الرئيسية » تقارير ودراسات » “الانغماسيون ” .. رهان الورقة الأخيرة لـ”داعش”
تقارير ودراسات رئيسى

“الانغماسيون ” .. رهان الورقة الأخيرة لـ”داعش”

“انغماسيو ” داعش أو ما يطلق عليه الجيل الرابع من الانتحاريين بات يشكل قلقاً إضافياً , إذ تؤشر الضغوط التي يتعرض لها داعش بسبب تزايد وتيرة العمليات العسكرية ضده والتي تشنها القوى الدولية والإقليمية في كل من العراق وسوريا إلى أن آلية الانغماسيين ,الكتيبة الأكثر تأثيراً في حرب تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد خصومه, سوف تتزايد خلال الفترة المقبلة

العراق أولى الدول التي تخشى انتكاس أوضاعها الأمنية على أيدي الفصيل الداعشى  لاسيما مع بروز توترات جديدة بالساحة السياسة ناجمة عن رفض فرقاء السلطة نتائج الانتخابات الأخيرة  . فبالرغم من الإعلان فى ديسمبر من الماضي  عن تحقيق انتصار عسكري بالقضاء على تنظيم الدولة في العراق , لكن فيما يبدو أن  تصريح رئيس الوزراء العراقي حينها كان يفتقر للدقة الكافية .

إذ أنه بعد أشهر معدودة عاود التنظيم تسجيل حضوره من خلال بعض العمليات الخاطفة والتى يتولى تنفيذها “الانغماسيون”  وتظهر المعلومات الاستخباراتية إلى أن  شبكة التسلل لعصابات داعش الإرهابية قائمة من شرق حوض دجلة وحوض حمرين وتلالها ومن العظيم وجبل خانوكة ومكحول والبادية، وهي منطقة واسعة من الثرثار إلى جنوب صحراء الحضر والبعاج وصولاً إلى القائم، بالإضافة إلى أودية جنوب حوض الفرات والقذف وحوران والأبيض .

وحذر الجنرال الأمريكي مايك ناغاتا أن آلاف المقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي هربوا من المناطق التى خسرها التنظيم فى سوريا والعراق وهم الآن مستترون فى المناطق التى لجأوا إليها، و من أن هؤلاء المقاتلين يمكن أن يعودوا ويشكلوا خطرا جديدا يشبه تماما خطر داعش لاسيما مع وجود عناصر انغماسية بينهم .

خلايا داعش سجلت زيادة في تحركاتها في المناطق الصحراوية وسط العراق، بعد العثور على جثث سبعة من رعاة الأغنام من بين ثلاثين شخصا خطفوا من عشيرة شمر. وفى نهاية يونيو الماضي سيطر داعش لساعات على أجزاء من مدينة البوكمال في شرق سوريا إثر هجوم عنيف شنّه باستخدام الانتحاريين والانغماسيين.إذ تشير التقارير إلى وجود ما يقارب 700 مقاتل من (داعش) مستنفَرين للقتال داخل الأراضي العراقية في محافظتي نينوى وصلاح الدين فقط، ويعيشون بصورة مستقرة في (مضافات) موزعة داخل حدود هاتين المحافظتين ويقومون بأنشطة إرهابية بالتواصل مع قواتهم من داخل سوريا.

وفى سوريا أعلن التنظيم عن تبنى هجوم انتحاري أوقع 14 قتيلا من قوات الجيش السوري وفصائل المعارضة على حد سواء، فى محافظة درعا جنوبى سوريا  وبالرغم من أن هذا التفجير الانتحارى  الذى من المرجح قيام  “فصيل خالد بن الوليد” المبايع للتنظيم  بتنفيذه , هو الأول الذى يستهدف قوات الجيش السورى منذ بدء العملية العسكرية فى درعا غير أن يحمل دلالات واضحة على أن آلية استخدام الانغماسيون قد تتزايد فى الساحة السورية ايضاً

لجوء داعش لاستخدام الانغماسيين ليس بظاهرة جديدة حيث زج التنظيم لأول مرة بما بات يعرف بالجيل الرابع من الانتحاريين أثناء معارك استعادة صلاح الدين التي خاضها الجيش العراقي ضد مقاتليه فى عام 2015 . وحرص التنظيم  منذ بداية عام 2016، على تغيير تكتيكاته المعتادة التي اعتمد فيها على التفجيرات، ليبدأ في شن هجمات نفذها “انغماسيون”، على غرار الهجمات التي وقعت في العاصمة العراقية بغداد، في 11 يناير 2016، وأسفرت عن مقتل وإصابة نحو سبعين شخصًا.

كما انخرطوا في المعارك مع قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة لها في حي جوبر الدمشقي في 20 مارس 2017، ، وتمكنوا من الوصول إلى كراج العباسيين، كما استخدمت “هيئة تحرير الشام”، التي تضم “جبهة فتح الشام” وبعض الفصائل الأخرى، “الانغماسيين” في الهجوم على المربع الأمني التابع للنظام السوري في مدينة حمص، فى فبراير 2017، وهو ما أسفر عن مقتل 42 من قوات النظام، وأشارت الهيئة حينها  إلى أن “عدد الانغماسيين الذي اقتحموا مبنى أمن الدولة والأمن العسكري وصل إلى خمسة”.

