترعاها الأمم المتحدة بهدف إنهاء النزاع الدامي بين الحكومة الشرعية ، ومليشيات الحوثي المدعومة من إيران . وقال غريفيث عبر «تويتر» أول أمس، إن «أنظار اليمنيين معلقة على ما يجري في السويد، وهم يتطلعون إلى إحراز تقدم حقيقي، الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية من الجميع». وأضاف أن «جلوس الطرفين على طاولة واحدة في الافتتاح الرسمي للمشاورات خطوة إيجابية». واعتبر أن مشاورات السويد «هي إعادة إطلاق لعملية سياسية منظمة لإنهاء الصراع في اليمن بشكل عاجل».
الحوثيون حصلوا هذه المرة على شروطهم، فذهبوا برفقة جريفيث وعلى متن طائرة كويتية، وتم نقل جرحاهم للعلاج، وفى سبتمبر الماضي تعثرت المفاوضات بسبب اشتراط المليشيا ا طائرة عمانية، كبيرة، وغير محددة بعدد معين من الركاب لكي تحمل عدد من الجرحى . وعلى الرغم من عدم التصريح بهوية المصابين غير أن المعلومات المتداولة آنذاك تؤشر أنهم كانوا جرحى إيرانيين أصيبوا في المواجهات مع الجيش الوطني، بالإضافة إلى بعض عناصر حزب الله فضلاً عن قيادات حوثية بارزة من بينهم المدعو “ابو علي الحاكم” الأمر الذى أدى لإلغاء الرحلة وطرد كل الموظفين من المطار وهو الأمر الذي جددت الحكومة اليمنية حينها على لسان وزير خارجيتها خالد اليماني رفضها له، قائلة إنها لن توافق على نقل جرحى لا تعرف هويتهم.
ست قضايا رئيسية ستطرح على طاولة المشاورات اليمنية المنعقدة برعاية الأمم المتحدة في السويد وذلك ضمن إجراءات بناء الثقة، في وقت رحب الأمين العام للأمم المتحدة ببدء المشاورات.وتشمل القضايا الست إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمحتجزين من الجانبين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والوضع في مدينة الحديدة، بما في ذلك تسليم الحوثيين للميناء، بالإضافة إلى رفع الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز منذ ثلاث سنوات، وفتح مطار صنعاء، والملف الاقتصادي وخصوصاً وضع البنك المركزي المنقسم بين طرفي الصراع.
إجراءات بناء الثقة بين الأطراف اليمنية تتشابك فيما بينها حيث تتربط كل نقطة بالأخرى , فبينما يعد ملف الأسرى والمعتقلين أحد الشروط التي وضعتها الأمم المتحدة لبناء جدار الثقة بين الجانبين غير أن الحوثيين لن يقدموا على الإفراج عن الشخصيات البارزة ملف الخلاف إلا إذا تلقوا ضمانات بأن التصعيد العسكري في الحديدة سيتوقف , فالصفقة الأولى التي تم الإعلان عنها تضمنت إطلاق سراح أسرى من الدرجة الثانية لكن المقايضة الكبرى والمتعلقة بثلاثة من رجال هادى وهم اللواء محمود الصبيحي، واللواء ناصر منصور، والعميد فصيل رجب , سوف تستخدمها الجماعة ورقة ضغط تناور بها الرئيس هادى لتقديم المزيد من التنازلات الهامة ومن بينها على الأقل وقف الحشود العسكرية عند ميناء الحديدة لاسيما وأن من بين المعتقلين الثلاثة شقيقه ناصر .
انعكاسات التفاهمات في ملف الأسرى ستعطى دافعاً لتسوية ملف ميناء الحديدة والذي يعد اللبنة الثانية بجدار الثقة لكن ليس من المرجح التوصل إلى تسوية بشأن الميناء ولن يخاطر الحوثيون بتسليمه لقوات الشرعية حتى لوتم الاتفاق على إطلاق سراح العسكريين الثلاثة نظراً لما يمثله من أهمية بالنسبة للوجود الحوثى على الأرض , فإذا كانت صنعاء تمثل مركزاً إداريا لهم فإن ميناء الحديدة هو الذي يضمن ثقل الجماعة في العاصمة بل في دائرة الصراع برمتها ,إذ تمر عبره شحنات الدعم من أسلحة وقطع غيار الصورايخ فضلاً عن المساعدات الإنسانية . لذلك فإن اسوأ التوقعات تذهب إلى أن التسوية المحتملة بشأن الميناء الاستراتيجي ستتضمن خضوعه لإشراف وإدارة الأمم المتحدة .
