لا تولى أدبيات التنظيمات الجهادية اهتماماً للمرأة على الرغم من كونها لعبت دورًا تاريخيًّا داخل تلك الجماعات ، غير أن أغلبهن لم يسمح لهن باعتلاء مناصب قيادية، ومع ذلك لا ينبغي التقليل من خطورتهن استناداً لأدوارهن المحورية شديدة الحساسية .
أدوار النساء داخل التنظيمات المتطرفة على اختلاف أشكالها تنقسم إلى أربعة محاور رئيسية , حيث تتدرج من دعم الأزواج الأعضاء بالتنظيم الجهادي إلى تربية النشء وإعداد جيل جديد من المتطرفين . وتمتد إلى نشر الأفكار التكفيرية وتجنيد أخريات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وقد نجحن بشكل غير مسبوق فى نشر الأيدلوجيات المتطرفة وجمع الأموال عبر الانترنت , كما أظهرن براعة فائقة في تهريب السلاح ونقل الأموال , ومؤخراً شاركن في التخطيط للعمليات الإرهابية وتنفيذها ولعل أبرز مثال على ذلك مشاركة “روشونارا شودري” البريطانية من أصل بنجلاديشي، إذ إنها في 4 مايو 2010، طعنت “ستيفن تيمز” عضو البرلمان البريطاني لتصويته لصالح الحرب على العراق في عام 2003. واعتُبرت “شودري” أول امرأة بريطانية تدان بهجوم عنيف في المملكة المتحدة بعدما أعلنت ولاءها للقاعدة.
المرأة القاعدية من “الجهاد الأفغاني” إلى “مرحلة الزرقاوى”
استراتيجيات التنظيمات الجهادية تتباين فيما بينها في نظرتها لطبيعة دور المرأة فعلى الرغم من تركيز تنظيم القاعدة على الدور الكلاسيكي للمرأة منذ أن أعلن أيمن الظواهري أنه لا مكان للمرأة داخل التنظيم وخاصة ميدانيا، لأن لها مهام في الصفوف الخلفية ومهام تقليدية فقط ،غير أن تلك السياسة تغيرت مع الاجتياح الأميركي للعراق و اندلاع الصراع فى سوريا والتي شكلت نقطة فارقة في نظرة التنظيم لعنصر المرأة فقد اضطر مع تطور مسارات الأزمة إلى التخلي عن أفكاره التى تحرم انخراط المرأة في القتال وشكلت جبهة النصرة كتائب نسائية عسكرية .
“المرأة القاعدية ” حافظت على دورها النمطي خلال فترة ما يُسمى بـ”الجهاد الأفغاني” فلم يكن من أدبيات الجماعات المتطرفة حينها إشراك المرأة في العمليات العسكرية المباشرة ؛لذا لا نجد ضمن تراث الرعيل الأول من قيادات القاعدة أو غيرها أي دلائل على إقحام المرأة في العمليات القتالية إذ كانوا يحرصون على تجنيب العنصر النسائي بما فيه زوجاتهم الانخراط فى القتال لذا فقد انحصر دورهن في التمريض والطب، و تقديم التعليم الشرعي للمرأة، فضلًا عن الدعوة للجهاد في أفغانستان والحث على القتال. إلى جانب مهام الشرطة النسائية والتي تتولى كل قضايا المرأة
لكن مع ظهور تيار أبو مصعب الزرقاوى وتأسيس فرع القاعدة في العراق عام 2004 حدث تحول نوعى في تعاطي التنظيم للأفكار المتعلقة بدمج المرأة في العمليات القتالية حيث تأثر بخطاب سامر سويلم، القائد السعودي للجهاديين العرب في أفغانستان، والذي دعا لمشاركة المرأة في الأعمال القتاليَّة في الشيشان وعمد إلى تطبيقه في العراق .وسرعان ما شهدت تلك الفكرة تطوراً لافتاً حيث دعا الزرقاوى فيما بعد إلى إقحام النساء وإشراكهم فى العمليات الانتحارية .وكانت ساجدة مبارك عطروس الريشاوي من مواليد 1965، وهي عراقية أو ل من استجاب لخطابات الزرقاوى حيث جُندت للقيام بعملية انتحارية في فندق في عمان عام 2005، ولكن ألقي القبض عليها من قبل السلطات الأردنيَّة قبل تفجير حزامها الناسف.