مستوى العمليات الإرهابية التى يقوم “الانغماسيون”  بتنفيذها بلغ ذروته فى العامين الأخيرين. فوفقا لموقع «أعماق» التابع لتنظيم «داعش»، فإن فرق تلك الخلية الداعشية  نفذت ما بين 50 إلى 60 عملية شهريا في الربع الأول من 2017، مقابل ما بين 80 إلى 100 عملية شهريا فى 2016 أغلب هذه العمليات فى سوريا عند الحواجز التي تسيطر عليها بعض الأطراف المناوئة للتنظيم، سواء قوات النظام السوري أو الميليشيات الحليفة له.

البدايات الجنينية لظاهرة الانغماسي  شهدتها الحقبة الجهادية المعاصرة أو ما يعرف اصطلاحاً بالحرب الأفغانية السوفيتية حيث ظهر المسمى أثناء العمليات القتالية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2001 واستحدثه تنظيم القاعدة ليكون مقابلاً لقوات “الكوماندوذ الأمريكي”. وفى أعقاب سقوط بغداد عام 2003 عاود الظهور مجدداً وتم استخدامه لوصف بعض عناصر القاعدة التي تنفذ عمليات انتحارية .وإثر اندلاع النزاع في سوريا واشتباك تنظيم القاعدة والجماعات الموالية له في معارك مع نظام الأسد استخدم المصطلح بكثافة ليعبر عن فئة جديدة من الانتحاريين .

“كل انغماسي هو انتحاري وليس العكس”  إذ تحرص أدبيات التنظيمات الجهادية على التفريق بشكل واضح بين الفئتين من المقاتلين فبالرغم من أن كلاهما ينال مكانة متميزة داخل تلك الجماعات ، غير أن الانغماسي يحظى بدرجة أعلى من الانتحاري , نظراً لكونه يخوض معركة سابقة عليه أن يُنجز خلالها مهامًا متعددة قبل أن يقدم على تفجير نفسه في حالة ما إذا تطلب المر ذلك , إذ لا يشترط أن ينفذ “الانغماسي” عملية انتحارية في نهاية مهمته، وربما يسعى إلى التنكر في زى العناصر المناوئة له بغرض استهداف بعضهم في مرحلة معينة, ويعرف وفق مفاهيم الدواعش بأنه من يغمس نفسه فى صفوف العدو أثناء المعركة، وهو المقاتل الأكثر اندفاعًا، حيث يقوم بتنفيذ عمليات الاقتحام للنقاط الاستراتيجية والمحصنة للعدو، يرتدون ملابس مماثلة لملابس العدو، ويحاولون التطابق معهم فى المظهر، فيحلقون اللحى والشعر إذا لزم الأمر، فيما تعنى هذه التسمية تقريبًا ما يُطلق عليه “كتائب الاقتحام”، أو “القوات الخاصة” فى الجيوش النظامية.، فيما تتبلور مهمة  “الانتحاري” فى تفجير نفسه في أحد التجمعات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، ولا يشترط امتلاكه قدرات بدنية أو قتالية على غرار “الانغماسي.

الانغماسيون يختلفون كذلك عن باقي الأجيال الأخرى من الانتحاريين فى قدراتهم وبنيتهم الجسمانية حيث يجب أن تتوافر به عدة شروط من بينها أن يحظى بقدر عال من القوة  واللياقة البدنية العالية،  فضلًا عن تمتعه بالشجاعة وعدم التردّد، إضافة إلى الولاء المطلق وغير المشروط للتنظيم  ويتواجد داخل تنظيم الدولة  مفرزة من الانغماسيين، يقدمون أنفسهم، ويسجلون أسماءهم في هذه الكتائب، ويتم اختيار المقاتلين في فرق “الانغماسيون” بعد سلسلة من الاختبارات البدنية والقتالية والنفسية تتضمن تدريبات عسكرية ثقيلة لاكتساب مهارات الاقتحام والقنص بالتزامن مع خضوعهم لجلسات دينية مكثفة تهدف إلى تعميق العقيدة الداعشية داخلهم

وبالرغم من عدم احتواء بيانات التنظيم على معلومات واضحة حول حجم ونمط الأسلحة التي يحملها الانغماسى  على أساس أن الأولوية لمقومات العنصر الشخصية غير أن هناك دراسات تؤكد أنه أغلب الأمر يستخدم أسلحة خفيفة لكن بالمعارك الكبرى قد يشترك حاملاً أسلحة ثقيلة  تضاهى بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف الذخيرة التي يحملها المقاتل العادي  .

كتيبة الانغماسيين لا ينحصر تواجدها بساحات المعارك والعمليات الخاطفة ولكنها تنشط أيضاً فى مجال التكنولوجيا والاتصالات السرية إذ تضم بين أفرادها  نخبة هندسية وعقول متطورة قادرة على فك الشفرات المختلفة بل ومتابعة الاتصال عبر الأقمار الصناعية  بمهارات استخباراتية عالية .

الانغماسيون يشكلون حجر الزاوية في  حروب الجيل الرابع والتى تحمل أبعاداً نفسية بامتياز ,إذ يلعب الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً بها ,فإلى جانب نجاح العنصر الانغماسي في تنفيذ عمليات واسعة وإلحاق خسائر بالخصم  يمكن للتنظيم  كذلك الاستفادة منها عبر تحقيق صدى إعلامي  والترويج لانجازاته على الأرض والتي من شأنها رفع الروح المعنوية لدى العناصر المقاتلة .