كشف رضوان عيارة كاتب الدولة التونسي المكلف بالهجرة أن حوالي 25 ألف شاب هاجروا بطرق شرعية خلال السنوات الخمس الماضية، مشددا على أن ظاهرة الهجرة السرية تستوجب بناء علاقة ثقة بين الدولة والشباب الذي انسدت أمامه الآفاق نتيجة التهميش والبطالة وباتت قوارب الموت الخيار الوحيد أمام الآلاف من الشباب الحالم بالرفاه.
وقال عيارة إن غالبية المهاجرين غير الشرعيين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و25 سنة مشيرا إلى أن الحكومة تمكنت من تخفيض المهاجرين إلى 800 بفضل التعاون مع دول الجوار غير أنه أقر، في المقابل، بأن العدد يبقى مرتفعا في تونس التي تراهن على الشباب باعتباره ثروتها البشرية.
وإزاء انسداد الآفاق واستفحال اليأس والإحباط وعدم الثقة في المستقبل تحولت الهجرة السرية عبر قوارب الموت باتجاه السواحل الجنوبية الإيطالية إلى حلم الآلاف من الشباب التونسي.
ودعا عيارة مختلف الجهات المعنية بالشباب إلى وضع خطط وبرامج إستراتيجية تكون كفيلة بتأطير الشباب سياسيا واجتماعيا وتوفر له مواطن الشغل ومقومات التنمية والعيش الكريم خاصة في المناطق الداخلية.
وتسعى تونس إلى فتح قنوات حوار مع الشباب بهدف الإصغاء إلى مشاغله وتشخيص واقعه ومن ثمة محاولة تقديم حلول لمشكلاته، إذ انطلقت منذ بداية أكتوبر تشرين الأول ثلاثة منابر لـ”الحوار المجتمعي حول الشباب وقضايا وينتظر أن تنهي أشغالها في الـ13 من نوفمبر تشرين الثاني سواء على المستوى الوطني أو في عدد من البلدان الأوروبية منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وكلم سنيم بن عبد الله الأخصائي الاجتماعي يشدد على أن أي حوار مع الشباب لن يقود إلى نتائج إيجابية ما لم يتم وضع آليات عملية وخطط إستراتيجية من شأنها أن تقدم الحلول وفي مقدمتها التشغيل والتنمية بما من شأنه أن يبني علاقة ثقة بين مؤسسات الدولة وشباب يشعر بالحيف”.
ورغم أن التشغيل يعد من أولويات الحكومات المتعاقبة غير أن تونس فشلت في توفير مواطن الشغل لحوالي مليون عاطل ما جعل نسبة البطالة تصل في بعض المناطق إلى حوالي 60 بالمئة ثلثهم من حاملي الشهادات الجامعية العليا في اختصاصات دقيقة بما فيها الطب والهندسة.
ومما عمق حالة التهميش والشعور بالحيف الاجتماعي هو الفشل الذريع الذي منيت به الأحزاب السياسية في استقطاب الشباب حيث لا تتجاوز نسبة مشاركته في الحياة العامة سوى نسبة بالمئة نتيجة غياب برامج وخطط موجهة لمعالجة مشاغله والتعاطي مع تطلعاته بناء على حاجياته المعيشية لا بناء على أجندات الأحزاب وخطابها الأجوف.
ويرى بن عبد الله أنه يجب معالجة ظاهرة الهجرة السرية في إطار مقاربة شاملة توفر الإحاطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية بمختلف فئات الشباب بما في ذلك المدرسي والجامعي مطالبا “الدولة بتحمل مسؤوليتها وعدم المراهنة على الأحزاب السياسية التي لا تمتلك أي رؤية ناجعة للتعاطي مع قضايا شباب متعلم وطموح يتطلع إلى الحد الأدنى من الرفاه والعيش اللائق”.
وأظهرت دراسة أعدها مركز الدراسات الاجتماعية حول الهجرة السرية أن 77 بالمئة من الشباب التونسي يجاهر بأن حلمه يتمثل في الهجرة خاصة إلى البلدان الأوروبية منها إيطاليا وفرنسا وإلى عدد من البلدان الخليجية.
ويقول 73 بالمئة أنهم “على ثقة بأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية ستتحسن في حال الهجرة فيما لم يتردد 68 بالمائة في التأكيد على أن الهجرة باتت “الحل الأمثل للخروج من مشاكله وتحقيق طموحاته”.
وتحولت الهجرة السرية في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى ظاهرة اجتماعية مؤرقة يؤمنها عادة أصحاب قوارب الموت الخشبية مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 3000 دينار و5000 دينار، ما بين 1500 و2500 دولار للفرد الواحد.
وينحدر حوالي 80 بالمئة من المهاجرين السريين من الجهات المحرومة ومن الأحياء الشعبية الفقيرة المتاخمة للعاصمة.
ويشدد الخبير عبد الرحمان الهذيلي إن نتائج أكثر من دراسة بشان مؤشرات الهجرة السرية كشفت عن معطيات في منتهى الخطورة تتمثل أساسا في أن 18 بالمئة من المهاجرين من حملة الشهادات الجامعية و22 بالمئة من التلاميذ والطلبة و10 بالمئة من الفتيات.
وفي قراءة لما بعد الهجرة السرية قال سليم بن عبد الله إن أكثر من 90 بالمئة من المهاجرين غالبا ما يصطدمون بما لم يحلموا به في البلدان الأوروبية التي تعاني هي نفسها أزمات هيكلية ما يجعلهم عرضة لتهميش أمر وأعمق إضافة إلى أن الكثير منهم يتحول إلى لقمة سائغة إما لشبكات المخدرات أو للجهاديين.









اضف تعليق