مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها أطروحة مقتدى الصدر لاختيار رئيس الوزراء المقبل حين أعلن عن شروط بدت مثالية لكنها بذات الوقت تزيد طلاسم الحالة العراقية تعقيداً , إذ يصعب تحققها بالمشهد الراهن فضلاً كونها تقلل من حظوظ العبادى فى ولاية ثانية لاسيما وان بعضها لا تنطبق عليه مما أثار التكهنات حول محاولة زعيم تحالف سائرون الإطاحة برئيس الحكومة الحالي .
قائمة طويلة بمواصفات رئيس الوزراء القادم، طرحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقدما نموذجا مثاليا من الصعب تجسيده في أي من ساسة العراق الحاليين بمختلف انتماءاتهم بما فيها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.فقد وضع 30 شرطاً لتشكيل الحكومة، و40 لرئيسها ومن أهمها أن يكون رئيس الوزراء القادم مستقلاً وغير تابع لحزب معين وأن يكون من خارج أعضاء مجلس النواب، وألا يكون رئيس الحكومة المقبل من مزدوجي الجنسية أو من الذين طالتهم شبهات فساد مالي، كما اشترط الصدر على الأحزاب ألا تتدخل في عمل رئيس الوزراء القادم وأن تقوم بترشيح خمسة وزراء من التكنوقراط مقابل إعطاء الحرية الكاملة في الاختيار بين الأسماء الخمسة لرئيس الحكومة.واشترط الصدر أيضا على المرشح لرئاسة الحكومة القادمة ألا يرشح نفسه للانتخابات المقبلة وأن يعمل بعيداً عن الطائفية والعرقية.
ومن خلال تفكيك أطراف المعادلة الصدرية يتضح أن شرطاً مثل عدم ازدواج الجنسية، قد يعني ضمناً استبعاد رئيس الوزراء الحالي، وأقوى المرشحين حيدر العبادي إذ أنه يحمل الجنسية البريطانية. كما أن النقطة التى تتعلق باستقلالية رئيس الوزراء وألا يكون منتمياً لحزب سياسي تؤشر كذلك إلى إمكانية استبعاد العبادى فهو عضو بارز بحزب الدعوة ورئيس كتلة النصر .
العبادى حاول تفادى ضربة الصدر بالكشف عن استعداده لتجميد عضويته فى حزب الدعوة وليس الاستقالة حيث أعلن القيادي في حزب الدعوة علي العلاق، أن “العبادي لن يستقيل عن حزب الدعوة الإسلامية؛ لأنها تاريخ وفكر وعقيدة، لكن ممكن تجميد عضويته بالحزب بشرط إذا كانت الكابينة الحكومية وكل المناصب العليا والسيادية والدرجات الخاصة وغيرها في الحكومة المقبلة مستقلة تماماً” .
وكانت بوادر الخلاف داخل أروقة حزب الدعوة واحتمال انشقاق العبادى قد ظهرت فى وقت مبكر بسبب رفض عضو مجلس الشورى للحزب، الشيخ عبد الحليم الزهيري الذي يوصف بعراب تشكيل الحكومة، وتسمية مرشحي رئاسة الوزراء، منذ سقوط نظام صدام حسين دخول قائمة النصر، بزعامة العبادي، في تحالف الصدر؛ وذلك بسبب موقف الأخير من زعيم دولة القانون والأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي“، لاسيما وأن الصدر وافق على التحالف مع العبادي بشرط أن يعلن الأخير انسحابه من حزب الدعوة. ويعد رئيس الوزراء من رجال الخط الثاني في حزب الدعوة، وليس ضمن قيادات الصف الأول، مثل نوري المالكي والزهيري وعلي الأديب وغيرهم.
أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية والمتمثلة في ازدواج الجنسية يبدو أن هناك شبه اتفاق على تنازل العبادي عن الجنسية البريطانية باعتباره مطلباً لدى غالبية القوى السياسية خاصة في ظل وجود مسودة قانون يقضى بذلك وكان نواب عراقيون قد جمعوا مؤخرًا نحو مئة توقيع مطالبين بتشريع قانون يشترط على المرشح لعضويته التخلي عن جنسيته الثانية مؤكدين انه من من غير المقبول أن يحتفظ مسؤول بمنصبه السيادي وهو يحمل جنسية أخرى غير العراقية. وتضم قائمة الجنسية المزدوجة إلى جانب العبادى نائب الرئيس العراقي إياد علاوي ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري إضافة إلى عشرات النواب والسفراء والمسئولين الحكوميين الآخرين، فيما كان الرئيس فؤاد معصوم قد تخلى عن جنسيته البريطانية المزدوجة بعد أيام من تسلمه منصبه الرئاسي حيث أعلن في 28 ديسمبر عام 2014 تنازله عن جنسيته البريطانية امتثالا للدستور الذي يقضي بعدم جواز تعدد الجنسية للذين يتولون المناصب السيادية في البلاد
توقيت إعلان الصدر للشروط يثير علامات استفهام حول المقصود منها فقد جاءت بعد ايام من خطبة المرجعية الدينية والتى خلقت قلقاً عند من يرى نفسه مرشحاً لرئاسة الوزراء وجعلت الاختيار فيه بعض الصعوبة؛ الأمر الذي رأى به البعض محاولة من جانب زعيم سائرون للصيد فى الماء العكر والتماهي مع الخطبة والتى أنهت بشكل رسمي ,وفقا لمراقبين , حظوظ رئيس الوزراء حيدر العبادي بالحصول على ولاية ثانية. وأوضحت مصادر أن “رسائل سرية من شخصيات مقرّبة من رموز النجف الأشرف أوصلت للعبادي بأن حظوظه في تولي الولاية الثانية أصبحت ضعيفة جدا، وان خطبة الجمعة كانت بمثابة وضع النقاط على الحروف حول موقف السيستاني من بقاء العبادي في منصبه الحالي”.