اللبنة الثالثة بجدار الثقة تتمثل في فتح مطار صنعاء ,ورفضت حركة الحوثي اقتراحا من الحكومة المعترف بها دوليا بإعادة فتح مطار العاصمة صنعاء على أن يكون مطاراً داخلياً تخضع الرحلات الدولية المتجهة منه وإليه إلى التفتيش في مطاري عدن وسيئون لكن المطار المغلق الذي يسعى الحوثيون بمساعدة أممية لإعادة فتحه لاستقبال المساعدات الإغاثية والإنسانية بالنسبة للجماعة هو بديل محتمل لميناء الحديدة والذي قد يخضع لإشراف الأمم المتحدة يمكنهم من خلاله تلقى الدعم اللازم من حلفائهم لذلك بطبيعة الحال لن يقبلوا بتفتيش الطائرات المقلعة منه بمطار آخر لكن قد يساومون من أجل خضوعه لرقابة الأمم المتحدة وهنا سيلتف الحوثيون على الرقابة الأممية ويصبح بمقدورهم تعويض ما فقدوه في ميناء الحديدة .
تدابير بناء الثقة والتي يمكن من خلالها تمرير التسوية السياسية تمر بمنعطف خطير فى ظل التعقيدات الإقليمية والتطورات الميدانية بساحات القتال , إذ أنه بالتزامن مع بدء المشاورات فى السويد اشتعلت جبهة “نهم” التابعة للعاصمة صنعاء , وحاولت قوات الشرعية التقدم على الأرض باتجاه مناطق تموضع مليشيا الحوثيين. و مع بدء جولة المحادثات تبادل الطرفان اتهامات بالتصعيد العسكري وعدم الجدية في المشاورات والحل السياسي للأزمة.
التعقيدات الإقليمية ترخى بظلالها على فرص الإطار السلمي حيث تشتد وطأة الضغوط على إيران بسبب العقوبات الأمريكية المتصاعدة ضدها، وبما أن القرار ليس حوثياً بامتياز فهى مجرد مليشيا يتلاعب بها حزب الله وإيران لذلك تبدو فرص التسوية ضئيلة في ظل تعقد المشهد الإقليمي وخضوع الجماعة الحوثية لإملاءات طهران والتي قد تستغلها لتحقيق مكاسب أو على أقل تقدير لإثبات حضورها وتحكمها الكامل بالمشهد ولعل هذا ما يفسر بيان الخارجية الإيرانية قبل يومين من محادثات السويد والذي أكد أن طهران تدعم محادثات السلام اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة، وأنها على استعداد للمساعدة من أجل إيجاد حل سياسي.
لذا يرى مراقبون أن مفاوضات السلام في السويد ستسير على خُطا سابقاتها معللين ذلك بأن الحوثيين جماعة مسلحة متمردة تتبع إيران، وترفض السلام ما دامت طهران لا تريد تحقيقه إذ أن محادثات ستوكهولم جاءت بعد أربعة جولات تفاوضية سابقة ، هي جنيف 1، وجنيف 2، والكويت 1، والكويت 2، خلال كل تلك المؤتمرات عمدت مليشيا الحوثي على إجهاض كل مبادرات السلام ومشاوراته،فبكل ما تحمله الجماعة من تقلبات وغدر سجلت على مدار أربعة سنوات 20 خرقاً للهدن العسكرية المعلنة ونقضت العديد من الاتفاقات والمواثيق.
انهيار المشاورات فرضية محتملة ،مع عدم الاستعداد لتقديم تنازلات واحتمالات بروز خلافات حول بعض الملفات المهمة في اللحظات الأخيرة، وتصلب كل طرف حول مطالبه وشروطه، وستعجز الأمم المتحدة عن اقتراح حلول وسط توافق عليها مختلف الأطراف، وبالتالي ستكون النتيجة إعلان فشل المشاورات لكن تظل إمكانية إحراز تقدم جزئي وتأجيل ملفات أخرى، بضغوط أممية واردة ، وعوضاً عن إعلان فشل المفاوضات يتم تأجيل القضايا الخلافية المعقدة مثل تسليم السلاح الثقيل وانسحاب المليشيات من المدن للتشاور فى وقت لاحق بشكل يحفظ ما تحقق من نجاح جزئي .
على الرغم من هذه الديناميكيات السلبية، يتعين على المبعوث الأممي أن يوظف هذا اللقاء الذي لن يلتقي طرفاه وجها لوجه , لبناء زخم حول خطته للتسوية في اليمن والترتيب لجولات جديدة من المحادثات . وإذا نجح فى إقناع الجانبين بالموافقة على تدابير بناء الثقة على الأقل -ومتابعتها في الأسابيع والأشهر التي تلي المحادثات- فسيكون بإمكانه أن يزعم بموثوقيةٍ، أنَّ عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة قد اكتسبت أهمية متزايدة .
اضف تعليق