الرئيسية » رئيسى » هل حان الوقت لكي يدخل الجيش على خط الأزمة فى الجزائر ؟
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

هل حان الوقت لكي يدخل الجيش على خط الأزمة فى الجزائر ؟

أفراد من الجيش الجزائري
أفراد من الجيش الجزائري

فى تحد صارم لموجة الاحتجاجات الرافضة لبقائه سياسياً يعود الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر اليوم بلاده لخوض غمار المنافسة على العهدة الخامسة وسط توقعات بمزيد من الغليان بالشارع مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية مما يتطلب تدخل المؤسسة العسكرية لضمان استقرار البلاد .

إذ أن “سنوات الجمر” التى عاشتها الجزائر فى التسيعينات من القرن الماضى تقتضى دخول  الجيش على خط أزمة ترشح بوتفليقة  , حيث تشير مصادر أمنية أوروبية إلى أن  مجموعات مختلفة داخل المؤسسة العسكرية تبحث حالياً مسألة خلافة بوتفليقة وإمكانية طرح  مرشح بديل يحظى بقبول محلى ودولى .لاسيما وأن الإصرار على ترشح بوتفليقة فى ظل  استمرار مسيرات الرفض وانتشار الدعوات لتنفيذ إضراب واسع قد يفضى إلى دخول البلاد إلى منعطف خطير وحدوث انفجار بات وشيكاً.

قد يكون سيناريو تدخل الجيش الجزائري لضبط الأوضاع في البلاد أحد الحلول المطروحة ، حال  تصميم بوتفليقه على  الترشح  لولاية خامسة، واندلاع فوضى في الشارع واستمرارالتظاهرات بما يهدد الدولة الجزائرية مما سيرفع من كلفة الاحتواء على الصعيد الأمنى  . لذلك ينبغى على المؤسسة العسكرية اتباع سياسة الهروب للأمام و اتخاذ خطة استباقية تتمثل فى استجابة سريعة مبكرة  لنداء الشارع الغاضب وبدء مرحلة انتقالية يرسمها الجيش والقوى السياسية  لتفادى الاحتمالات المتزايدة باندلاع الفوضى والعنف لاسيما مع وجود بعض تيارات الإسلام السياسي  والتى تسعى إلى تفجير الأوضاع وسكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة بالأساس , ولعل فيما حدث فى عام 2013 فى بعض دول المنطقة وعلى الأخص مصر,  درس وعظة  يمكن للجيش الجزائرى الاستفادة منها  وإعادة إنتاج النموذج المصري وذلك عندما تولى الجيش زمام الأمور بغية الحفاظ على الدولة وتهيئة البلاد لانتقال سلس وسريع للسلطة .

إذ أن الاستجابة المؤجلة  لمطالب المحتجين,من شأنها إضفاء هالة من الغموض على المشهد الساخن وتضع مستقبل البلاد على المحك فى ظل اتساع رقعة التظاهرات .لاسيما وأن عودة بوتفليقة  تزامنت مع الإعلان عن إضراب جزئي  في العاصمة الجزائر ومدن أخرى، استمراراً للحراك الاحتجاجى المعارض  لترشحه , وكانت   طائرة حكومية جزائرية قد هبطت  في مطار كوينترين بجنيف، ويعتقد أنها ستحمل الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر مجدداً

تطورات الأحداث فى الجزائر تصدع  بعدة سيناريوهات متحملة ترسم خارطة السلطة فى البلاد خلال الفترة المقبلة إذ أن الرئيس الذى دخل فى طور اعتكاف المرض على الأرجح سيواجه أنصاره  من السياسيين  ورجال الدولة مأزقاً صعباً  لاسيما وأن كبار رجال الدولة وبعض المؤسسات السيادية باتت على يقين بأن ساعة بوتفليقة قد اقتربت  و أن مهمته السياسية شارفت على الانتهاء .

لذا فإن الرئيس بوتفليقه والذى سيكون قد بلغ من العمر 82 سنة بحلول 18 أبريل القادم أمامه عدة خيارات ولعل أقربها إلى الواقع  هو الخروج المشرف حيث ينسحب بمقتضاه في نهاية المطاف , بذريعة تردى أوضاعه الصحية ،إذ  أن حجم الرفض الشعبى  لترشحه لن يترك مجالا للسلطة سوى بسحب الترشح، ضمن تسوية سياسية قد يجري إعدادها الآن خلف الكواليس , خاصة وأن الشارع اعتبر تعهده بإجراء انتخابات مبكرة فى يناير المقبل مجرد مناورة الهدف منها ربح المزيد من الوقت .

