أدى الغياب الأميركي عن الملف السوري، وانكفاء الولايات المتحدة على محاربة تنظيم “داعش” إلى توجه دولي يسلم ب”الأمر الواقع” وهو القبول ببقاء الأسد في الحكم، والتضحية بالمعارضة السورية، وجاءت هذه النتائج بسبب الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية الأميركية ،والتى عكست نوعا من التخبط ،وأدت إلى الوقوع في “الفخ ” الروسي.
لاشك أن أميركا تتحمل المسؤولية كاملة في منح نظام بشار الأسد قبلة الحياة بعد أن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة ،فما هى تفاصيل الأخطاء الأميركية التي أطاحت بالمعارضة السورية ؟
يرى الكاتب الأميركى جوش روجين، أن فريق الرئيس دونالد ترامب، قام بتكرار نفس أخطاء إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، فى سوريا.
مشيرا إلى أن أوباما وكيرى ارتكبا أخطاءً كثيرة، منها أن جهود واشنطن لتدريب وتسليح المعارضة اتسمت بضعف التنفيذ، بل ودفعت إلى التدخل العسكرى الروسى عام 2015، علاوة على أن إدارة أوباما، تخلت عن أولوية السعى إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ثم بدأت فى العمل مع روسيا لصالح تفعيل وقف اطلاق النار على أن هذا الأمر يوفر أفضل أمل لوقف المذابح فى سوريا”.
واعتبر الكاتب الأميركى، أن “ترامب”، ربما لا يملك فعلا خيارات كثيرة فى التعامل مع ملف سوريا،غير أن إدارته كانت تستطيع عدم تكرار أخطاء “كيرى”، التى تمحورت على التفاوض مع روسيا دون ممارسة أى ضغوط، ولذلك فإن قرار ترامب، بوقف برنامج ال”سى أى ايه” لتدريب وتسليح بعض جماعات المعارضة السورية التى تحارب الأسد يعتبر قصير المدى، على حد قوله.
وختم الكاتب، “إن ترامب، عليه أيضا عدم تكرار الخطأ الثانى الذى ارتكبته إدارة أوباما، والذى دار حول السماح للأسد وإيران بتوسيع مناطق نفوذهما.
وبالاضافة لرأي جوش روجين فإن الخبراء الاستراتيجيون يؤكدون أن الولايات المتحدة فشلت في أدارة الأزمة السورية بالشكل المناسب، خاصة على الجانب العسكري، وأن هذا الفشل أسهم في تعزيز موقف نظام الأسد الضعيف، ومنحه العديد من الامتيازات، حيث عملت الولايات المتحدة جاهدة لمنع وصول أسلحة متطورة لقوات المعارضة، وعلى رأسها الأسلحة المضادة للطيران، والتي كانت ستسمح للمعارضة المسلحة في منتصف عام 2013 من حسم المعركة عسكرياً ضد نظام الأسد أو على الأقل قللت من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين الناتجة عن قصف الطيران للمدن والقرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة، بالإضافة إلى ذلك لم ترد الولايات المتحدة على الهجوم الكيماوي في الغوطة الشرقية بما يتناسب مع هذا الجرم.
وكانت أكبر أخطاء الولايات المتحدة هو الفراغ الذي خلقته، والذي سمح لروسيا بالتدخل بشكل مباشر لصالح نظام الأسد، كما أن تجاهلها لخطر المليشيات الإيرانية ،والتركيز فقط على المليشيات المتطرفة، مثل جبهة النصرة، سمح بتمدد النفوذ الإيراني في سوريا.
هذه الأخطاء أدت لخسارة المعارضة للكثير من المناطق، وأعطت النظام قدرة كبيرة على الوصول إلى مناطق كانت عصية على قواته سابقاً، وبالتالي تحقيق انتصارات عمل النظام جاهداً على الترويج لها على أنها باسم الدولة السورية، وإعطاء صورة أن الدولة السورية قائمة ، وأن الجيش السوري يحارب ما يصفهم ب “الإرهابيين” ويستعيد الأراضي السورية، في حين اكتفت الولايات المتحدة بقتال تنظيم “داعش”، ورفضت طلب قوات المعارضة بالحصول على الدعم الكافي لقتال النظام.
