تتناول الخطة العديد من القضايا الأساسية التي تُسهم في استمرار الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس، لكنها قد تكون طموحة أكثر من اللازم. فخطة ما بعد الحرب في غزة لن تنجح إلا إذا أعطت الأولوية لإدارة الأزمة، والأمن، والحكم المؤقت، قبل معالجة التحديات طويلة المدى مثل التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.
ينبغي على المفاوضين أن يركزوا أولاً على التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، ويضمن انسحابًا إسرائيليًا منسقًا من القطاع، ويؤسس هيئة حكم مؤقتة، ويعالج الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمدنيين في غزة.
فرغم أن وجود خطة لغزة بعد الحرب أفضل من غياب أي خطة، يجب أن تُعطى الأولوية للسياسات التي «توقف النزيف» قبل التفكير في مبادرات طويلة الأجل مثل الاستثمار والتنمية العقارية.
الخطة التي أصدرتها البيت الأبيض بعد لقاء ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاقت ردود فعل إيجابية من العديد من الدول العربية، مثل قطر والأردن ومصر والسعودية، ومن دول إسلامية غير عربية مهمة مثل تركيا وباكستان وإندونيسيا.
وإذا وافقت إسرائيل وحماس على المقترح، فإن الحرب ستتوقف فورًا، وسيُفرج عن جميع الرهائن – أحياءً وأمواتًا – خلال 72 ساعة، مقابل إطلاق سراح 1950 أسيرًا فلسطينيًا. وستتخلى حماس عن سلاحها، وتُدار غزة مؤقتًا بواسطة «لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية»، بإشراف ومشورة «مجلس السلام».
تعتمد الخطة على مقاربة مبتكرة لمعالجة القضايا الإنسانية والأمنية ضمن إطار واحد.
فعلى سبيل المثال، تنص على أن المساعدات ستتدفق إلى غزة فورًا بمعدل يعادل عدد الشاحنات اليومية التي كانت تدخل القطاع خلال هدنة يناير 2025.
كما تؤكد على ضرورة إعادة بناء البنية التحتية الحيوية – مثل محطات معالجة المياه، والمستشفيات، والمطابخ المجتمعية – وتوضح أن «لا أحد سيُجبر على مغادرة غزة، ومن يرغب بالمغادرة سيكون حرًا في ذلك، وحرًا في العودة أيضًا».
ومع ذلك، تتضمن خطة ترامب عدة نقاط مقلقة؛ إذ تحاول معالجة قضايا كثيرة في وقت واحد – مثل الحكم بعد الحرب، وإعادة الإعمار، والتنمية الاقتصادية، وتقديم المساعدات – بينما تحتاج غزة إلى خطة تطفئ أكبر الحرائق أولًا.
فقط بعد استقرار الوضع الميداني، ونزع سلاح حماس، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين، يمكن بدء الحديث عن إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
ينبغي للمفاوضين أن يعطوا الأولوية لاتفاق محدود النطاق يوقف القتال، ويحرر الرهائن (وهو شرط وافقت حماس على تلبيته)، ويضمن تدفقًا ضخمًا للمساعدات إلى غزة لمواجهة المجاعة وانهيار النظام الصحي.
وبعد معالجة هذه القضايا العاجلة، يمكن لصانعي القرار البناء على النجاحات السابقة وصياغة اتفاقات إضافية تتناول القضايا الأكبر والأكثر تعقيدًا، مثل إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
فلا يمكن إعادة بناء غزة بينما سكانها يعانون الجوع ويموتون من أمراض يمكن الوقاية منها.
وقبل كل شيء، أي خطة «لليوم التالي» لا تراعي حقوق الإنسان والمخاوف الأمنية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين محكوم عليها بالفشل.
كما تنص الخطة على أن الحكومة المؤقتة في غزة ستخضع لإشراف «مجلس السلام» الذي سيقوده ترامب نفسه ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وبحسب الوثائق التي نشرها البيت الأبيض، سيتولى هذا المجلس الإشراف على إعادة إعمار غزة حتى تجري السلطة الفلسطينية «إصلاحات كافية» – من دون تحديد ماهية تلك الإصلاحات.
لكن الخطة لا تتضمن أي دور للفلسطينيين في مجلس الإشراف، كما أنها لا تتطرق إلى قضية توحيد غزة والضفة الغربية.
تتضمن الخطة أيضًا عبارات مشابهة لرؤية ترامب في فبراير 2025 المسماة «غزة ريفييرا»، التي تصورت «استحواذًا أمريكيًا» على قطاع غزة، ونقلًا للفلسطينيين منه، وتحويله إلى «منطقة اقتصادية خاصة».
ورغم أن خطة ترامب تحتوي على بعض النقاط الإيجابية، فإنها لا تزال تنظر إلى غزة كمشروع استثماري أكثر من كونها أزمة إنسانية ودبلوماسية تحتاج إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي.
إذا كانت إدارة ترامب جادة في لعب دور رئيسي في إعادة إعمار غزة بعد الحرب، فعليها أن تلتزم بتخصيص سنوات من الجهد الدبلوماسي لهذه القضية، وأن تكون مستعدة لخوض حوارات صعبة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والشركاء العرب والحلفاء الأوروبيين على حد سواء، لضمان التزام جميع الأطراف بتعهداتهم على المدى الطويل.
ولا شك أن السلطات الفلسطينية – بما فيها السلطة الفلسطينية – ستحتاج إلى دعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في جهود التعافي بعد الحرب، لكن على واشنطن أن تفعل ذلك بحذر حتى لا تُتهم بالاستغلال.
يجب أن تنسق مساعداتها بعناية مع الأردن ومصر، وأن تعتمد على الشركاء الإقليميين كلما أمكن.
فذلك وحده ما سيحافظ على مصداقية واشنطن كوسيط موثوق ومحايد في المناقشات المستقبلية حول القضايا الأكبر مثل التجارة وأمن الحدود والدولة الفلسطينية.
لن تكون أي خطة «لليوم التالي» لغزة مثالية أبدًا.
فأي اتفاق سينهي الحرب سيُغضب بدرجات متفاوتة الإسرائيليين والفلسطينيين وشركاءهم الغربيين.
وسيتطلب أي اتفاق أيضًا من حماس أن تتصرف كمفاوضة حسنة النية وتلتزم بتعهداتها – وهو أمر غير مضمون.
لكن تجاهل مسألة الحكم بعد الحرب هو أسوأ الخيارات الممكنة.
ورغم أن خطة ترامب بها عيوب، فإن بعض عناصرها قد تُستخدم لإنهاء هذا الصراع.
ولتحقيق أكبر فرصة للنجاح، ينبغي على البيت الأبيض تقسيم طموحاته إلى خطتين صغيرتين لكن مترابطتين:
-
الأولى تركز على إنهاء الحرب، وإعادة الرهائن، واستقرار الأوضاع في غزة؛
-
والثانية تُعنى بإعادة الإعمار على المدى الطويل.
ويجب أن تتضمن هذه العملية مشاركة فلسطينية حقيقية منذ البداية، بما يمنح حكومة ما بعد حماس فرصة لبناء شرعية داخلية من اللحظة الأولى.
ويتفق كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين وأعضاء المجتمع الدولي على أن هذه الحرب طال أمدها أكثر مما ينبغي.
لقد حان الوقت للتفكير الجاد في مرحلة ما بعد الحرب، لضمان أمن المنطقة على المدى البعيد.
المصدر: ديلاني سوليداي- ناشيونال انترستت
اضف تعليق