وتذهب بعض التحليلات إلى أنه في ضوء حالة التشظى الراهنة  حول الانتخابات الرئاسية القادمة لايمكن  للمؤسسة العسكرية بالجزائر , فى كل الأحوال ,ترك الساحة ومنظومة الحكم خالية  والتى قد تلجأ  إلى الدستور لتفعيل المادة 102 التي تنص على أن منصب رئيس الجمهورية يُعتبر شاغرًا في حالة وجود مانع صحي يحول دون أدائه مهامه الدستورية، وبعد أن يتم التأكد من حقيقة هذا المانع بكافة الوسائل المتاحة، يجتمع المجلس الدستوري ليبلغ البرلمان بثبوت المانع، وتشير المادة في باقي فقراتها إلى أن رئيس مجلس الأمة يتولى رئاسة الدولة بالنيابة لمدة لا تزيد عن 45 يومًا بعد إعلان البرلمان ثبوت المانع، وفي حالة استمرار مرض الرئيس يتم تنظيم انتخابات رئاسية جديدة بعد 90 يومًا.

ومع أن هذا السيناريو هو الأسلم للحفاظ على استقرار الجزائر,تلوح فى الأفق فرضيات أخرى من بينها إرجاء الاستحقاق الرئاسي لمدة عام ، والذى سيكون بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس لدى مؤسسات الدولة الجزائرية والقوى السياسية لإعادة ترتيب صفوف البيت وامتصاص غضب المتظاهرين لكن هذا السيناريو أيضا يحتاج إلى ضمانات قوية من الجيش والبرلمان لأن احتمالات قبول الشارع الجزائرى به تبدو ضئيلة .

التعقيدات بالمشهد الجزائرى  دفعت القوى الدولية إلى مراقبة الأحداث عن كثب  لاسيما فرنسا  والتى تحظى الجزائر لديها بخصوصية أشد داخل المغرب العربي حيث تمثل مجالاً استراتيجيا حيويا لباريس على الصعيدين الاقتصادى والأمنى , فضلاً عن الروابط التاريخية بين البلدين , لهذا يدعم الأليزية بشدة انتقالًا سلسًا  للسلطة وترى أن الجيش والبرلمان أبرز الضامنين لاستقرار البلادر بتلك المرحلة الانتقالية، والتي يمكن من خلالهما تجاوز مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة.إذ أن ما يجري في الجزائر له صلات مباشرة ووقع قوي في فرنسا التى يقيم بها  4 ملايين شخص من أصل جزائري وسيكون لأي اضطراب في بلادهم  تداعيات مباشرة عليها لاسيما فيما يتعلق بتدفق جيش من اللاجئين باتجاهها عبر شواطئ البحر المتوسط

مخرجات الدور الفرنسى أفضت كذلك إلى تحرك الولايات المتحدة على طاولة الأحداث والتى تدعم تعاظم حالة الرفض في الشارع الجزائرى بما يعنى دفع البلاد إلى مستنقع الفوضى فى سيناريو أقرب لفورات الربيع العربى التى شهدتها العديد من دول المنطقة فى عام 2011 والتى انعكست بتصريحات  المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو حيث علق :”نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك”وتابع بالادينو أن “الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي”.

و لاينفصل الدعم الأميركي الحثيث لموجات التظاهر الجزائرية عن التوترات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين والتى تبدو واضحة للعيان , إذ يغذى الموقف الأميركي تباين وجهات النظر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إزاء العديد من  القضايا السياسية المختلفة والتى  بلغت حد وصف  العلاقات بين الجانبين بأنها على صفيح ساخن , لذلك تسعى واشنطن إلى استغلال الوضع الراهن بغية الضغط على حلفائها فى أوروبا عبر تحفيز مخاوفهم من أن يفضى تدهور الأوضاع  فى الجزائر إلى موجات من الهجرة غير الشرعية وما يترتب عليها من إرتباك بالمشهد الأوروبى , فضلاً عن إمكانية تصعيد بديل يمثل تهديداً للمصالح الفرنسية هناك . لدى أوروبا تحديات كبرى فيما يتعلق بعلاقاتها السياسية والاقتصادية والدفاعية، وحتى الوجودية، مع الولايات المتحدة الأميركية

المخاض السياسي فى الجزائر يأتى فى وقت حرج تعيشه البلاد والتى تواجه هشاشة أمنية فى محيطها الأقليمي المباشر تتمثل بالأوضاع فى كل من ليبيا ,مالى ,النيجر وتونس فضلاً عن الخلافات داخل أروقة السلطة حول الشخصية التى تصلح لخلافة الرئيس فهل ستتمكن أركان الجيش من التوافق حول مرحلة مابعد بوتفليقه وإعادة ترتيب صفوف البيت الجزائري وكذلك نزع فتيل التوتر من الشارع وتهدئته أم أن الوقت قد فات بالفعل ؟ .. الرهان لايزال معقودا