ومن الأخطاء الأميركية الأخرى أيضا ، طلب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من فصائل الجيش السوري الحر في البادية السورية بالانسحاب نحو الأردن، وتسليم المنطقة للقوات الروسية، والتهديد بشكل صريح بقطع الدعم عن هذه الفصائل في حال الرفض، كما أن التحالف سمح لقوات النظام بالتوسع في البادية السورية وصولاً إلى الحدود العراقية، ومدينة دير الزور، والسيطرة على آبار النفط والغاز، مما قطع الطريق أمام قوات الجيش الحر بالتقدم نحو دير الزور.
وكشفت مصادر مطلعة خريطة توزيع الدعم العسكري الأميركي للقوى المناهضة للرئيس الأسد، مؤكدين أنها تتكون من عنصرين: الأول هو “وكالة الاستخبارات المركزية”، التي ساعدت “الجيش السوري الحر” ،وغيره من الجماعات، التي تنضوي تحت مسمى عام هو “المعارضة السورية”.
أما العنصر الثاني فهو “دائرة الاستخبارات في البنتاغون”، التي تساند “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تتكون أساسا مما يسمى وحدات حماية الشعب الكردية في شمال البلاد.
وقد أثبتت التجربة العملية للأميركيين أن خيار مساعدة الكرد أكثر إثمارا، لأن الجيش السوري الحر والبنى المرتبطة به يقع تحت سيطرة تركيا، وبالتالي ليس من مغزى للأميركيين في تحمل تكاليفه. وأصبح هذا الشيء مفهوما منذ زمن.
أما في ما يتعلق بما يسمى “الجيش السوري الجديد” الموجود في جنوب-غرب البلاد، فانه كان يتلقى الدعم الحقيقي من قبل الحكومتين الأردنية والسعودية، ويقتصر الأميركيون على دعمه لوجستيا فقط”.
وقد تغيرت هذه الخريطة بعد أن تخلت الدول الفاعلة في الملف السوري عن المعارضة جزئيا ،وسلمت بخيار بقاء بشارالأسد،كطرف في معادلة الصراع ، بل وصل الأمر إلى مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، ستيفان دي مستورا الذي قال “يجب على المعارضة أن تبدأ التفكير بواقعية، كما عليها أن تدرك أنها لم تربح الحرب”.
بل نقلت صحيفة “واشنطن بوست مؤخرا استنادا لمصادر مطلعة أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قرر إغلاق البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية لتسليح المعارضة السورية، ما قد يدل على تغير جذري في سياسته بسوريا.
بما يعني أن هنالك تخبطا يجري في كواليس السياسة الخارجية الأميركية، حيث يرى البعض ، أن ترامب ينزلق إلى ” فخ روسي”، ناهيك أن إغلاق البرنامج السري يعكس اهتمام ترامب بإيجاد سبل للعمل المشترك مع روسيا، التي تعتبر هذا “البرنامج المناهض للأسد ضربا لمصالحها”.
كل هذه التطورات على المستوى الدولي تعني زوال أي تهديد جدّي لحكم بشار الأسد، ويبدو أنه تمكن من قراءة هذه التطورات، وبدأ بخطوات عملية لإظهار أن الدولة السورية قائمة، وأن الأزمة السورية تتجه نحو النهاية.
كما أن تغير موقف الدول التي كانت معارضة لوجود الأسد وتطالب برحيله في بداية الأزمة يعكس رغبة المجتمع الدولي في إعادة ترميم صورة الأسد ،وتقديم بقائه في الحكم كحل واقعي للصراع السوري، تاركين الشعب السوري وحيداً في مواجهة نظام قمعي، بعد أن كانت هذه الدول مقتنعة أن الأسد هو أساس المشكلة ،وبقائه في الحكم يزيد من تأزّم الوضع السوري والقتل والتدمير والتهجير، وأي حل للأزمة السورية مرهون بمغادرة سدة الحكم ،حيث أكد المراقبون السياسيون أنه ما إن تسنح أي فرصة في الصراع السوري فإن الأميركيين سينتهزونها للإطاحة ببشار الأسد.
اضف تعليق