نشرت مجلة "تايم" الاميركية مقالا تحليليا للصحافي ايشان ثارور، في الذكرى الثانية للثورة السورية على نظام الاسد مشيرة الى اعلان الامم المتحدة ان عدد القتلى نتيجة استخدام كل وسائل القتل بما فيها المفعية والطيران الحربي وصل الى 70 ألفا خلال 24 شهرا من سفك الدماء، اضافة الى تشريد اكثر من مليون سوري من ديارهم الى مخيمات اللاجئين.
ويستند ثارور الى متابعة شركة اقمار اصطناعية اميركية لتلك الحرب المدمرة من خلال رصدها لتطوراتها باحدث تقنيات التصوير
وجاء بتحليله "نظرا لموقع سوريا الجيو سياسي فان المجتمع الدولي حاول عبثا وضع حد لحرب خشية ان تخترق الحدود في المنطقة. ويُنظر الى المعارضة السورية على انها غير منظمة ومتنافرة، فيما وضعت وزارة الخارجية الاميركية احدى الفصائل الثوار الرئيسية على القائمة السوداء لاعتبارها ان لها علاقات ارهابية. ولا يرى سوى قلائل ان تدخلا عسكريا حاسما، مثل الغزو الاميركي المثير للجدل في العراق قبل عشر سنوات، خيار عملي.
ولكن بينما يدور الجدل في المجتمع الدولي حول افضل الطرق لتسليح الثوار واحلال السلام، فان التوافق السياسي الهش، والحلول الوسط الضمنية، والصفقات المريبة بين النخب، وشبكات الرعاية والدعم – التي تربط عرى الدولة السورية برئاسة الاسد – انفرط عقدها. وعلى خارطة العالم تظل سوريا دولة مستقلة. ولكنها في واقع الامر تحولت الى ساحة قتال تتصارع فيها اقطاعيات طائفية، ومجموعات حرب عصابات، وميلشيات متطرفة، وعصابات اجرامية ونظام يتعلق باهداب مصادر قوة وشرعية متناقصة.
ان من الصعب سبر اغوار تفكك اي بلد، في اي سياق. الا ان بالامكان توثيق ذلك. اذ قامت شركة "ديجيتال غلوب"، وهي شركة اقمار اصطناعية تجارية تعمل على توفير صور عالية الجودة للكرة الارضية، بمتابعة الحرب السورية مستخدمة تكنولوجيتها. وفي بعض الحالات، تمكنت من مقارنة واقع الدمار الحالي في سوريا بالحالة العادية التي كانت عليها البلاد قبل عشر سنوات. والاختلاف مذهل: فهناك ضواح كانت تعج بالحياة في مدن تاريخية مثل دمشق وحمص وحلب، اضحت خرابا يبابا. وحولت قذائف المدفعية مزارع الحنطة وحقول الزيتون الى اراض مليئة بالحفر. وتقول "ديجيتال غلوب" ان لديها صورا التقطها الاقمار الاصطناعية تبين خنادق طويلة حفرت في الارض لتكون قبوراً جماعية.
ولدى هذه الشركة خمسة اقمار اصطناعية تدور حول الكرة الارضية الان، وتلتقط صورا عالية الجودة لاغراض مختلفة. وبامكان الات التصوير فيها ان تقرب الصور لدرجة انها تبين زجاج السيارة الامامي. ويقول ستيفن وود، ناب رئيس "ديجيتال غلوب" التحليلية، انه امكنهم مراقبة حملة العنف "الممنهجة والقريبة الاهداف" التي يشنها نظام الاسد ضد معاقل المنشقين.
وفي حي بابا عمرو في مدينة حمص، وهو حي قصفته القوات الحكومية بلا هوادة السنة الماضية، راقبت "ديجيتال غلوب" حصول الدمار في وقت حقيقي. ويقول وود: "كان بامكاننا ان نرى بوضوح ادلة على تصاعد دوائر الدخان من موقع للمدفعية ووقع القذائف في الاماكن المستهدفة على مسافة ابعد". ويقول جو بيرموديز، كبير المحللين في "ديجيتال غلوب اناليتيكس": "رأيناهم في الواقع وهم يقصفون بابا عمرو. ويدل مستوى الدمار على استخدام اسلحة ثقيلة. والمعارضة لم يكن لديها اسلحة من ذلك العيار". وادى الهجوم الحكومي في شباط (فبراير) 2012 هناك الى موت الصحافية ماري كولفين (مراسلة صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية) والمصور الفرنسي ريمي اوتشليك. وكان وليام دانيلز، وهو مصور صحافي فرنسي ارسل في مهمة لـ"تايم"، محوراً ايضاً في بابا عمرو وقد انجز سجلاً مصوراً لمحنته جعلته "تايم" قصة غلافها.
واشار دبلوماسيون اميركيون وجماعات دولية لحقوق الانسان الى ابحاث "ديجيتال غلوب" في الصور المتعلقة بسوريا في تحليلاتهم للصراع المستمر. ويعتقد وود ان دقة تكنولوجيتهم المعتمدة على الاقمار الاصطناعية تمثل مرحلة جديدة في تغطية الحروب. ويقول: "الصناعة التي ننتمي اليها يمكنها القاء ضوء من الشفافية على الصراعات المعاصرة لم يشهده العالم من قبل".
وفي حقبة الهواتف الذكية، صرنا معتادين على صور الاقمار الاصطناعية. اذ ان الخرائط المصورة ترشدنا يومياً. ونحن نشغل "غوغل ايرث" بصورة عملية يسيرة. ويجعل هذا تغطية "ديجيتال غلوب" لخرائط الحرب السورية اكثر اثارة للقشعريرة. وعندما ننظر الى كوكبنا من فوق، نعتبر محتواه البشري امراً مفروغاً منه. ولكن الحال ليس كذلك في ما يتعلق بسوريا. ويقول بيرموديز الذي راقب الحرب من مقر شركته في كولورادو: "اانها تجربة مؤثرة بالنسبة الي كمحلل وكفرد. انك تدرك تدريجيا مدى ضخامة هذا الحدث – وتدرك ايضاً مدى فداحة المعاناة الانسانية".









اضف تعليق