الرئيسية » تقارير ودراسات » هل أضحت سوريا قاب قوسين أو أدنى من الحل السياسي ؟
تقارير ودراسات رئيسى

هل أضحت سوريا قاب قوسين أو أدنى من الحل السياسي ؟

SYRIA

لاشك أنه في ضوء التطورات الميدانية بالساحة السورية يمكن الجزم بأن الأزمة بتقاطعاتها المعقدة والصعبة دخلت قسراً فى مسار الحل السياسي غير أن هذا النهج المحتمل يثير شهية  التساؤلات حول مدى جاهزية الداخل السوري ومدى استعداد القوى الإقليمية الفاعلة لتبنيه بتفاهماته القلقة  في المرحلة الراهنة

الحل عبر بوابات السياسة والتفاوض قد يمثل نقطة ارتكاز يمكن من خلالها تصحيح حالة السيولة المحتملة على مختلف الجبهات من بينها الأمني والعسكري والذي يعنى تقليل التكلفة العسكرية أو على صعيد الأزمة الإنسانية التي أفرزتها الحرب وتناثرت شظاياها لجميع دول الجوار وامتدت لتشمل الدول الأوروبية .لاسيما مع ظهور ملامح خارطة السيطرة والتي تمثلت في القضاء على  بؤر المعارضة وجيوبها العسكرية وتأمين دمشق فضلاً عن نشر القوات التركية لنقطة المراقبة رقم 12، والأخيرة، في ريف جسر الشّغور .بالإضافة إلى إجبار المليشيات الشيعية عل الانسحاب من الحاضرة وحصر تواجدها في جبل عزان .

مخرجات سوتشى كانت بمثابة نقطة الانطلاق لمحاولات المسار السياسي , وبالرغم من أن موسكو التي تتولى مهمة رسم الأوضاع  بالساحة السورية لا ترغب في الكشف عن مضمونها  على المدى المنظور غير أن التحركات على الأرض تؤشر إلى أن ثمة استحقاقات على الجانب السوري يرغب بها بوتين للمضي قدما في عملية التوافق السياسي  خاصة وان بيان  “أستانة 9”  قد أعلن أن ممثلي روسيا وإيران وتركيا سيلتقون مع ممثلي المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وأطراف النّزاع ، لمساعدة عمل اللجنة الدّستورية. ، لذا  فإن استدعاء الأسد بشكل منفرد كن هدفه  الموافقة على إرسال وفد الأمم المتحدة للعمل على صياغة الدّستور المقبل لسوريا وبحث مسارات التوافق السياسي . وقد رضخ الأسد ، وأعلن بالفعل تسمية ممثليه تمهيداً لبدء جولة من المناقشات

رسائل موسكو التي سعت خلالها إلى التأكيد على أن الوضع الميداني يسمح بالانتقال إلى العملية السياسية وتحقيق توافق سلمى ، يمكن التقاطها عبر توجيه الروس  إشارات  إلى الطرفين الأمريكي  والتركي، والذى يبدو أن الأول  قد استمع إليها جيداً  حيث سارع الجانب الأمريكي إلى اتخاذ خطوة هامة وخطيرة  وأعلن  أنه  لن يعمل على توسيع تواجده في سوريا بل أنه سيسحب قواته من شمال شرق سوريا بالرغم من  تحفظه على نتائج جولات آستانة التسعة، واعتبارها مساراً جانبياً لن يفضي إلى حلول شاملة .

أما الجانب التركي  فقد دخل في وضع “السبات”، حتى الانتهاء من الانتخابات في الأيام المقبلة. غير أنه وزير الخارجية التركي كشف منذ أيام  في حديث تلفزيوني عن توجهات بلاده بشأن سوريا حيث أكد أن بلاده معنية بالمسار السياسي إلا أنها ترى بأن بشار الأسد، لن يكون قادرًا على حكم البلاد، لأنه قتل حوالي مليون شخص. وكان “جاويش أوغلو” قد أعلن الشهر الماضي، أنّه بات من الضروري إبعاد “نظام الأسد” عن هرم السلطة في سوريا والانتقال إلى مرحلة الحل السياسي.

سيناريوهات المسار السياسي تستدعى كذلك الوقوف على الأجندات المتباينة لطرفين فاعلين في جغرافية معقدة بمستويات الصراع وأدوات التدخل الإقليمي والدولي ومدى تداعياتها على الساحة, إذ تبدو  إيران غير مطمئنة لمثل هذه التطورات وطالما عملت على إجهاض الحل السياسي فهى ترى أنه بداية النهاية لنفوذها هناك , روسيا هي الأخرى سلكت نفس الدرب من قبل  لكن كان لديها يقين بأن استمرار الأوضاع على حالها فى سوريا شبه مستحيل لذلك قررت خوض المسار السلمي بشكل يحقق استراتيجيتها للتموضع فى عمق المنطقة حتى ولو تضمن الحل السياسي رحيل النظام ,هي فقط  تهرول نحو مصالحها بغض النظر عن وجود الأسد .