المصادر نفسها أكدت أن العبادي حاول مرارا وتكرارا في الأسابيع الماضية الحصول على لقاء لغرض (الصُلح) مع السيد على السيستاني لكنه اصطدم برفض الحصول على اللقاء من قبل مكتب المرجع، رغم تدّخل بعض الأطراف السياسية الشيعية.وبينت أنه “بعد خطاب المرجعية فقد اتضح بشكل رسمي أن أبرز الأسماء المرشحة لتوّلي منصب رئيس الوزراء للحكومة المقبلة هي طارق نجم، وفالح الفياض، وهادي العامري، ومحمد شياع السوداني”.
تصريحات الناطق باسم زعيم التيار الصدر تؤشر هى الأخرى على استبعاد العبادى فقد أكد الناطق باسم زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، ان تيار الحكمة الوطني هو الأقرب لتحالف سائرون وأطراف أخرى في تشكيل الحكومة المقبلة” محذراَ في الوقت نفسه “رئيس الوزراء حيدر العبادي” وان “القوى التي ستشارك في الحكومة المقبلة وبشكل واثقون منه هي الحكمة وإئتلاف الوطنية وربما الحزبين الكرديين” مبينا “نحن نشترط على العبادي أن لا يتحالف معنا على طموح الولاية الثانية”.
وبصفة عامة يبدو” العبادى فى موقف لا يحسد عليه” فقد وجد نفسه وحيداً منعزلاً وسط الاحتجاجات عقب انصراف القوى السياسية عنه والتي بدت غير مهتمة بالوقوف إلى جواره إذ أن الإجراءات الأمنية المتشددة التي اتخذها ضد المتظاهرين وضعت سمعته السياسية على المحك وجعلتها عرضة للتآكل مما قد يؤثر على فرصته في الفوز بالولاية الثانية التي يطمح إليها. ولعل ما يزيد من تعقد موقفه حالة عدم الرضا التي تسود أوساط حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي ضد ما يوصف بسياساته المترددة.
ومع ذلك يرجح جمع من الخبراء أن طرح الصدر شروط جديدة يمكن أن يندرج فى سياق “النكاية” مع المالكى وذلك عقب التقارب الذي حصل بين رئيس “الفتح”، هادي العامري، وزعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، وانضمام حركات وأحزاب صغيرة لقائمة “الفتح”، ترأسها شخصيات سياسية معروفة بخطابها الطائفي، مثل حنان الفتلاوي.
وبالرغم من توافق الكتل السياسية على أن تلك الشروط تعجيزية وتنسف جهود تشكيل الحكومة وأنها لا تمثل سوى الصدر وكتلته التي يدعمها، وان تلك المواصفات تتطلب اختيار رئيس وزراء من أفراد الشعب العراقي وهو الأمر المستحيل تحقيقه حالياً غير أن جميعها لم تستطع إعلان رفضها للنموذج المثالي الذي طرحه حتى لا تتهم بأنها ضد الشعب، فالكتل أكدت ترحيبها وتأييدها للمبادرة لكنها لن تطبقها والكل يعلم هذا الواقع جيداً
إذ أن رؤية الصدر وفقا للتصريحات الصادرة من التيار تستهدف كسر التحالفات التقليدية في البلد، وتشكيل تحالف قادر على المضي بإصلاح أوضاع البلاد بعد حرب طاحنة ومع ذلك فالمهمة لن تكون يسيرة في الغالب وفق ما تكشفه المعطيات في العراق لاسيما وأن التحالفات ليست مبنية على رؤى وبرامج سياسية أو تفاهمات تاريخية كما يحدث في بعض البلدان، بل تكاد تكون تحالفات مصالح، وقد بُنيت العملية السياسية على هذا الأساس والآلية التي تريدها بعض القوى السياسية هي أن الكتلة الأكبر تأتي برأس الهرم (رئيس الوزراء) ويفرض كمرشح وحيد لرئاسة الوزراء وعلى الكتل التصويت له، وجرت العادة أن يتحالف الشيعة في كتلة واحدة، وكذلك غالبية السنة والأكراد، قبل أن يجري تقاسم السلطة بينهم وفق النظام المتعارف عليه بـ”المحاصصة”، إذ يتولى الشيعة رئاسة الحكومة، والأكراد رئاسة الجمهورية، والسنة رئاسة البرلمان.ويقول الصدر إن هذا النظام قاد البلد إلى أعمال العنف واستشراء الفساد.
الصخب السياسي المتزايد في العراق يؤشر إلى أن الوضع أضحى أكثر تعقيداً بعد الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار 2018،لاسيما مع إعلان الصدر حال عدم تطبيقه رؤيته فإنه سيتوجه ومعه الحزب الشيوعي إلى المعارضة، وما قد يحمله ذلك من تداعيات قوية على الشارع العراقي المشتعل ذاتياً . ومن المرجح أن تستمر البلاد في فراغ دستوري إلى أجل غير مسمى .
اضف تعليق