الرئيسية » رئيسى » المصالحة الفلسطينية.. مؤشر على نجاح القاهرة وفشل قطر وعزلة تركيا
تقارير ودراسات دراسات وتحليلات رئيسى

المصالحة الفلسطينية.. مؤشر على نجاح القاهرة وفشل قطر وعزلة تركيا

جاء اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه بين حماس وفتح برعاية مصرية ليضع حدا لعشر سنوات من الانقسام الفلسطيني، وكما يرى بعض المراقبين أن هناك تحديات كبيرة تقف حجر عثرة في طريق الاتفاق بسبب الملفات المعقدة واختلاف وجهات النظر بين الجانبين.

لكن هذه التحديات يمكن التغلب عليها بعد أن سعت القاهرة إلى تقريب وجهات النظر ،وخاصة أن مصر هي المحرك الرئيسي وراء إجراء المحادثات، وقد اغتنمت الفرصة الناتجة عن التحوّلات في صفوف “حماس” والتوترات داخل حركة “فتح”لتفرض حلولا للأزمة يقبل بها الجميع.

وما يحفز القاهرة هو الرغبة في منع العناصر في غزة من دعم إرهابيي سيناء، الأمر الذي يساهم في استقرار القطاع ،ويؤكّد من جديد على دور مصر الريادي في الملف الفلسطيني قبل حصول تطورين وشيكين: الاستئناف المحتمل للمحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية بقيادة الولايات المتحدة ، ونقل الحكم إلى خلف عباس الذي لا يزال مجهول الهوية،وإن كان محمد دحلان هو الأقرب للعب هذا الدور.

وتتشارك القاهرة أيضاً هدفاً واحداً على الأقل مع دولة الإمارات ألا وهو تقويض دور قطر وتركيا في غزة.

وبالنسبة إلى “حماس” أدّت التغييرات الداخلية الأخيرة على مستوى القيادة إلى نقل مركز الثقل إلى مسؤولين أقل انسجاماً مع مصالح الدوحة وأنقرة وأكثر حساسية تجاه مسائل مرتبطة بغزة مما أدى إلى فشل قطر وعزلة تركيا ، وتقزم دورهما في الملف الفلسطيني .

وكانت الوساطة القطرية والتركية قد فشلت في التوصل إلى وقف إطلاق نار موات لصالح الحركة بعد حرب “حماس” مع إسرائيل عام 2014، لذلك خلص قادة الحركة المتمركزون في غزة إلى أن العنصر الرئيسي لتحسين الوضع في القطاع يكمن في القاهرة “.

وتعزّزت هذه القناعة في وقت سابق من هذا العام عندما فرض عباس سلسلة من الإجراءات العقابية على القطاع، مما حضّ “حماس” على التوصل إلى تفاهمات بوساطة مصرية مع عدوها السابق – ومنافس عباس الحالي – محمد دحلان.

ونظراً إلى ارتياب عباس من “حماس” ومصر على حد سواء، بدا أنه راض عن مواصلة تصعيد الضغوط على “حماس” وغزة إلى أجل غير مسمى.

ومع ذلك، فإن إصرار مصر على إرساء الاستقرار في القطاع واستعدادها الواضح والمعلن في بحث الأمر مع دحلان إذا دعت الحاجة لذلك، تركا الرئيس أبومازن أمام خيارين إما الإنخراط أو مواجهة التهميش.

وتجلت جهود مصر القوية والاستباقية لإبرام الاتفاق الجديد بوضوح في خطابات الدعم التي أدلى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي والمشاركة الشخصية لمدير المخابرات خالد فوزي.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت القاهرة بعثة إلى غزة لمراقبة وتسهيل تطبيق الاتفاق، ومع ذلك، تواجه مصر العديد من التحديات الأمنية الخاصة بها التي قد تحوّل انتباهها بعيداً عن المصالحة الفلسطينية، وسيحدد مدى قدرتها على المحافظة على انخراطها العميق مصير هذه العملية.

وكانت الرغبة في إبقاء دحلان خارج العملية إحدى دوافع عباس الرئيسية للمشاركة في جهود المصالحة الأخيرة، إلا أن دحلان سبق أن ضمن دوراً له من خلال التوسط في اتفاق لتزويد غزة بالوقود المصري حين قطع عباس الكهرباء عن القطاع.

