أقل من استقالة وأكثر من موقف خرج به رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من جلسة مجلس الوزراء الطارئة التي عقدت برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان, صباح أمس, بعد اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن.
لكن الاستقالة المعلقة برغبة رئاسية الى حين انتهاء جولة مشاورات سيجريها سليمان مع أركان هيئة الحوار الوطني, التي تضم جميع الزعماء, لن تحتوي مفاعيلها ثورة الغضب الشعبي العارم التي حولت مناطق عدة الى قنابل موقوتة في ضوء الظهور المسلح ولا سيما شمالاً, وقطعت أوصال الوطن بإقفال الطرق الرئيسية بين المحافظات, فيما تصاعدت موجة الصخب بأبعادها الواسعة على مستويين داخل قوى "14 آذار":
الأول سياسي مع اعلان التمسك باستقالة الحكومة وتسليم "حزب الله" المتهمين الاربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ودعوة اللبنانيين جميعا الى المشاركة اليوم في تشييع اللواء الحسن رفضاً لاستهداف شعب يناضل من اجل حريته وكرامته ورفع الصوت الغاضب في وجه الرئيس السوري بشار الاسد "والنظام الاسود" الذي يحكم سورية بقوة النار والدمار ويريد تصدير الدم والخراب الى لبنان, بحسب بيان ممثلي قوى "14 آذار".
أما المستوى الثاني فشبابي مع بدء المنظمات الشبابية والطالبية في قوى "14 آذار", مساء أمس, اعتصاماً مفتوحا الى حين اسقاط الحكومة, ردا على الجريمة, قرب تمثال الشهداء في ساحة الحرية وسط بيروت, وتنظيم مسيرات كبداية لمقاومة سلمية مدنية اجتماعية لبقاء لبنان الحر والمستقل.
ووسط انكشاف الساحة اللبنانية أمنيا والواقع الداخلي على مختلف الاحتمالات, عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة امتدت على مدى ساعات, أطل بعدها ميقاتي ليعلن عزمه على الاستقالة مع تعليقها نزولاً عند رغبة رئيس الجمهورية تمهيداً لإجراء جولة مشاورات مع أركان هيئة الحوار, وليربط في شكل غير مباشر بين الاغتيال بحد ذاته واكتشاف مخطط الوزير السابق الموقوف ميشال سماحة, إضافة الى قرار مجلس الوزراء احالة الجريمة الى المجلس العدلي واعطاء كافة داتا الاتصالات للأجهزة الأمنية, وتحويل جهاز فرع المعلومات الى "شعبة".
وقال ميقاتي للصحافيين اثر الجلسة الطارئة لمجلس الوزراء "أكدت لفخامة الرئيس عدم تمسكي بمنصب رئاسة الوزراء وضرورة النظر في تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة".
واضاف "أعرف ان طائفتي (السنية) تشعر بانها مستهدفة, لذلك اقول لها أنني استغني عن هذا المنصب او غيره, وقد تحدثت لرئيس الجمهورية عن كل الهواجس التي امر بها".
وأعلن ان سليمان طلب منه التروي "وقال يجب ان ننظر الى المواضيع الوطنية ولا يجب أن ندخل لبنان في فراغ".
وقال ميقاتي ان رئيس الجمهورية "طلب فترة زمنية معينة لكي يتشاور مع اركان هيئة الحوار الوطني. لذلك علقت اي قرار الى حين يأتيني رد الرئيس على تصور معين".
واضاف ردا على اسئلة الصحافيين "لن أداوم في السراي الحكومي, وألغيت جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الاثنين" المقبل, مشيرا في المقابل الى انه سيحضر "اي جلسة استثنائية لمجلس الوزراء".
وعبر ميقاتي عن أسفه لتحميله شخصيا مسؤولية اغتيال الحسن من قبل قوى "14 آذار", وقال "لم اشعر في اي يوم انه (الحسن) تابع لفريق سياسي بل كان يتعامل بمهنية صافية".
واضاف "ليس الموضوع حكوميا, بل هو موضوع وطن ونحن حريصون على وحدة الوطن وحريصون على كل ما يؤدي الى استقراره وامنه".
وإذ اعتبر أن لبنان "يمر في لحظات صعبة وأنه في عين العاصفة", ألمح ميقاتي بشكل ضمني إلى وقوف النظام السوري وراء الجريمة, حيث ربط بين اغتيال الحسن وبين كشفه مخطط النظام السوري لتنفيذ تفجيرات في لبنان بواسطة الوزير السابق الموقوف ميشال سماحة, قائلاً "بعد ما حصل من اكتشاف المتفجرات, لا بد لأي تسلسل منطقي الا ان يربط بين الامرين".
إلى ذلك، دعت قوى "14 آذار" جميع اللبنانيين إلى المشاركة اليوم في تشييع الشهيد اللواء وسام الحسن في ساحة الشهداء, وسط بيروت "للدفاع عن وطنهم ومستقبلهم".
