ما زالت ليبيا عالقة في أزمة انتقالية بلا حل قابل للاستمرار في المدى المنظور، رغم توقيع اتفاق سياسي قبل عام لإنهاء الفوضى والانقسامات العميقة بين طرفي النزاع.
وتعكس عملية خطف ثم قتل محمد مفتاح اشتيوي رئيس بلدية مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية، حجم الفوضى المستمرة، فيما تستمر مأساة مئات آلاف المهاجرين جراء هذه الأزمة حيث يعيش الكثير منهم جحيما على أبواب أوروبا.
في ديسمبر/كانون الأول 2015 أدى توقيع اتفاق سياسي بمنتجع الصخيرات المغربي بإشراف الأمم المتحدة إلى تشكيل حكومة وفاق وطني وإنعاش الآمال بعودة تدريجية إلى الاستقرار.
لكن هذا الاتفاق الذي فشلت جميع محاولات تعديله أدى إلى تعزيز الانقسامات، بحسب خبراء.
وقالت فيدريكا سايني فاسانوتي من مؤسسة بروكينغز في واشنطن “أعتقد أنه لم يقدم البتة حلا حقيقيا”، معربة عن اسفها “لخسارة وقت قيم لأن الاتفاق لم يلق في أي وقت اعترافا من الشعب الليبي”.
ولم تلق حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن الاتفاق اجماعا منذ دخولها طرابلس في 30 مارس/اذار 2016 وما زالت عاجزة عن فرض سلطتها في أنحاء واسعة في البلاد ما زالت خاضعة لعشرات الفصائل المسلحة.
كما أن خصومها طعنوا في شرعيتها على أساس أنها تولت مهامها بدون الحصول على ثقة البرلمان المنتخب في 2014 والذي يتخذ من طبرق شرق البلاد مقرا، وفق ما ينص عليه اتفاق الصخيرات.
وتعثرت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج والمدعومة من الأمم المتحدة وفشلت في تثبيت أقدامها في ظل غياب الاجماع عليها وعجزها عن وضع حد لانفلات السلاح من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة ثانية.
وسبق أن تعالت أصوات محلية ودولية بضرورة تعديل اتفاق الصخيرات بما يضمن تشكيل حكومة موسعة تضم كافة الليبيين، مؤكدة في الوقت ذاته على أهمية دور قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وأنه رقم لا يمكن تجاهله في معادلة الاستقرار بليبيا.
وقد يزداد ضعف هذه الحكومة مع انتهاء تفويضها في 17 ديسمبر/كانون الأول. ونص اتفاق الصخيرات على تشكيل هذا الجهاز التنفيذي لولاية من عام قابل للتمديد مرة واحدة.
في الأسبوع الحالي اعتبر حفتر أن تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول يشكل “منعطفا تاريخيا خطيرا” إذ “تنتهي فيه صلاحية ما يسمى بالاتفاق السياسي لتفقد معه كل الأجسام المنبثقة عن ذاك الاتفاق بصورة تلقائية شرعيتها المطعون فيها منذ اليوم الأول من مباشرة عملها”.
لكن سايني فاسانوتي اعتبرت على العكس أن انتهاء تفويض حكومة الوفاق لا يغير الكثير، معتبرة أنها “لم تكن في أي وقت لاعبا سياسيا فعليا في ليبيا”.
أما حفتر الذي نجح في اعادة الاستقرار لشرق ليبيا والقضاء على الجماعات المتطرفة وتهيئة مناخ اعادة الاعمار وتمكين مؤسسات الدولة من استعادة زخمها، فيتهمه خصومه بالسعي إلى السلطة واقامة ديكتاتورية عسكرية في البلاد.
ويقول مسؤول في حكومة السراج إنه يريد استغلال فرصة حلول أجل التفويض لمحاولة “السيطرة بالقوة، لكن تهديدات وجهت إليه مباشرة من جهات في المجتمع الدولي أثنته عن ذلك”.
وكان حفتر قد أعلن الأحد تعرضه “لتهديدات بإجراءات دولية صارمة” اذا تجرأ على اتخاذ مبادرات خارج الإطار الذي رسمه المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
كما اعتبر مجلس الامن الدولي أن اتفاق الصخيرات هو “الاطار الوحيد القابل للحياة لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا” في انتظار انتخابات مقررة في 2018.
واعتبر ايساندر العمراني مدير فرع شمال افريقيا في المجموعة الدولية للأزمات أن الحديث عن سعي حفتر للسيطرة على الحكم بالقوة، أمر يفتقد للمصداقية، مشيرا إلى أن قائد الجيش الليبي لا يملك “قوة أو دعما كافيا” للسيطرة على مجمل أراضي ليبيا.
وكان العمراني يشير على ما يبدو إلى أنه لا أحد يمكنه ادارة ليبيا خارج التوافق وأن الأمر يقتضي حل الأزمة السياسية والوصول الى صيغة توافقية بين أطراف الأزمة.
ويسعى الموفد الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة إلى اجراء انتخابات في 2018 تنفيذا لخطة العمل التي عرضها في سبتمبر/ايلول في نيويورك، لكن محللين يشككون في فرص نجاح هذه الانتخابات.
واعتبرت سايني فاسانوتي أنها “قد تكون سلاحا ذو حدين لأنها قد تفاقم الانقسامات بين الخصوم”، مضيفة “لست واثقة بأنه الحل الأفضل حاليا”.
واعتبر العمراني أنه “من دون تحسين العلاقة بين حفتر والغرب ولا سيما مصراتة، سيصعب تنظيم انتخابات ذات مصداقية”.
لكن الجامعي الليبي محمد القطعاني أشار فقط إلى حلين متوافرين للأزمة الليبية، “فإما أن يقبل الجميع بخطة سلام، وإما بحل عسكري يرتسم بين قطبي النزاع، أي قوات حفتر من جهة وقوات مصراتة من جهة أخرى”.
اضف تعليق