يطرح السؤال السابق نفسه في أعقاب استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) الشهر الماضي ضد قرار للأمم المتحدة يهدف إلى منع سباق التسلح النووي في الفضاء الخارجي. ودعا القرار، الذي رعته الولايات المتحدة واليابان، الدول إلى الامتناع عن تطوير أو نشر أسلحة نووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء، وهي محظورة بالفعل بموجب معاهدة عام 1967. وشككت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد في دوافع روسيا، قائلة إنها إذا كانت تلتزم بالقواعد، فينبغي لها أن تدعم القرار.
وفي الأسبوع الماضي، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن القمر الصناعي الروسي المسمى كوزموس 2543، والذي كان مصدر قلق مستمر خلال السنوات القليلة الماضية. تدعي روسيا أن القمر الصناعي مخصص لاختبار الإلكترونيات، إلا أن مداره غير المعتاد ومستويات الإشعاع المرتفعة أثارت الشكوك. ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن يكون كوزموس 2543 جزءًا من جهود روسيا لإنشاء سلاح نووي للفضاء، ومن المحتمل أن يستهدف الأقمار الصناعية ويعطل أنظمة الاتصالات والملاحة والمراقبة. وحتى الآن، لا تزال هذه القدرة غير منتشرة ولا يوجد تهديد فوري. ومع ذلك، فإن الوضع يستدعي استمرار المراقبة والتحليل لفهم نوايا روسيا وقدراتها بشكل كامل فيما يتعلق بالأسلحة الفضائية.
ومما يزيد المخاوف الغربية حقيقة أنه في أغسطس 2022، بعد ستة أشهر فقط من البداية الكارثية لموسكو في حرب أوكرانيا، أجرت روسيا اختبارًا مضادًا للأقمار الصناعية. وشمل ذلك إطلاق صاروخ نجح في تدمير أحد أقمارها الصناعية. وكان ذلك مهمًا لأنه كان أول اعتراض رسمي لروسيا باستخدام نظامها الحالي المضاد للأقمار الصناعية، المعروف باسم نودول.
على عكس اختبارات الصواريخ السابقة، أثرت هذه المهمة على هدف حقيقي، وهو قمر صناعي سوفييتي قديم يسمى كوزموس 1408. ويشكل الحطام الفضائي الناتج تهديدًا لرواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية. إن الآثار التكنولوجية لهذا الاختبار تسلط الضوء على قدرات روسيا في حرب الفضاء وتؤكد الحاجة إلى الرصد والتحليل المستمر لمثل هذه الأنشطة. وهنا أيضاً لا بد من القول إن الولايات المتحدة والصين والهند وإسرائيل أجرت تجارب مماثلة. ومع ذلك، فإن آخر اختبار أمريكي مماثل كان في عام 2008، وبعد ذلك تم حظر هذه الممارسة.
وبالعودة إلى التصويت في الأمم المتحدة، انتقد السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا القرار ووصفه بأنه “سخيف ومسيس”. واقترح تعديلاً لحظر جميع الأسلحة في الفضاء، وهو ما رفضته الولايات المتحدة بدوره. وفي حين صوتت 13 دولة لصالح القرار الأميركي الياباني الأولي، عارضته روسيا وامتنعت الصين عن التصويت.
وسلطت الولايات المتحدة الضوء على العواقب الكارثية لأي انفجار نووي في الفضاء، بما في ذلك تدمير الأقمار الصناعية الحيوية. وتعلم جميع الأطراف أيضاً أن التدمير الكامل، كما هو الحال مع الأسلحة النووية على الأرض، قد يكون استجابة غير متكافئة من جانب روسيا للحفاظ على مصالحها وحمايتها. وهذا بدوره يخدم الصين في مواجهة التحديات التي تواجهها مع الولايات المتحدة.
وشددت كل من روسيا والصين على ضرورة فرض حظر شامل على الأسلحة الفضائية. والحقيقة هي أن الثقة لم تعد موجودة في المعادلة، سواء على الأرض أو في الفضاء. فالولايات المتحدة لا تثق بروسيا أو الصين، والعكس صحيح أيضاً. في تلك البيئة، سيكون المنطق هو حظر الأسلحة الأكثر خطورة، وهذا ما يفسر الاقتراح الأمريكي. وحدث الشيء نفسه خلال الحرب الباردة.
والجدير بالذكر أن معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية لعام 1963 تحظر إجراء تجارب الأسلحة النووية “أو أي تفجير نووي آخر” في الغلاف الجوي والفضاء الخارجي وتحت الماء. وتلا ذلك اتفاقيات أخرى، وعلى مر العقود، وقعت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقيات مختلفة للحد من الأسلحة لإدارة التنافس بينهما والحد من مخاطر الحرب النووية. وأدى ذلك إلى معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 1987، والتي سمحت بإزالة الصواريخ النووية متوسطة المدى في أوروبا. على الرغم من أن معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية لم يكن لها تأثير كبير، إلا أنها كانت تهدف إلى إنهاء تلوث البيئة بالمواد المشعة وكانت خطوة مهمة في الحد من الأسلحة خلال الحرب الباردة.
ومن ثم، فإن هذا يثير التساؤل حول سبب توقف العديد من هذه الاتفاقيات عن العمل. علاوة على ذلك، لماذا يحدث كل هذا في الفضاء الآن؟ لماذا يتصاعد التوتر في الفضاء الخارجي بقدر ما يتصاعد على الأرض؟ هناك عدة إجابات. أولاً، خلال الحرب الباردة، كان التفوق الفضائي يرمز إلى تفوق كل جانب أيديولوجياً وتكنولوجياً. واليوم، تعد الأقمار الصناعية والفضاء عنصرين أساسيين في دفاع الدول وأمنها.
ثانياً، أدى تطور الأنشطة التجارية في الفضاء ذات قدرات الاستخدام المزدوج إلى تغيير المصالح الديناميكية والمهمة التي يمثلها الفضاء في الاقتصاد. تخيل تدمير الأقمار الصناعية لنظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الصناعية مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) – ستكون الخسارة الاقتصادية بالتريليونات. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل مواقع المرافق، مما يؤدي إلى أحداث كارثية.
العامل الحاسم الأخير هو القمر وما يمثله لمستقبل اقتصاد الفضاء. أثار الاهتمام المتجدد باستكشاف القمر والخطط الواضحة للمستوطنات منافسة شديدة بين الدول والمنظمات. وتعكس خطة الصين وروسيا لإنشاء قاعدة قمرية مشتركة ومهمتي أرتميس 2 وأرتميس 3 التابعتين لناسا السباق العالمي لإنشاء موطئ قدم على القمر. ويجب أن نذكر أيضًا طموحات الهند.
إن طبيعة الاستخدام المزدوج للفضاء تنطوي على خطر المواجهة العسكرية. ومن ثم، تلعب اتفاقيات أرتميس، وهي إطار دولي لاستكشاف القمر بقيادة الولايات المتحدة، دورا حاسما في توجيه التعاون والأنشطة المستدامة على القمر. وقد رفضت الصين وروسيا هذا الإطار.
إن سياسات الفضاء الخارجي تعكس الجغرافيا السياسية. وفي ظل التطبيقات الملموسة، قد لا يصبح الفضاء الحدث المنتشر كما حدث أثناء الحرب الباردة مع معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية، بل الحدث المشعل. ومن ثم، فمن المهم إيجاد سبل لإعادة بناء الثقة وتجنب الصراعات. وهذا يبدو أصعب من علم الصواريخ.
المصدر:عرب نيوز
اضف تعليق