كما وعد دحلان بجلب مشاريع تنمية مموّلة من الإمارات إلى القطاع، وهو يقود حالياً جهود “المصالحة الاجتماعية” – أي دفع تعويضات لأسر القتلى خلال المواجهات بين “حماس” و”السلطة الفلسطينية” عام 2007، ولا يزال بعض قادة “فتح” يحاولون الحد من دوردحلان من خلال الإصرار على مرور كافة المساعدات المخصصة إلى غزة عبر “السلطة الفلسطينية”، لكن من المستبعد أن تذعن مصر – الحليف الوثيق لدولة الإمارات – لهذا المطلب، رغم أن استعداد عباس لقبول دور يلعبه دحلان سيكون مهماً في نجاح المصالحة أو فشلها.

وبناء على ذلك يمكن القول إن هذه الجولة من المصالحة الفلسطينية قد أحرزت تقدّماً أكبر من سابقاتها بسبب تزامنها مؤقتاً مع مصالح مصر و “حماس” وانعدام الخيارات الأخرى لعباس.

ورغم أن العملية قد بدأت للتو، إلا أنها تواجه العديد من العقبات، وفي ظل الظروف المناسبة والصحيحة، وبضغوط مصرية مستمرة، يمكن تجاوز بعض تلك العقبات، مثل تحديد دور مقبول لدحلان وممارسة قدر من السيطرة من قبل “السلطة الفلسطينية” على البيروقراطية في غزة.

ولن تكون هذه الخطوات بمثابة إنجازات صغيرة، لأنها قد تساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، والحدّ من احتمال تجدد الصراع مع إسرائيل، وتمهّد الطريق أمام تلقي القطاع المزيد من المساعدة الدولية – وهو هدف محدد لإدارة ترامب.
وهناك سيناريو متفائل للغاية قد يتمثل بحصول مصر و “فتح” على موطئ قدم في غزة، وإذا ما توافرت الإرادة والمهارة اللازمتان – سوف يخفف ذلك في النهاية من قبضة “حماس” على القطاع، إلا أنه لا يجب تفسير أي من هذه السيناريوهات على أنه وحدة بين الحركتين، فلكي تتحقق هذه، يجب أن تتخلى “حماس” عن قدراتها المسلحة، وهي فكرة غير مطروحة حالياً.

وقال محللون إن من المرجح أن يصمد هذا الاتفاق أكثر من الاتفاقات السابقة في ظل تزايد عزلة حماس وإدراكها لمدى صعوبة حكم وإعادة إعمار قطاع غزة ،والذي تعثر اقتصاده بسبب الحصار الحدودي ،ودُمرت بنيته التحتية بسبب الحروب مع إسرائيل.

وساعد تعميق المشاركة المصرية، التي يعتقد أنها بدعم من السعودية ودول عربية أخرى، في إتمام الاتفاق.

وتأمل الحركتان أن يشجع نشر قوات تابعة للسلطة الفلسطينية بقيادة فتح على حدود غزة كلا من مصر وإسرائيل على رفع القيود المشددة على المعابر الحدودية وهي خطوة تحتاجها غزة بشدة لإعادة إحياء اقتصادها.

ورغم التفاؤل الكبير الذي يكلل هذا الاتفاق ، فإنه ليس سهلاً تحقيق نجاح كامل للاتفاق، غير أن الأفق ما زال متاحاً لاختراقات جزئية على مستوى تشكيل الحكومة، وتوحيد الكيان السياسي الفلسطيني وسيظل أَمرُ توسيع دائرة النجاح مرهوناً بصدق الإرادة الفلسطينية للفصائل وتغليبها للمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

ورجح خبراء ان ينجح الاتفاق في حلّ مشكلة الحكومة وتوحيد الكيان السياسي، لكنه قد يخفق في التعامل مع ملفات معقدة مثل الأمن ومنظمة التحرير والانتخابات.

والسيناريو المرجح في ضوء المعطيات الحالية هو تحقيق اتفاق جزئي وهو إن تمّ سيكون تقدماً هاماً وحيوياً على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية ،وعلى صعيد القضية الوطنية،وما يدعو للاعتقاد بإمكانية نجاح هذا السيناريو

وحتى تتحول المصالحة إلى واقع فإن الأمر يتطلب العديد من القرارات والإصلاحات الصعبة التي تشمل أخذ خطوات فورية لتنظيم الانتخابات التشريعية وإصلاح قطاع الأمن وتوظيف الموظفين المدنيين الذين تعينهم حماس، وتجديد إمدادات الكهرباء لقطاع غزة ، وفتح المعابر الحدودية.