في المشهد السياسي المعقد في الشرق الأوسط، يجد لبنان نفسه عند منعطف حرج. وتواجه البلاد مجموعة من التحديات، بما في ذلك التهديد الذي يلوح في الأفق من حزب الله ونفوذ إيران. ورغم أن نضال لبنان ضد هذه القوى أمر مشروع بلا أدنى شك، فمن الضروري أن ندرك أن صعود الحركة اليسارية يفرض مجموعة من المخاطر التي تهدد استقرار البلاد وأمنها في المستقبل.
تزعم الحركة اليسارية في لبنان، والتي اكتسبت زخماً خلال السنوات الأخيرة لاسيما بين شباب الجامعات أنها تدافع عن القيم التقدمية والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، قد يكون مهما قراءة تحليل العواقب المحتملة لسياسات هذا التيار وخطابه في سياق صراع لبنان المستمر ضد حزب الله وإيران.
أولاً وقبل كل شيء، يهدد النهج الذي تتبناه الحركة اليسارية في التعامل مع السياسة الخارجية بتقويض قدرة لبنان على التصدي لنفوذ إيران وحزب الله. تاريخيًا، على الرغم من أن اليسار وحزب الله يبدوان على طرفى النقيض غير أنها يتقاطعان على رقعة تحالف المستضعفين تقسيم العالم إلى مقهورين ومستكبرين . صحيح, أن الحركات اليسارية كثيرا مادعت في جميع أنحاء العالم إلى سياسات خارجية غير تدخلية، مع التركيز على الدبلوماسية والحوار حول استخدام القوة. بيد أن ثمة إشكالية و مخاطر متزايدة لابد من التعاطى معها بجدية عندما
تتعامل مع أطراف تتبنى هذه النظرة بالقضايا الخارجية لاسيما مع التغييرات الإقليمية والجيوساسية هو ما يعنى تقويض قدرة لبنان وسياستها الدولية
ثانياً إن تبني الحركة اليسارية للسياسات الاقتصادية الاشتراكية يمكن أن يؤدي إلى تقويض الاستقرار الاقتصادي في لبنان في وقت تشتد الحاجة إليه. إذ يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة، اتسمت بالتضخم المفرط والبطالة وانخفاض قيمة العملة. ورغم أن تركيز الحركة اليسارية على إعادة توزيع الثروة وبرامج الرعاية الاجتماعية قد يبدو جذابا وبراقاً ، فإن مثل هذه السياسات قد تؤديإلى تفاقم المشاكل الاقتصادية. لاسيما وأن الضرائب المرتفعة المفروضة على الأثرياء والشركات، إلى جانب توسيع سيطرة الحكومة على الاقتصاد، قد تفضى بنهاية المطاف إلى تثبيط الاستثمار وخنق النمو الاقتصادي.
كما أن ميول التيار اليسارى إلى إعطاء الأولوية للنقاء الأيديولوجي على الحكم العملي يمكن أن يسفر أيضاً عن خلق المزيد من الانقسامات الداخلية فى لبنان. ولدى حزب الله تاريخ طويل في استغلال الانقسامات الطائفية في البلاد لتعزيز أجندته الخاصة. ومن الممكن أن تصب حركة يسارية إيديولوجية متشددة في مصلحة حزب الله عن غير عمد من خلال تعميق هذه الانقسامات وإضعاف الوحدة الوطنية في لبنان.
يضاف إلى ذلك أنه في الحرب ضد حزب الله وإيران، يحتاج لبنان إلى جبهة موحدة تتجاوز الاختلافات الطائفية والإيديولوجية. إن إصرار الحركة اليسارية على النقاء الإيديولوجي واستعدادها للانخراط في مواجهات مع الفصائل السياسية الأخرى من شأنه أن يعيق التعاون المطلوب والملح لمواجهة التهديدات الخارجية بفعالية.
لذا قد يبدو مهما التأكيد على أن معالجة نفوذ حزب الله وإيران في لبنان تتطلب نهجاً متوازناً يأخذ في الاعتبار الديناميكيات الخارجية والداخلية المؤثرة. ولمُثُل اليسارية للعدالة الاجتماعية والمساواة يجب تخفيفها بفهم عملي للحقائق الجيوسياسية التي يواجهها لبنان. إن تحقيق التوازن الصحيح بين الدبلوماسية والقوة العسكرية والاستقرار الاقتصادي أمر بالغ الأهمية لمستقبل لبنان.
إن المدقق فى أدبيات الحزب ونشأته سيتشعر أنها مزيج من الدين و أفكار يسارية تقدمية .إذ يبدأ الأثنان بالهيكل السياسي والهدف المعلن للبلاد. وفي كلا الهيكلين ، يوجد قائد أعلى أو أمين عام ، يليه مجلس وصاية أو مكتب سياسي ، يليه لجنة مركزية أو مجلس مصلحة وأعضاء الحزب. لكل منها ألوانه الخاصة ، لكن بناء الكتل متشابه. وهذا يخدم أهداف العقيدة أو اللاهوت. إنها الدولة القائمة على الفرد. وهكذا ، بكل المقاييس ، حزب الله هو تشكيل سياسي يساري بامتياز .
والنقطة الأساسية هي أن اليسار يحرف اللوم عن حزب الله. المثقفون والمفكرون ذوو الميول اليسارية في لبنان يدفعون برواية النخبة الحاكمة ويتجاهلون مساءلة حزب الله. لم يذكروا من يحمي هذه النخبة الحاكمة أو المستفيد أكثر. هم لن يعترفوا بمسؤولية «حزب الله» ودوره الاساسي في اضمحلال بلادهم. بالنسبة لهم ، حزب الله يقاتل أكبر مضطهِّد – إسرائيل – وهو غير مسؤول عما يحدث في البلاد. هذه سياسة ثنائية القطب أو نفاق.فإذا كان اليساربكل أطيافه معارضاً ومطالباً بالحريات المدنية، فكيف يتغاضى عن انتهاكات حزب الله الإنسانية وأين إعلامه ومنظماته الحقوقية من حادثة قتل إلياس الحصروني وغيرها . ويرفضون الحوار ويتهمون كل من له رأي مختلف بالخيانة.
بالنهاية يشكل صعود التيار اليسارى مخاطر متزايدة على قدرة الأمة على مواجهة حزب الله وإيران بشكل فعال. حيث يتطلب استقرار لبنان وأمنه في المستقبل نهج دقيق وعملي أكثر حريةيلائم طبيعة الشخصية اللبنانيةو يأخذ في الاعتبار التحديات المتعددة الأوجه التي يواجهها. ويجب ألا يأتي النقاء الأيديولوجي على حساب الوحدة الوطنية، والاستقرار الاقتصادي، والدفاع القوي ضد التهديدات الخارجية.
اضف تعليق