وقال عضو "كتلة المستقبل" النائب نهاد المشنوق, في كلمة عقب اجتماع لقوى "14 آذار", ظهر أمس, "ليكن غداً (اليوم) يوماً للتعبير في ساحة الحرية عن الغضب بوجه القاتل بشار الاسد".
وأضاف "إن هذا الاغتيال يمهد الطريق لإغتيال كل الأحرار في لبنان, بل لاغتيال الوطن بكامله, وإننا أمام لحظة مصيرية إما السقوط وإما تحمل المسؤولية".
ودعا اللبنانيين الى "عدم النأي بأنفسهم عن حماية الوطن" و"الى ان يكون غداً في ساحة الحرية يوماً للأحرار".
وطالب المشنوق بـ"استقالة الحكومة وبتسليم "حزب الله" المتهمين بإغتيال الرئيس رفيق الحريري, وبمؤازرة القوات الدولية التابعة للامم المتحدة للجيش اللبناني بهدف ضبط الحدود السورية وحمايتها".
واضاف ان اليوم "سيكون رفضاً للحكومة ولسياسة التغطية على المجرمين وتوفير البيئة السياسية لهم ولعمليات الاغتيال".
وخلال اجتماع طارئ عقدته ليل أول من امس بحضور غالبية اقطابها, طالبت قوى "14 آذار" الحكومة "بالرحيل" داعية رئيسها "الى تقديم استقالته فورا".
وحملت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "شخصياً, بالدور الذي ارتضاه لنفسه, مسؤولية دماء العميد الشهيد وسام الحسن ودماء الأبرياء الذين سقطوا في الأشرفية".
كما حملت "الحكومة مجتمعة المسؤولية السياسية والأخلاقية الكاملة للمخطط الرامي لضرب الاستقرار ومن ضمنه هذه الجريمة النكراء".
بدوره, وجه رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري, في كلمة عبر الهاتف, الدعوة إلى جميع اللبنانيين للمشاركة في تشييع الشهيد الحسن اليوم.
وقال أن "وسام الحسن وسام على صدر كل لبنان الذي لن ينسى دمه ولن يخونه", مشيراً إلى أنه "وسام على صدر بيروت التي عاش فيها مع رفيق الحريري وحماها حتى أغمض عيناه".
وتوجه إلى اللبنانيين بالقول: ان "كل واحد منكم مدعو للمشاركة في ساحة الشهداء للصلاة على وسام الحسن الذي حمى لبنان من مخطط شار الأسد, أنتم أبطال التحرك السلمي والمدني والديمقراطي, لا تغلقوا الطرقات وافتحوها ليصل اللبنانيون إلى ساحة الشهداء".
وشدد على أن "من قتل وسام الحسن لن يقدر أن يقتل لبنان والله يرحم كل شهداء لبنان".
في غضون ذلك, دعا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الحكومة إلى الاستقالة "فوراً", مشيراً إلى أن "علةَ وجودها الوحيدة حصراً, وبادعاء فرقائِها بالذات, وهي تأمينُ الاستقرار, قدِ انتفت كلياً, مع اغتيال اللواء وسام الحسن وكل محاولات الاغتيال والأحداث الأمنية التي سبقتها".
ودعا جعجع "بعض من هم أصحاب كرامة وعزة في هذه الحكومة, وبالأخص وزراء "التقدمي الاشتراكي", إلى الاستقالة فوراً, تحملاً للمسؤولية, ولعدم الاستمرار في تغطية واقعٍ مجرمٍ سفاحٍ, أصاب البارحة مقتلاً في البلد, ويهدد بالأعظم بعد في حال الاستمرار بتغطيته".
كما طالب جعجع "من المجتمع العربي والدولي تحمل مسؤولياته تجاه الشعب اللبناني وحقِّه في السيادة والاستقرار برفع الغطاء عن هذه الحكومة التي فقدت مبرر وجودها", داعياً إلى "تعليق كل الاتفاقات الأمنية والعسكرية والقضائية مع سورية, وطرد السفير السوري في لبنان فوراً, والمطالبة بتطبيق القرار 1701 كاملاً عبر نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية- السورية".
ومن ساحة الشهداء حيث شارط في الاعتصام المفتوح مساء أمس, أعلن النائب مروان حمادة أن "14 آذار لن تخطئ هذه المرة وستكمل المشوار لاسقاط رموز النظام السوري في لبنان وسنكون ثورة مدمرة لآل الأسد".
من جهته, أكد عضو كتلة "الكتائب" النائب سامي الجميل أن لبنان بات في "مواجهة مفتوحة" مع سورية "لا مجال للوسطية" فيها, فيما اعتبر أمين عام "تيار المستقبل" احمد الحريري أن الحكومة الحالية "لم تغطي هذه الجريمة وحسب بل هي شريكة فيها", مشيراً إلى أن تعليق رئيسها نجيب ميقاتي استقالته هو "تذاكي لكي يبرد غضب اللبنانيين ولتمرير مفاعيل الجريمة".
اضف تعليق