وتشير التقارير في العراق إلى أن اغلب عمليات نقل الأحزمة الناسفة والعبوات والمنشورات كانت تقوم بها زوجات عناصر وقيادات في القاعدة ما بين عامي 2008-2009 و أن 174 هجومًا إرهابيًّا نُفذ بواسطة النساء في الفترة من أبريل 2003 وحتى أغسطس 2008، أي بمتوسط 35 هجمة كل عام. وأكدت الأجهزة الأمنية في ديالى أن 27 عملية انتحارية نفذتها نساء بين أعوام 2007-2010 بينها 19 عملية نفذتها زوجات وشقيقات عناصر وقيادات تنظيم القاعدة من الذين قتلوا في مواجهات مع الأجهزة الأمنية.
الداعشيات من “عرائس الجهاد” إلى “الذئبة المنفردة”
وخلافاً لأيديولوجية الرعيل الأول من القاعدة استلهم داعش أدبيات” قاعدة أبى مصعب الزرقاوى” فى العراق فقد كان تنظيم الدولة الإسلامية أول منظمةٍ إرهابيةٍ تقود حملةً منظمةً للوصول إلى النساء من خلال استخدام دعايةٍ خاصةٍ مبنية على أساس الجندر , كما أجاز جهاد النساء بالنفس والجسد، فالتحقت مئات النساء بمعاقل التنظيم فى كل من العراق وسوريا، حيث شكلت فئة من النساء كتائب للحسبة النسائية مهمتها ملاحقة نساء المدينة والتأكد من التزامهن بتعاليم الشريعة خاصة فى المظهر واللباس، فضلا عن معاقبة كل من تخل بتعاليم الشريعة.بالإضافة إلى جهاد النكاح؛ لتكون زوجة للفرد الإرهابي داخل التنظيم، والتأكيد على دور “الزوجات” في تقوية أواصر المجتمع الداعشي.
وعمد التنظيم لإنشاء كتيبة خاصة بالنساء تُعرف باسم “كتائب الخنساء” حيث بدأت عملها بمهام احتسابية منها الانتشار في شوارع وأسواق مدينة الرقة ودخول البيوت للاحتساب على النساء، ثم تطورت إلى إقامة الحدود والعقاب كالجلد والسجن وكذلك التعذيب، ثم أصبحت جزءا من الكتائب المشاركة في القتال والعمليات العسكرية وتدريب المجموعات النسائية على حمل السلاح، وقد تأسست تلك الكتيبة في عام 2014 وتقودها تونسية تدعى ” أم ريان ” وتتكون من عناصر من جنسيات التونسية والأوروبية والشيشانية وغيرها.
داعش استغل النساء في مهاجمة أعدائه، مستغلًّا قدرتهن على التخفي، فضلًا عن تراجع مستويات الريبة والشك بهن مقابل الرجال، وبرز هذا بشكل واضح أثناء محاولة القوات الأمنية العراقية استعادة الجزء القديم من مدينة الموصل (عاصمة التنظيم في العراق)؛ حيث ذكرت تقارير أن التنظيم استخدم الانتحاريات لإعاقة تقدم القوات العراقية، وهو ما يؤكد أن التنظيمات المتطرفة لا تلتزم بقيم أو قوانين معينة، بل تعتمد إلحاق الأضرار بخصومها هدفًا لابد من تحقيقه بأي وسيلة كانت.
ومع اندلاع الحرب في سوريا وانهيار آخر معاقله فى الرقة عام 2017، أضحى للعناصر النسائية دوراً بارزاً إذ سرعان ما تطورت استراتيجية التنظيم لاستخدام المرأة من تنفيذ اللوائح الداخلية، لأدوار أخرى إرهابية تشمل تنفيذ مهام قتالية (بهدف تعويض نقص المقاتلين الرجال). ونشر داعش في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 رسالة عبر “صحيفة النبأ” التابعة لها، يدعو فيها النساء إلى الاشتراك في العمليات القتالية والعسكرية وفقًا لشروط معينة.وفي شهر فبراير/شباط عام 2018، نشر التنظيم فيديو هو الأول من نوعه، تظهر فيه نساء مقاتلات في الصفوف الأمامية إلى جانب مقاتلين من الرجال.فيما يبدو أنه معركة على طول نهر الفرات في سوريا , فعلى الرغم من أن تقارير عدة أشارت إلى استخدام داعش لقناصة وانتحاريات في معارك دير الزور والرقة غير أن هذا الفيديو كان أول اعتراف من التنظيم بذلك .
الداعشيات ,على الأرجح, سيلعبن أدوارًا أكبر في العمليات المستقبلية التي يوجهها تنظيم الدولة الإسلامية، ليشمل عمليات التخطيط والتنفيذ العسكريين حيث تشير تقارير إلى أن التنظيم سيبدأ قريبًا في اختيار المزيد من النساء كعميلات له في تنفيذ مخططات العمليات الخارجية، لاسيما في ظل اقتراب عودة المهاجرات الغربيات إلى بلدانهن..إذ أن نساء داعش بمقدرتهن تقديم دعم لوجستي للعناصر المتطرفة، علاوة على قدرتهن على تنفيذ هجمات داخل أوروبا بشكل منفرد، دون تواصل مع التنظيم ضمن استراتيجية الذئاب المنفردة.
