الرئيسية » رئيسى » هل أصبحت باكستان المزود الأمني الجديد للشرق الأوسط؟
تقارير ودراسات رئيسى

هل أصبحت باكستان المزود الأمني الجديد للشرق الأوسط؟

الهجمات الإسرائيلية على الدوحة في التاسع من سبتمبر شكّلت نقطة تحوّل في حرب إسرائيل على غزة، إذ أوضحت أن حتى الشركاء المقربين من الولايات المتحدة لم يعودوا بمنأى عن التوسّع الإسرائيلي المتزايد. وبينما واجهت واشنطن أزمة مصداقية في المنطقة، كانت باكستان تتفاوض مع السعودية على اتفاق أمني إقليمي جديد يهدف إلى إشراك أطراف أخرى في حماية أمن دول الخليج.

لطالما جمعت بين باكستان والسعودية علاقات وثيقة، لكنها لم تصل إلى اتفاق دفاعي رسمي حتى الآن. تمتلك باكستان تاريخًا طويلاً في إرسال قواتها إلى السعودية لأغراض التدريب والمشاركة في القتال، وأبرز مثال على ذلك مشاركتها عام 1979 أثناء حصار مكة. كما أن لباكستان خبرة في نشر قواتها خارج حدودها، ما يجعلها خيارًا عمليًا لمثل هذا الدور الإقليمي.

بطبيعة الحال، لم يكن اتفاق بهذه الضخامة ليحدث دون موافقة ضمنية من إدارة ترامب. ومع أجندتها القائمة على مبدأ “أميركا أولًا”، أظهرت الولايات المتحدة عدم رغبتها في مواصلة دورها كـ”رقيب إقليمي”، خاصة مع دعمها القوي للمشروع التوسّعي الإسرائيلي.

وقد وُجّهت دعوة إلى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش والمشير عاصم منير لزيارة البيت الأبيض، في خطوة تعكس دفئًا غير مسبوق في العلاقات الثنائية. وبالنسبة لباكستان، تمثل هذه التطورات فرصة طال انتظارها: فهي تضع إسلام أباد في موقع شريك فاعل في العالم الإسلامي، وقوة عسكرية تضاهي الهند، ومستفيد من الدعم الأميركي والأسلحة عبر البوابة السعودية.

إلى جانب ذلك، توسّع باكستان والولايات المتحدة شراكتهما في مجال تعدين المعادن النادرة. فقد صدّرت باكستان أول شحنة من المعادن الأرضية النادرة المُخصّبة إلى الولايات المتحدة في الثاني من أكتوبر، في إطار مذكرة تفاهم طويلة الأمد تبلغ قيمتها التجارية نحو 500 مليون دولار. وتأمل إسلام أباد أن تستثمر واشنطن في إنشاء ميناء جديد في منطقة “بانسي” بمقاطعة جوادر، ما يمنح الولايات المتحدة منفذًا أسهل للحصول على المعادن الحيوية التي تحتاجها للحفاظ على تنافسيتها في صناعة أشباه الموصلات.

بعد انتهاء الولاية الأولى للرئيس ترامب، شعرت باكستان بالخذلان في علاقتها بواشنطن، فاتجهت نحو بكين طلبًا للاستثمار والفرص الاقتصادية، مما أدى إلى إطلاق مشروع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC) وتطوير البنية التحتية.

ورغم أن البلدين ما زالا شريكين استراتيجيين، فإن الصين غير قادرة على قيادة مبادرات دبلوماسية واقتصادية إضافية، لكنها تستفيد من تنويع شركائها في مجالات الأمن بعيدًا عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة. أما السعودية، فقد قدّمت دعمًا اقتصاديًا كبيرًا لباكستان على مدى عقود، لا سيما بعد اختبارها أسلحتها النووية لتخفيف أثر العقوبات الدولية. وفي ظل الأوضاع الاقتصادية القاتمة التي تعيشها باكستان حاليًا، خاصة بعد الفيضانات الكارثية هذا العام، تبدو إسلام أباد بحاجة ماسّة إلى حليف يساعدها على الخروج من أزمتها.

في الوقت ذاته، لم يسبق أن أرسلت الصين قواتها بعيدًا عن حدودها، مما يجعلها غير مؤهلة للعب دور الضامن الأمني الإقليمي على غرار باكستان. وبعد الهجمات الإسرائيلية على الدوحة، باتت دول الخليج تبحث عن شريك استراتيجي يظل منخرطًا في المنطقة. ورغم أن مجلس التعاون الخليجي سبق أن تحرك بشكل مشترك لضمان الأمن الداخلي في أوقات معينة، كما حدث خلال الربيع العربي، إلا أن مواجهة قوة مثل إسرائيل تتطلب شريكًا يمتلك خبرة عسكرية أكبر وقدرات ميدانية أوسع.

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بذلت البعثة الباكستانية جهودًا كبيرة للحفاظ على موقعها المميّز بعد الحرب مع الهند في مايو، والتي خرجت منها باكستان دون خسائر كبرى، مثبتة قدرتها العسكرية والدبلوماسية في آن. وقد التقى رئيس الوزراء شهباز شريف بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عقب هجمات التاسع من سبتمبر، مؤكدًا ضرورة توحّد العالم الإسلامي لـ«مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية»، في إشارة إلى رغبة إسلام أباد في لعب دور مؤثر على الساحة الدولية، خصوصًا في الدفاع عن غزة.

ورغم أن تفاصيل الاتفاق الباكستاني–السعودي الجديد لا تزال غير واضحة، إلا أن المؤكد أن باكستان تحاول أن تبرهن كيف يمكن لوضعها “الحيادي” أن يخدم مصالح الولايات المتحدة والدول الإقليمية معًا. كما تسعى إسلام أباد إلى تعزيز علاقاتها مع بنغلادش وسريلانكا، في خطوة تعكس رغبتها في استثمار الظرف الراهن بعد رفض الهند لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه واشنطن في مايو الماضي.

ورغم أن باكستان لا تزال تعاني من أزمات اقتصادية ومالية، فإن تحركاتها الدبلوماسية الأخيرة تشير إلى أنها تستعد لدور جديد في محور الشرق الأوسط–جنوب آسيا، حيث تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على رضا إدارة ترامب، وتنويع تحالفاتها الاقتصادية بعيدًا عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.

المصدر: منى جعفري-ليندمولدر- ناشيونال انترست