الرئيسية » أرشيف » العراق والاختبار الصعب بعد رحيل القوات الأميركية
أرشيف

العراق والاختبار الصعب بعد رحيل القوات الأميركية

أنزل العلم الأميركي عن قاعدة عسكرية أميركية قرب مطار بغداد الدولي بعد ظهر أمس ورفع العلم العراقي مكانه إيذانا بانتهاء العمليات العسكرية وانسحاب آخر جندي أميركي من العراق بعد ما يزيد عن 8 سنوات على الغزو عام 2003. وتم إنزال العلم الأميركي ورفع العلم العراقي مكانه خلال احتفالية أقيمت في قاعدة عسكرية أميركية قرب مطار بغداد الدولي لمناسبة انتهاء العمليات العسكرية وانسحاب الجيش الأميركي من العراق بموجب الاتفاقية الأمنية المبرمة بين البلدين عام 2008.

وحضر الاحتفالية وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الذي ألقى كلمة أشاد فيها بتضحيات جنود بلاده في العراق الذين قال إنهم خسروا 4 آلاف و500 جندي فضلا عن 30 ألف جريح مؤكدا أن بلاده تمكنت من بناء القوات العراقية من الصفر.

هذا، ويعد العراق الأيام التي تفصله عن نهاية العام، وذلك لأن العام الجديد سيحمل اختبارا ربما يكون الأصعب منذ سقوط المقبور صدام حسين في ظل اكتمال الانسحاب الأميركي من العراق بعد احتلال استمر تسع سنوات وفشل واضح في القضاء على العنف الطائفي. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2011 فقد أكثر من ألف عراقي أرواحهم في هجمات، وذلك بالطبع أقل بكثير من العام 2006 الذي سجل ذروة العنف وراح ضحيته 16500 عراقي.

إلا أن الخبراء العسكريين يشككون في قدرة الجيش العراقي ضعيف التدريب فقير التجهيز على احتواء العنف ومنع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية بعد رحيل القوات الأميركية.

وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي الشهر الماضي إنه رغم أن قوات الأمن العراقية قادرة نظريا على التعامل مع المتمردين، إلا أن "على العراقيين العمل بصورة أكبر لتحسين قدرتهم على مواجهة أي اعتداءات داخلية أو خارجية".

ورأى ديمبسي أن العنف والتوترات السياسية بين الأطياف العرقية والدينية ليست هي الخطر الأكبر على استقرار العراق وأن "التهديد الأكبر يأتي من النفوذ الإيراني الشرير الذي يقوض التقدم السياسي"، مؤكدا أن الجيش الأميركي سيواصل تقديم التدريب والمشورة لبغداد.

وقد انقسم العراقيون فيما بينهم حول الانسحاب الأميركي، في ظل عدم اتضاح صورة وشكل أي تواجد عسكري أميركي مستقبلي في البلد. فمثلا تفضل الأقلية السنية، التي كانت تحكم في عهد المقبور صدام، والأكراد الذي يتمتعون بحكم شبه ذاتي في الشمال تواجدا عسكريا أميركيا طويل المدى ليكون رادعا في وجه سيطرة الأغلبية الشيعية المدعومة من الجارة الشرقية إيران.

وعلى الجانب الآخر، هناك من يرفض فكرة أي وجود أميركي ولو كان صغيرا لتدريب القوات الأمنية العراقية، فمثلا حذر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من تصعيد المقاومة العسكرية وإطلاق يد جيش المهدي إذا لم ترحل القوات الأميركية من العراق هذا العام كما هو مقرر.

وتعليقا على هذا، يقول د.حسين حافظ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد: "لا أعتقد أن هناك متسعا من الوقت للالتفاف على الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة فالانسحاب الأميركي من العراق أصبح حقيقة واقعة. وقد تجرى تفاهمات عراقية ـ أميركية لإبقاء جهد عسكري أميركي لأسباب إقليمية تتعلق بدور إيران المستقبلي وداخلية لضبط إيقاع المنطقة وتفادي الهجمات المسلحة الكبيرة على مباني السفارة الأميركية والمنشآات الأخرى، ومثل هذه الأمور يبدو أنها ستتحقق بسرية من دون مسامع وسائل الإعلام".

واستبعد حافظ "فرضية انزلاق العراق في حرب أهلية بعد انسحاب القوات الأميركية، لأن الشعب اليوم أصبح متصالحا مع بعضه على مستوى القوميات والطوائف".

ورأى أن "إيران ستبقى مصدر قلق للعراق وستعمل على دعم تيارات شيعية ناقمة وتوسيع سطوتها في العراق"، مضيفا أنه يعتقد أنها "ستعمل على إيجاد دور قوي لبعض الفصائل الشيعية شبيه بما يجري لحزب الله في لبنان".

وشهد العام الذي يستعد للرحيل خلافات سياسية بين حكومة المالكي وحكومة إقليم كردستان بسبب توقيع الأخيرة منفصلة اتفاقات لاستكشاف النفط مع عملاقة النفط الأميركية "إكسون موبيل"، واعتبرت حكومة المالكي هذه الاتفاقات غير قانونية وهددت بفرض عقوبات على الشركة الأميركية. وأبرزت الصفقة التهديد الذي قد تشكله الخلافات السياسية على صناعة النفط أبرز ما تصدره العراق والمصدر الرئيسي لعائدات الحكومة.

في الوقت نفسه، أصبح واضحا أن السنة يسعون إلى المزيد من الحكم الذاتي في أقاليمهم، فقد أعلن مجلس محافظة صلاح الدين عزمه البدء في إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي ضمن إطار الدولة العراقية، وهو ما رفضه المالكي بصورة قاطعة، وقال إن هناك "دوافع طائفية" وراء هذا التحرك، وأنه يهدف إلى "توفير ملاذ آمن للبعثيين"، على حد تعبيره.

من جانبه، أكد وائل عبداللطيف القاضي والسياسي العراقي أن على العراق أن يحدد ما إذا كان يريد أن يكون دولة بمفهوم الدولة الحضارية أو أن يكون دولة ميليشيات، مضيفا أن "أي دور بارز للمليشيات في إدارة شؤون العراق سيجره إلى الهاوية".