عرائس الجهاد تحولن إلى التفجيرات إرهابية عبر ثلاثة أنماط : خلايا نسائية، أو خلايا عائلية، أو ذئبات منفردات نسائية، وهناك عدة شواهد على ذلك منها قضية تشافين مالك، والتي أطلقت النيران على مركز صحي في مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا؛ ما أسفر عن 14 قتيلًا و21 جريحًا، وأعلنت تشافين مبايعتها لـ” داعش»” عبر تدوينة على حساب الفيسبوك في نفس يوم التفجير، وأعلن “داعش” من جانبه تبنيه للتفجير في اليوم التالي (خلية عائلية). ويمكن رصد نموذج الخلية النسائية من خلال الداعشية التي فجرت نفسها مع رضيعها بالموصل بالعراق أثناء مواصلة السلطات الأمنية تأمين النازحين بعد طرد داعش منها . في حين تتكشف عملية الذئبة المنفردة عبر الانتحارية حسناء آيت بلوحسن، من أصل فرنسي، والتي كانت على علاقة بالعقل المدبر لهجمات باريس لعام 2015، وانتهى بها الأمر لتُفَجِّر نفسها في وجود أفراد من الشرطة الفرنسية بمنزلها .
وتشير دراسة حديثة إلى أن نسبة المقاتلات الأجنبيات في صفوف داعش ازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة: 11% من المقاتلين الأمريكيين في صفوف داعش هم من النساء، و 34% من المقاتلين الفرنسيين هم نساء، وهنالك أكثر من 500 امرأة أوروبية يخدمن في صفوف داعش أيضًا.
كتائب “الزينبيات” الحوثية
وعلى صعيد التنظيمات والمليشيات الشيعية يشكل حضور المرأة كعنصر مقاتل حدثاً عرضياً لكن برزت كتائب الزنيبات ضمن الميليشيا الحوثية مؤخراً . حيث اتجهت إلى تجنيد النساء ضمن كتائب تسميها “الزينبيات” في اختراقٍ للنسق الأخير في المجتمع اليمني .
“الزينبيات” مسمى طائفي لكتائب نسائية عملت الميليشيا الحوثية على تجنيدها, محاكاةً للأسلوب الإيراني وأسلوب ميليشيا حزب الله اللبناني, لردع أية تحركات نسائية مناوئة ولتفتيش المنازل واقتحامها, وتخضع الزينبيات لدورات نفسية ولدورات قتالية على يد خبراء محليين وخارجيين ويتدرّبن على مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وعلى كيفية السيطرة على الشارع في حال اندلاع تظاهرات. وبعد قتل الميليشيا الحوثية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017 م, قمعت الزينبيات تظاهرة نسائية نظمتها مجموعة من القيادات النسائية التابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام في جامع الصالح بصنعاء في الخامس من ديسمبر للمطالبة بتسلّم جثمان صالح ودفنه، إذ جرى الاعتداء على المشاركات بالضرب واعتُقل عدد منهنّ ، تلا ذلك اعتداء ثان وعلني لكتائب الزينبيات في 21 مارس 2018، على ناشطات مؤتمريات أمام منزل صالح، تجمعن في ذكرى ميلاده للمطالبة بدفنه.
ونفذت الزينبيات مهاماً للميليشيا الحوثية تشمل زرع الألغام والعبوات الناسفة بحسب بيان نشره الجيش اليمني، حيث تمكنت وحدات خاصة من الجيش الوطني من اكتشاف خلية نسائية تقوم بزرع الألغام في عدد من الطرقات الرابطة بين المديريات المحررة بمحافظة الجوف.
وعمدت المليشيا الحوثية على مدى عامين إلى استعراض الكتائب النسائية في عروض ضخمة فظهرن وهنّ يحملن السلاح المتوسط والخفيف، وظلت القيادات الحوثية تتفاخر بهذه الكتائب التي تدّعي أنها ستقاتل من تسميه “العدوان” إلا أن الأحداث الأخيرة أظهرت أن مهمتها هي مواجهة المعترضين على سياسات الميليشيا في الداخل
التطورات النوعية التي طرأت على دور العنصر النسائى في التنظيمات المتطرفة تتطلب في المقام الأول, النظر في دوافع المرأة للمشاركة في العمليات الإرهابية والانضمام للتنظيمات المتطرفة
اضف تعليق