إذ تعمد  موسكو  إلى أن يكون مسار آستانة السياسي مماثلاً لنظيره العسكري  والذي نجحت من خلاله في تحقيق مكتسبات هائلة  لنظام الأسد لذلك فإنها ستعمل على احتواء النفوذ السياسي لإيران في سوريا، بشكل يحول دون تحول سوريا إلى ورقة ضغط في يد الملالي  لاسيما وأن الجانب الروسي لا يزال غير مطمئناً لتوجهات الإدارة الأمريكية ولم يتضح لديه بعد ملامح سياستها في سوريا لذلك فإن موسكو تعمل على تحجيم الدور الإيراني  وبذات الوقت الاحتفاظ به كحليف يضمن لها عقد صفقات تسوية ملائمة مع واشنطن . فهي تهدف من تحجيم طهران الانفراد بالملف السوري والحصول على التأييد العربي والغربي لمشروعها السياسي هناك.

ويبدو ملف الجنوب حاضراً بقوة في مسارات العملية السياسية , ففي ظل الحرص الروسي على تثبيت انتصاراتهم في سوريا  تعتقد موسكو أن التلويح بإمكانية  انفجار الوضع في الجنوب السوري من شأنه دفع  كل الأطراف المتضررة (المعارضة والأردن وإسرائيل) للتحرك باتجاه تسوية قابلة للتطوير،تنهي حالة الركود السياسي فمع إعادة العمل باتفاق خفض التصعيد الذي خضعت له المنطقة الجنوبية بتوافق الدول الثلاث يقترب الروس من تحقيق النتيجة المرجوة  المتمثلة في استعادة الدولة لسيطرتها  على كافة المناطق وصولاً إلى الحدود مع الجولان وأيضا مع الأردن ، الأمر الذي سيعزز من مسار الحل السلمي  ويضمن انتهاء الأوضاع في الجنوب على غرار المناطق الأخرى وهذا  الأمر بالحسابات السياسية يعني الكثير خاصة فيما يتعلق بمسارات التفاوض بمنصاته المختلفة.

على الرغم من وجود حجر الأساس للسلام في سوريا خارجها غير أنه حين نتحدث عن مرحلة التوافق لابد من النظر في اللجنة الدستورية والتي ستتولى إعادة صياغة الدستور الشورى , ففي محاولة روسية – أممية لاختصار الحل السياسي بتعديل الدستور وتحديد صلاحيات الرئيس, ذكرت مصادر إعلامية أن عدد الأسماء المُرشحة للمشاركة في “اللجنة الدستورية” هو أكثر من 150 عضواً، سيتم اختيار لجنة موحّدة من بينهم، لتقوم بكتابة دستور جديد لسوريا. وقدم النظام السوري لـ “دي مستورا” وروسيا وإيران أسماء 50 مرشحاً، وستُقدّم المعارضة السورية 50 اسماً آخر، كما سيُقدّم المبعوث الأممي 20 اسماً، وستُقدّم أحزاب سورية أخرى 30 اسماً.

ورجّحت مصادر  قيام المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي مستورا باختصار العدد الكلي إلى النصف، أي 75 عضواً فيما تبقى حصّته دون اختصار “20 اسماً” لتصبح نسبة من يفرضهم دي مستورا نحو 25% من الأسماء الكلية وستبدأ اللجنة أعمالها مطلع الشهر المقبل تحت إشراف و رعاية اﻷمم المتحدة ومبعوثها الخاص دي مستورا، وستُمنح ثلاثة أشهر لإنهاء أعمالها وتقديم مسودة للدستور الجديد يخضع بعدها لموافقة دولية ثم يعرض على السوريين للاستفتاء.

اللجنة الدستورية عدها البعض مجرد مصطلح للاستهلاك السياسي هدفه الأول العبور بالخطة الروسية لبر الأمان والتي ترمى من ورائها إلى تصفية المعارضة عسكرياً وسياسياً وإعادة إنتاج النظام  لاسيما وأن موسكو والنظام يتشاركان بقناعة واحدة  مفادها عدم تحريك الحل السياسي قبل إنجاز السيطرة العسكرية الكاملة، بما في ذلك مناطق تخضع حالياً للوجود التركي أو الأميركي

وفى حين يعتقد النظام وفقا لتصريحات رئيسه بشار الأسد بأن أسوأ ما في الحرب قد بات وراء ظهره غير أن النخب الأمنية السورية التي وحدت صفوفها ونحت الخصومات الشخصية والقبيلة التي يحفل بها إرثها التاريخي جانباً ,قد تشكل تهديداً جديداً لبشار الأسد ,فالتوترات والصراعات فيما بينها قد تطفو على السطح مجدداً لاسيما مع وجود نخب جديدة تابعة للنظام  مثل “قوات النمر“ و”قوات الدفاع الوطني” و”قوات الدفاع المحليةوقد يطالب قادة تلك التنظيمات بحصتهم في السلطة . كما أن جيوب المتمردين قد تشكل عائقاً أمام استتباب أمن النظام فمن غير الواضح حتى الآن إذا كانت التوافقات السليمة حال تحققها ,ستؤدي إلى فترة مطولة من الهدوء

على الصعيد الدبلوماسي يبدو أن الصفيح الساخن في سوريا  بدأ يبرد تدريجيا في ظل موافقة ضمنية من واشنطن على التحركات الروسية لكن  يظل المستقبل شائكا بشقيه السياسي والدستوري ما لم يقترن بآلية  فعالة تتضمن حل مشاكل النازحين  وإقصاء أسباب التوتر والصراع القومي أو الطائفي والتي حولت الأطراف السورية سواء المعارضة منها أو النظام إلى مجرد أدوات في أيدي اللاعبين الكبار